عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 22-05-2013, 05:48 PM
غموض~ غموض~ غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 968

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد فاضلي مشاهدة المشاركة
...التناصحُ-أختي الكريمة غموض-مظهَرٌ من مظاهر الصحةِ،التي تـُنبئُ عن سلامةِ الإطار الأخوي العام الذي يَحْكُمُ المجتمعَ الإسلامي،وهي-حين تـُؤدَّى بشروطها-دليلٌ قويٌّ على تماسكِ المسلمين في وحدة مشاعرهم وتآلفِ قلوبهم..وإلا فما بالُ الحديثِ النبوي الصحيح يَحْصِرُ مِلاَكَ الدين العظيم في كلمةٍ نبويةٍ جامعةٍ مانعةٍ،هي من روائع ( جوامع الكَلِمِ ) المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة ))...

وما من شكٍّ-أختي-أن النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين،لمَّا كانتْ واجبة بين أفراد الأمة،فإن لها آداباً وطرائقَ سليمة ًمعينة ً،لا يتمُ المُرادُ منها إلا إذا فقِهَهَا المسلمُ وأتقنَ التطبيقَ والممارسَة فيها،ولعل الإخوة والأخوات الذين سَبَقوني بالإدلاءِ لاَمَسوا جوانبَ رائعة ورفيعة في بعض الآداب التي ينبغي التحلي بها عند النصيحة والتناصح...

وأنا لنْ أطمَعَ في زيادةٍ أو إثراءٍ على ما تفضلوا به سوى هذه الكلمة التي نشرتـُها قبْلاً عبْرَ سلسلةِ مقالاتٍ،وفقني الله تعالى إلى إخراجها في رمضان الفائت،أجدُ فيها شيئًا من سياق الأفكار التي تتقاطعُ والطرحَ الكريمَ الذي نناقشه هنا حولَ النصيحة وطرائق التناصح...فإليْكُمُوها أحبتي :

(( أحبتي في الله...

أحياناً عندما يُخالط ُالواحِدُ منا حشودَ الناسَ التي تحيط به،ويَسبرُ طريقة تفكيرهم ويراقبُ طبيعة َأحكامهم،يلحَظ في مسالِكِها وتصرفاتِها كثيراً من الأمور التي تستوجبُ التوقفَ والنظرَ...

من ذلكَ مثلاً ؛ موِقفُ الكثيرين في لحظاتِ توجيه اللوم والنقد لأولئكَ الذين استزلـَّهُمُ الشيْطانُ،فوقعوا-لِدَواعٍ كثيرةٍ-في الخطأ والخطيئة...

نحن نعرفُ بداهــة ًأن الكمالَ لله تعالى وحدَه،وأن العِصمَة َصفة ٌمن صفاتِ أنبيائه،وأن الواحِــدَ منا،مهما عــلاَ شأنـُه واحتاط َلنفسِه،لا ينجو-في أحوْطِ المواقف-أن يقعَ في ( اللمَـمِ ) الذي هو أخفُّ الخطايا..

والواحِدُ منا إن لم يقع في خطأ العَمْد،فلا مناصَ من أن يقعَ-من غير قصدٍ وبحُسْن نيًّةٍ-في ما دون ذلكَ...

لذلكَ كان المسلمُ (( مِـــرآة أخيه ))،يُريـهِ-بالحسنى والنصيحة الهادئة-مواطــنَ الزلل في شخصيته وتصرفاتِه،ويُوَجـِّهُهُ بكيَاسَةٍ ولينٍ إلى مراشدِ الأمور ومراقيها،بعيداً عن الفضائح والصياح والتشنج والاحتقان وفوَرَان الأعصاب...

لكِــنْ هناكَ ناسًا لهم في مقام التناصح مسْلكٌ عجبٌ...

تشعُــرُ بهم وهم يتمادَوْنَ في تعنيفِ المُخطِــئ-باسم اللهِ وفي سبيل اللهِ-أن نفوسَهم الخبيئة تـَـطـْـوي نيَّــة ًأخرى،تتجاوز بكثيرٍ مُجَــرَّدَ النصح والانتصاح...!!

إنهم ينطلقون-باسم النصيحة الواجبة،وباسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-في تجريع المُخطئ صُــنـُوفاً من الكلام الطويل،والطويل جدًّا،ويَجعلون من قصة خطـَئِــهِ فاكهة ًفي مجالسهم،يلوكونها بألسنتهم،يتحدثون عنها مراراً وتكرارً،ويُجددون ذِكْــرَها كلما أثارَ واحدٌ منهم سيرَتـَها..كلُّ ذلكَ باسم النصيحةِ لله تعالى ولرسوله ولعامَّةِ المؤمنين...!!

والحَــقُّ-أحبتي الكرام-أنَّ اللهَ تعالى ورسولـَـهُ وعامَّــة المؤمنين هم آخــرُ ما يَخطــر على بال هؤلاء،لأن شوائبَ أخرى من التشهي والتشفي والعُقـَدِ النفسيةِ المختلفةِ هي ما ملأتِ القلبَ والجَنانَ واللسانَ،بل واحتوتْ كلَّ المشاعرَ...

نعَــمْ..إننا إذا نصَحْنا للمُسيءِ-ونحن فرحون لِما فـَـرَّط َ من إساءَته-وتربَّصنا به العقابَ-ونحن شامتون متلذذون لِما أصابَه من جريرته-فنحنُ قوْمٌ لا نـقـَـوِّمُ لله تعالى ولا لإقامةِ حدوده..

وكلامُنا في نصحه ووَعْظِـه وتوجيهِهِ-وإن كانَ حقـًّا-إلا أنه كجهادِ البائر..!!

وإصرارُنا على إنزال العقوبة به-وإن كان عدْلاً-إلا أنه إشباعٌ لشهوةِ التشفي لا لإقامةِ الدين الصحيح..!!

لقد جيـئَ بامرأةٍ خاطئةٍ إلى السيد المسيح عيسى بن مريمَ-عليهما السلام-حتى يقومَ بحَــدِّ الله عليها،فلما تجمَّعَ القوْمُ في الساحة العامة،راحَ عيسى-عليه السلام-يتفرسُ في وجوه الأحبار من بني إسرائيل،فأدركَ بفراسته النبوية حقيقة ما تنطوي عليه نفوسُهم تجاه المرأة الخاطئة،فقال لهم : (( مَــنْ كانَ منكم بلا خطيئةٍ،فليتقدمْ لرجمِها..!!! ))..

وعيسى-عليه السلام-لا يرمي بَداهَــة ًهنا إلى تعطيل حَدٍّ من حدودِ الله،ولكنه يَعلمُ هذه اللوثة النفسية التي تصْحبُ أحبارَ اليهودِ كلما سنحتْ لهم فرصة َالتشفي والتشهي بخطيئة الناس...!!

إن النية الصالحة-كما قال علماؤنا-روحُ كُلِّ عَمَل،وبها ترسو الموازينُ كالجبال،أو تخِفُّ كالهباء..!! (( إنما الأعمال بالنيات... ))...

والمؤمنُ الصادقُ إنسانٌ يَعشقُ الخيرَ-في جميع أوْجُهِهِ- ويهوَى حُصُولـَــهُ ويحب أصحابَــه...

في الحديث الصحيح،أن رجلاً جاءَ إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-يسأل : (( ما علامة ُاللهِ في من يريده،وما علامته في مَنْ لا يريده..؟ ))،فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (( كيْفَ أصبحتَ..؟؟ ))،قال : (( أصبحتُ أحب الخيْرَ وأهلـَه،وإن قدَرْتُ عليه بادرتُ إليه..وإن فاتني حزنتُ عليه وحننتُ إليه ))،قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( فتلكَ علامة اللهِ في مَنْ يريدُه ))...

هذه النفسُ التي تحب الخيْرَ عن نقاءٍ وصفاءٍ وطـُهْر تكرَهُ الآثامَ بداهــة ً،وتنكمش عن ذويها..

فإذا رأتْ جُرْماً استنكرته،وإذا كانتْ بينها وبين صاحبه خصومة ٌسابقة ٌ،أو جَـفوَة ٌقديمة لمْ تفرَحْ لعثرتِه..

إن الخطيئة َقذارة ٌ،تلوِّثُ وجْهَ الحياة كما تلوثُ الأدرانُ وجوهَ الطرقات...

ومُجَــرَّدُ الإحساس بالفرح بوقوع المعصيةِ-أيًّا كانتْ وأيًّا كان صاحبُها-يدلُّ على مرض نفسيٍّ هائل..!!

إن المؤمنَ الحقيقي لا يُفرحُــهُ وقوعُ سَيِّئَةٍ من أحـدٍ ولو كانَ المخطئُ كافراً..فما بالنا بأهل الإيمـان..؟؟!!

ويومَ يَحُسُّ الرضــى والانشراح في نفسه لجريمةٍ تقعُ من إنسانٍ-عَدُوٍّ أو صديقٍ-فلـْـيَثِـقْ بأنَّ في إيمانه قصوراً خـَفِيًّا،يجب الاستشفاءُ منه عاجــلاً...

كذلكَ ليسَ من الإسلام في شيءٍ أن يندفعَ المؤمنُ فاضحاً،مُشهِّراً بمَنْ أخطأ،مُظهـِـراً الشماتة َفيه،طالِباً النكَالَ به،كأنما يُدركُ ثأراً فاتـَه ومكنتـْهُ الأيامُ منه...!!

ألا ننحني احتراماً وإجلالاً للإيثار العالي الذي تتسم به النفوسُ العظيمة،ونحن نسمَعُ الإمامَ الشامخَ أحمد بن حنبل الشيْباني-رحمة الله عليه ورضيَ عنه-يقول في دعائه : (( اللهمَّ إن قبلتَ عن عُصاةِ أمةِ محمدٍ فداءً،فاجعَلني فداءً لهم..!! ))...

إن الأثـَرَة َالتي قد تـَـرينُ على أفئدَتِنا من الأنانيةِ الغاشية،تنكشفُ كلـُّها أمام الشعاع الطهور الوضيء الذي يَبْرقُ في هذه الكلمةِ الخالدة...

حمَى الله-أحبتي-قلوبَنا جميعاً من لوْثاتِ التشفي والتشهي،وجعلها مطيَّــة ًتحملُ الجميعَ وتسعُهم،ونسأله تعالى أن يُنقيها ويغسلها بالماء والبَرَد والثلج..وتقبل الله تعالى منا ومنكم....
)) اهــ

جوزيتِ خيراً-أختي غموض-وجزى اللهُ الأحبة الآخرين على نظائر أفكارهم النيرة...
يالله .. !
الأستاذ الفاضل يزيد فاضلي ...
هذا ليسَ مقالاً فحسب . بل دُررٌ بحق ..
و حديثٌ لابد أن يُقرأ مِراراً و يُستفادُ منه .

كما ذكر الأخوة من قبل ..
أن من أهم الأمور أن يكونَ المكان مُناسباً للنصح ..
لا يجب النّصح في المجلسِ و امام الجماعة ..
أو كما قلتَ - أستاذي - : هناك كثيرون .. يتخذون من أخطاء الآخرين
شيئاً يسخرون به أمام الناس أو في مجلسٍ ما .. بحجة أنهم في تلك اللحظة
يودون تقديم النصيحة له .. !!
لابدّ أن يكونَ هناكَ وعيٌ كامل .. و فهم و مراعاة مشاعر الآخرين أيضاً في موقفٍ كهذا ..
لربما يصابُ الشخص بشيءٍ من الحرج و يكرهُ بعدها أن ينصحه أحدٌ آخر حتى و إن رغِبَ الشخص
تقديم تلك النصيحةِ بشكلٍ مختلفٌ و راقٍ ..
فكل تلك التفاصيل تؤثر في المتلقِ ..


أشكركَ من الأعماقِ أيها القدير على جمال حضورك ..
دائماً تكتُب دُرراً نستفيدُ منها و نتعمق في معانيها ..

كن دائماً هنا ..
لك الود
__________________
الحمدللهِ ربِّ العالمين
الحمدلله على كل شيءٍ رحل أو أتى أو تغيّر أو تبدّل.



#لا عودةَ بعد الغياب.
رد مع اقتباس