عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-12-2016, 11:16 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي الرباعي المهووس





سلسلة قصص متجدّدة





الرباعي المهووس





ذُخُطْ الغــــــريق




إلى جانب عمله كحارس أمن كان يمارس الغوص في الإجازات

وآنذاك كان اللؤلؤ متوفرا، والغاصة قليلين، والسعر مرتفعا؛ فتوفّرت له مبالغ كبيرة من المال وتزّوج

من فتاة ذات حُسن وجمال، إلا أنّها جاهلة أمّيّة مثله، ورزق اربعة ذكور واربع اناث فتمّ له السعد والهناء

واستطاع بعد سنوات قليلة أن يبني عمارة ثلاثية الطوابق، وذلك بفضل الله ثم بمجهوده في الغوص

وجعل الطابق الأوّلِ من العمارة محلاّت ومعارض أجّرها؛ فجرى المال بين يديه جريان الماء

غير أنّ علاقته بالله وبالعلم وبالأخلاق الكريمة لم تكن بأهميّة جمع المال بالنسبة إليه، وفي ذات الوقت

كان يسعى جاهدا لأن ينتخب شيخا عاما في المنطقة المنتمي إليها، وعندما ظفر بهذه الأمنية أيضا داخله

العُجب، وخامر نفسه غرور أخذ يستفحل في ذاته كلّما تضخّمت ثروته، وازداد عدد المقترضين منه

والمعجبين به والمتملّقين شخصه اللئيم، يؤجّج نار العتوِّ في اعماقه ذلك الاحترام الزائف الذي يتقرّب إليه

به المنتفعون وذوو النفوس السقيمة محبّو المظاهر البرّاقة الخدّاعة

وبحكم الجهل والمال والسلطة جعل من نفسه إنسانا مقدّسا لا يقبل رأيا ولا نصيحة ولا نقدا

فما بالكم بالتغاضي عن الخطاء أو الإساءة؟

وفي تلك الفترة كان اعتماد معظم ابناء البلدة على البحر في معيشتهم، ولم تكن الدوائر الحكومية قد أنشأت

فروعا لها في البلدة النائية. وكان الصيّادون يضعون شباك صيدهم متجاورة في البحر ليعاون بعضهم بعضا

عند الحاجة، وهي تتشابه كثيرا ويصعب التفريق بينها، ومن سوء حظ العم ذُخُط أن رمى شبكته إلى جانب شبكة

الشيخ الفظيع، وجمع التيار المائي الشبكتين معا، وعندما أتى العمّ من الغدِ ووجد الوضع السيء ارتبك وحار

واختلطت عليه الأمور؛ ثم قرّر أن يعمل على فصل الشبكتين إلى أن يأتي صاحب الشبكة الثانية ويعاونه

وعندما حضر الفظيع وشاهد من بعيد الرجل المسن وهو يعالج الوضع ظنّ أنّه يحاول سرقة محصول شبكته

فزمجر غاضبا ثمّ أطلق محرّك قاربه البخاري على أقصى سرعة متجّها إلى قارب العم ذُخُط المتهالك

وحينما رأى الصيادون القريبون ذلك عرفوا أنّه يريد شرّا بالشيخ الضعيف؛ فهتفوا وصاحوا

على كلا الرجلين، أما ذو خُط فلم يسمع ولم ينتبه، أما الشبعان فزاده هتاف الناس وتحذيرهم عتوّا ونفورا

وتجاهل كل شيء، الخوف من الله القيم الإثم الرحمة صلة الرحم وحقّ الجوار

وابتسم ابتسامة صفراء عندما انتبه له الشيخ ووقف ملوّحا ومحذِرا

ولم يتوقّف الفظيع إلا بعد أن قسم القارب المتهالك نصفين. واختفت جثة العم ذُخُط في اعماق البحر

وسط محيط من الدماء، واقبل الصيادون غاضبون، فهداه خبثه إلى اصطناع التفاجئ والاندهاش

واكثر من الحوقلة والإستغفار وشرع يقسم ويحلف وهو يجهش بالبكاء بأنّه لم يقصد القتل بل كان يريد التهديد

ولأنّه ذو مالٍ وسلطة وحسبٍ ونسب فقد نجى من تهمة القتل العمد، وحبس بضعة أشهر

كانت حماته وزوجته مصطحبات العيال تتسولاّن خلالها التبرعات لدفع دية العم ذُخُط

وامتدّ نشاطهما إلى معظم ولايات المحافظة والمحافظات القريبة، فجمعتا مبلغا ضخما

ذهب معظمه إلى حساب الفظيع، ولم يلبث بعد دفع الدية أن خرج بخبرات المجرمين

وإذ لم يخسر شيئا كما يظنّ بل ربح اموالا طائلة فقد جعله الثراء والجاه يبتعد أكثر عن القيم

الدينية والاجتماعية، وهو لا يعلم إن هلاك الإنسان يكمن في الكِبر والبعد عن الخير

وعندما اراد الله عزّ وجل أن ينتقم منه سلّط عليه الشيطان؛ فالهمه أن يخطّ لنفسه فلسفة حياة

قائمة على مبدأ: المال اعبد لا شريك له

والعياذ بالله

وجعله الرخاء الذي تحظى به اسرته يتغافل عن تربية ابنائه وبناته تربية سليمة

معتقدا أن ما وفرّه من أقوات وأمتعة وأجهزة تسلية ورفاهية كفيلة بوضعهم على الطريق الصحيح

من دون تدخّلٍ ونُصحٍ منه أو توجيه أو ارشاد أو مراقبة

وصدّق المتشدّقين الذين يمتدحون عائلته زورا وبُهتانا بكل محمدة ومكرمة لا يعرفون عنها شيئا

متزلّفين إليه بفتح باب جنون العظمة المهلك أمامه

فرفض نصح المخلصين ونقد المشفقين بشأن سوء خلق عياله ذكورا وإناثا

وكان ذلك الرفض منه بداية الانحدار نحو الهاوية

يتبع إن شاء الله






رد مع اقتباس