عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 08-09-2017, 02:16 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي

طبعا خلال هذه السنوات كان العلاج بالقرآن مستمرا، ولكني كنت بمفردي أتجشم المشاق من أجله ومن أجل أبنائي، طلبت العلاج في بلادنا وفي خارجها، وفي كل مرة كنا نعود من حيث بدأنا، وكنا نعالج أنفسنا ذاتيا، حتى استنزفت هذه السنوات قوتي البدنية والنفسية والعصبية، والاقتصادية، ولكني كنت أتصبر بالله تعالى، وأن الفرج قريب، فما رأيته في حياتي من زوجي وأبنائي يعجز القلم عن وصفه؛ لدرجة أني بدأت أكره أبنائي وأصبحت أعاملهم بالعنف والشدة وهم كذلك بطبيعة الحال، فلم يكن يمر علي يوم لا أبكي فيه مرة أو مرتين أو ثلاثا، تغير وجهي وذهبت نضارته وكرهت النظر إليه، فكنت أخشى من مطالعة وجهي في المرآة، ونسيت نفسي تماما، بين كل هذه الصراعات العنيفة، ولكني أحمد الله تعالى على أني لم أشعر بالكراهية تجاه زوجي، ولم يكن همي كيف أتخلص منه، ولكن كان كل همي كان كيف أخلصه مما هو فيه؛ لذلك احتفظت بما يجري في بيتي في قلبي، وما ذكرت شيئا من ذلك أمام أهلي أو أهله، وكنت أعزي نفسي أني أجلس معه بمحض إرادتي، وأني أستطيع المغادرة في أي ساعة أشاء، ولكني فضلت مواجهة الأمر على الهروب، وترك زوجي في دوامة لا أول لها من آخر، فكنت أكثر الناس فهما لطباعه، فهو رجل شديد الاعتداد بنفسه، وحساس بمعنى الكلمة، ولا ينكسر أبدا، ولا يقبل الهزيمة.
كانت حياتي عبارة عن مجموعة م
ن القصص المأساوية المتشابكة التي يصعب فك رموزها وإشاراتها ذات أحداث درامية متصاعدة، ولكنها ذات نهايات مغلقة، ومن أهم هذه الحكايات في هذه المرحلة التي عايشتها في بيتنا الجديد والتي بلغ عدد سنواتها عشر سنوات هذا العام، أن قدر الله لي أن أحمل بطفل ليس له قحف رأس، وعندما أخبرته بذلك حملني المسؤولية وكأني موكلة بالخلق، متناسيا قدر الله وقضائه في خلقه، فأعرض عني في الوقت الذي كنت فيه بحاجة ماسة لوقوفه معي، فقد عانيت كثيرا خلال فترة الحمل هذه وأصبت بسكر الحمل، وزيادة كمية الماء حول الجنين، لدرجة أني كنت أجد صعوبة في الحركة والمشي، وقد طلبت مني الطبيبة أن أسقط الجنين عندما كان في الشهر السادس، فرفضت ذلك وقلت: يستوفي رزقه وأجله.
مرت شهور الحمل كأصعب ما تكون ولا معين إلا الله سبحانه وتعالى.
عندما ولد الطفل كان الامر كما قيل تماما، ومكث بعد ولادته ثلاث ساعات ثم فارق الحياة بعد معاناة شديدة في حمله وولادته. وضع الطفل في ثلاجة الأموات حتى الصباح، وغادر زوجي قبل خروجي من غرفة الولادة على أن يعود في الصباح لتسلم الطفل، وفعلا جاء صباحا وما كلف نفسه أن يقول الحمد لله على السلامة، وأحسن الله عزاءك، بل قال علينا مغادرة المستشفى لدفن الطفل، فما وجدت من الكلمات ما يسعني أن أعبر به عما يجيش في خاطري، خرجنا من المستشفى وكنا أنا وهو فقط، وقد انصرفت زوجة أخي بعد ولادة الطفل ووفاته، فطلبت منها المغادرة لبيتها وأبنائها.
عندما ركبت في السيارة سارع بإحضار الطفل من على المقعد الأمامي ووضعه في أحضاني دون أن ينبس ببنت شفة وكنت كذلك فقد كان الصمت أبلغ من أي كلام هنا، وعندما وصلنا البلدة سألني عن المرأة التي تقوم بتجهيز الأموات فقلت له في الجهة المقابلة، فسار بي حتى وصلنا إلى بيت الخالة شيخة في موقف قاصم للظهر، مفتت للأكباد نزل وقرع جرس المنزل فخرجت ثم دخلت وأحضرت متطلبات تجهيز الميت على مرأى ومسمع مني، وعندما فتحت الباب لتركب فوجئت بالطفل في أحضاني فجزعت من هذا الموقف فقالت مستنكرة لا يجب أن تحملي الطفل فمهما يكن فأنت أم يا ابنتي، وأخذت الطفل مني ووضعته في حجرها، ومضينا إلى المنزل ولحق بنا ابنها بعد ذلك لاستكمال مراسم الغسل والدفن، مكثت بعد ذلك أياما أحاول استيعاب ما حدث فكانت دموعي تنسكب حارة تصهر الفؤاد، فقد كنت أبكي من أجل كل الأشياء التي كانت عبارة عن خناجر تمزق وجداني، ولم يكتف بذلك فبينما كنت أحاول لملمة جراحي النازفة وما زلت على فراش المرض والوهن والضعف كان ينقض على عمر ليضربه ضربا مبرحا لسبب تافه وهو رفض وضع كيس البطاطس الفارغ في سلة المهملات، فما تدخلت حتى جاء عمر مستجيرا بي، فقلت له اترك المسكين في حاله فجسده لا يتحمل كل هذا الضرب، فبدأ يوجه لي الاتهامات بأني أشجع أبنائي على العصيان، فقلت له لو طلبت منه بالرفق واللين كان قد استجاب في التو واللحظة ولكن أنى لزوجي ذلك. حينها تجاوز معي في الكلمات قائلا يعلم الله أني لا أحب دخول هذا البيت وأراه مظلما بسبب وجودك فيه، وقعت هذه الكلمات على مسامعي وقوع الرعد القاصف، فما تمالكت نفسي إلا أن قمت من فراشي وتوجهت إلى سيارتي متحاملة على نفسي وعمر يجري ورائي باكيا، ركبت سيارتي وكدت أدهس ولدي الذي أصر أن يرافقني فأشفقت عليه وركب، فكان يبكي لبكائي، فما شعرت بنفسي إلا وأنا أجوب الشوارع وألف وأدور تطاردني كلماته أينما توجهت بقيت على ذلك حتى قبيل المغرب، وعدت مع ولدي، ولكني لم أستطع التوقف عن البكاء، وأغلقت باب غرفتي، ومكثت هناك لا أحب رؤية أحد، وقررت ترك المنزل والمغادرة دونما رجعة، وعزمت على تدبير منزل بالإيجار وعقدت العزم على ذلك وقلت أنتظر خروجه من المنزل ثم آخذ حاجيات وأنصرف.
وعندما أشرق علي اليوم التالي كنت على ما أنا عليه من البكاء والحزن والمرض، ولكني في آخر دقيقة بدأت الأفكار تتوارد إلى ذهني بأني سأكون محور أحاديث الناس في مجالسهم وسوف يشمت بي أعدائي، وأن أمي لن تتحمل صدمة كهذه، ولا أريد إلحاق الأذى بها، وخاصة بعد إقبالها عليه وارتياحها له مؤخرا.
ثم فكرت في مصيره هو أين سيذهب حتما لن يمكث دقيقة واحدة في المنزل، ولا أضمن ردة فعله، فعدت عن قراري فجأة، وعند الظهر وفي نفس الوقت الذي حدث فيه ما حدث مر في طريقه إلى المطبخ فناديته، فأقبل فطلبت منه الجلوس، ثم سألته عما قال وبناء علي مسوغات نطق بذلك، وهو يعلم تمام العلم أني ما آذيته في حياتي ولا سعيت إلى ذلك أبدا، فقال متعجبا وهل أنا قلت هذا الكلام؟ فأكدت له ذلك، فقال يعلم الله أني ما شعرت بأني قلت مثل ذلك، وإن كنت قلته فأنا أعتذر. شعرت بأنه لم يقل ذلك بإرادته، فحمدت الله أني لم أتسرع في اتخاذ القرار.
انتهت كغيرها من القصص المؤلمة ولكن أحداثها ما زالت في الذاكرة.

للحديث بقية
رد مع اقتباس