عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 09-09-2017, 10:19 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

انقضت ست سنوات عجاف رافقتنا منذ بدأنا انتقالنا إلى بيتنا المستقل، عشنا فيها الخوف والضيق وتجرعنا فيها الهم كؤوسا مترعة، تحول بيتنا إلى ملاعب للجان والشياطين، وميدانا لحرب لا هوادة لها، عشنا الغربة كأسرة، والاغتراب الفكري والروحي، وكنت خلالها أقاتل في جبهتين؛ حيث زوجي في عالمه الشرس، وحيث أبنائي الذين يعانون الأمرين؛ فهم في حالة توتر وشجار مستمر مع بعضهم البعض ومعي، وكأنهم مسلطون علي؛ مبالغة في كسر عزمي وحرق همتي، ولكني كنت أناضل في قوة وشجاعة؛ من أجل أن يكونوا صالحين من أجل أن يشفوا من أمراضهم وأعلالهم وإعراضهم عن مدارسهم؛ فثلاثتهم كانت المدرسة عقبة كؤودا في طريقهم، بدءا بعمر الذي رأيت العجب العجاب من أحواله إذا جاء وقت المدرسة، أو شئنا المذاكرة، وأستطيع أن أقول: شرب ولدي المر فعلا في حياته منذ نعومة أظافره، غيرت له المدارس بين الخاصة والحكومية وجريت خلفه بالشدة واللين، أحكمت عليه قبضتي في أوقات الصلوات والعبادات وكانت البداية أصعب من الصعوبة نفسها ولكننا صبرنا، حتى وصلنا الحادي عشر؛ مما تطلب أن ينتقل من المدرسة الخاصة إلى مدرسة الذكور في القرية، فسقط مريضا وظهرت عليه أعراض المس الذي يكاد يودي بحياته، وهنا وللمرة الاولى يهتم أبوه لأمره ويصدق أن الامر ليس دلعا ودلالا كما يدعي هو تعسفا، فبدأ يعالجه بجانب العلاج الذي كان يواضب عليه عن طريقي، فساعدته على اختيار المواد وأحضرت له كتب البحتة والتطبيقية، فنظر وتفكر وتخير، فاختار البحتة، فحملته تبعات اختياره، وأن عليه أن ينسلخ من جلد حياته السابقة ويبدأ من جديد، وفعلا مع وقوف والده معه انطلق إلى الأمام، وخاصة أنه كان في نفس المدرسة التي كان يعمل فيها أبوه، وكنت من ورائه مع استمرار العلاج بالقرآن الكريم، ولله الحمد كانت حاله أفضل من ذي قبل، وقد نجح في الصف الحادي عشر، وصار في الصف الثاني عشر العام المنصرم2016-2017م، فكانت المفاجأة؛ حيث عاد إلى النقطة الأولى لا يخرج من غرفته ولا يستطيع التوجه إلى المدرسة، وغلب عليه الوسواس من جديد، فأسقط في يدي، ولكني لم أيأس من روح الله تعالى، أما أبوه قرر أن لا فائدة من ورائه، وأنه لن يرى الخير في حياته شئت هذا أم أبيت، وأعلن التخلي عنه تماما، بحجة أنه لا يستجيب لنصائحه، جلست مع ولدي وقلت له: لا تبتئس تعودنا أن أكون أنا وأنت فقط ومعنا ربنا المطلع على عباده ، وسوف نمضي، وانتقل عمر من مدرسة أبيه إلى مدرسة الولاية وبدأنا المشوار بين فر وكر، وكنت أتابعه أولا بأول في مدرسته، مع شدة ضغط أبيه علي، فقد كان يعترض على ذهابي إلى المدرسة ويدعو عليه بأن يفصل أو يحرم من الاختبار، ولكني لم أسمع لقوله وكنت أزور المدرسة بشكل متواصل على أمل أن يعينوني في أمره، فانقضى الفصل الأول، ونام الجميع عن اختبار اللغة الإنجليزية كضربة قاصمة للظهر، فبكيت يومها بكاء حارا، رأفة بحال ولدي ، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وجاء الفصل الثاني، فكانت الظروف أعتى وقرر عدم المواصلة أنه سوف يبحث عن عمل ولكني كنت أصم آذاني عما يقول، وحينها جلس في البيت مريضا أسبوعين ودخلنا على الأسبوع الثالث، حتى ذات صباح جاءني بقراره النهائي والحاسم؛ ألا وهو لن يكمل الصف الثاني عشر فثرت في وجهه واشتبكنا بالكلام، وقلت له والله لا أرضى عنك أبدا أن تضيع كل تلك السنوات وما لقينا فيها مما يعجز عنه الوصف، حتى تحول القريب إلى عدو، حتى انهار وبدأت دموعه تسيل على خده، فما هو فيه أقوى من كل الكلمات، فقام من فوره ولبس ملابسه وحمل كتبه ومر من أمامي، فقلت له استعن بالله، وانطلق وسوف ألحق بك إلى المدرسة، ، ركب سيارة أجرة وعاد إلى مدرسته، لحقت به بعد ذلك وطلبت من الجميع هناك أن يقفوا معي وأن يغضوا الطرف عنه، فوافقوا بشرط أن يسلم كل ما يطلب منه من واجبات، وأن ينجز كل الأعمال، فتعهدت لهم بذلك، ومر الفصل الثاني بما فيه من الخير والشر، وانقضى، وبقي ملحق اللغة الإنجليزية، وامتحن قبل العيد ولله الحمد والمنة وما زلنا ننتظر النتيجة، وأملنا في الله كبير، وما خاب من توكل عليه، فأحواله تحسنت وبدأ يعتدل في صلاته، وطعامه، ومجمل حياته، فتغير من هيكل عظمي إلى كيان آخر. فشعرت بالراحة من أجله وبقيت سوسن وحليمة، أما سوسن فأمرها كان أهون من أمر عمر وحليمة، على الرغم من شدة وحدة ما مرت به من العناء والمشقة ولكني لم أتركها لنفسها كفريسة لقوى الشر العنيدة التي كانت تقاتلني في زوجي وأولادي ونفسي، وصارت سوسن في هذا العام في الصف العاشر، وحليمة في الخامس ولكنها ما تعلمت شيئا في مرحلة الأول إلى الرابع؛ لأنها لم تستقطع دخول المدرسة مع وجود الرغبة في ذلك، فكانت تتأذى كثيرا، وغيرت لها سبع مدارس كنت أحملها بنفسي ولكن ما من نتيجة، وما زلنا هذا العام على نفس الموال؛ فإذا وصلت المدرسة صارت في حالة أخرى، فكأنما هنالك شيء يمسك بحنجرتها فلا تملك إلا البكاء والقيء، وخاصة لو كانت بصحبتي،ولكن بعون الله تعالى وتوفيقه لن أتركها أبدا ولن أستسلم، مع العلم أن أباها يساعدها ويحثها ويحملها هو بنفسه وهو في طريقه إلى مدرسته ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وبدأ يوسف سنة التجهيزي مع بداية غير موفقة ولكنه الآن بدأ يهدأ شيئا فشيئا ويستقر مع أقرانه.
للحديث بقية

التعديل الأخير تم بواسطة زهرة السوسن ; 13-09-2017 الساعة 12:11 PM
رد مع اقتباس