عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-08-2012, 03:50 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

عدتُ-أختي البديعة قوافي-بشيءٍ ذي بَالٍ..أمُلُ من الله تعالى أن تجدي فيه وأن يَجد الأحبة الرواد ما يُغري بالفائدة والاستفادة...

...مما دلتنا عليه التجربة بيقين-ست قوافي-أن هناك معالمَ كبرى ثلاثة أو لِنقلْ دعائمَ كبرى ثلاثة ينبغي أن تنشأ وتتوفرَ في أرجاء البيت الأسري وأن تظهَرَ في كِيانه المعنوي ليُؤدي وظيفتـَه ويُحققَ رسالتـَه على النحو الذي أريدَ له في الآمال والأمنياتِ...

هذه الثلاثة هي : السكينة والحب والتراحم...

وأعني بالسكينة ؛ ذلك الاستقرار النفسي والاطمئنان العاطفي الذي يَسْري بين أفراد الأسرة ( الزوجيْن والأبناء ) سَريَان النسيم المنعِش في رابعةِ الربيع الساحرة،فتكونُ الزوجة الحبيبة-التي اختارَها الزوجُ من البداية عن حبٍّ مُوَلـَّهٍ صادِق وعن حُسْن اختيارٍ واقتناعٍ ورغبةٍ ورضىً وقـَـبُول-تكونُ قرة عيْنه وحبته في القلب لا يَعْدوها إلى أخرى،كما يكونُ الزوجُ الحبيب قرة عيْن لزوجته-الذي اختارته وقبلتْ به من الأساس عن حُبٍّ عارمٍ وعن حُسْن اختيار واقتناعٍ ورغبةٍ ورضىً وقبول-لا تفكرُ في غيْرهِ أو تعدوه لسواه..ويأتي الأبناءُ بعد ذلكَ كواسطةِ العِقدِ الذهبي بين الزوج والزوجة،تتدفأ بهمُ العلاقة الزوجية،وبهم تنمو زهَرَاتُ المحبة بينهما أكثر وبوجودهم يمتلئُ البيْتُ بالحيويةِ والأحلام والآمال والأمنيات...

أما الحُبُّ ؛ فهو تلكَ المودة الدفاقة التي تتفجرُ ينابيعُها في قلب الزوجيْن-ومعهما الأبناء-كنهْرٍ رقراقٍ جارٍ،لا ينقطعُ مدَدُهُ ولا ينضَبُ مَعينـُه أبداً..وهو ذلك الشعور المَيَّاس الذي ينطبعُ في ابتسامة الزوج المشرقة الدائمة وفي شفاهِ الزوجة كذلك،ويكمُن في تلك المِزحة الرقيقة التي يتلاطفُ بها الزوجان مع أولادِهِما،فيشعُرُ الكُلُّ بالعطف والأمان وبالرضى والسعادة والاطمئنان...

ويأتي بعد ذلكَ دوْرُ الرحمة والتراحم...

والحقيقة-أختي البديعة-أن هذه الدِّعَامة صفة ٌأساسية ٌ من صفاتِ الأخلاق العظيمةِ والشِّيَمِ الرفيعةِ التي ينبغي أن تكونَ أصلاً أصيلاً في سجايَا الرجال والنساءِ على سواءٍ،فالله سبحانه وتعالى يقول لنبيه الكريم : (( فبما رحمةٍ من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا من حولكَ ))،فليْسَتِ الرحمة أو التراحُمُ هنا لوناً من الشفقةِ العارضة أو العطف الزائد،وإنما هي نبْعٌ للرقةِ الدائمةِ ودماثةِ الأخلاق الثابتةِ وشرف السيرة العامة بين الناس..

وحينما بيَّنَ سبحانه وتعالى أنَّ مِنْ نِعَمِهِ وآلائهِ الجليلةِ على الزوجيْن الحبيبيْن أنْ جَعَلَ كُلاًّ منهما لصاحبه سَكَناً-قلبيًّا وجسديًّا-للآخر،عَلِمَ سبحانه وتعالى أن الحياة الزوجية ليْسَتْ مثالية ً،تحلقُ بجناحيْها في ذرى الملائكية وعوالي الصورةِ الكريستالية التي تـُخرجُ البشَرَ من واقعِهم إلى واقعٍ خياليٍّ آخر،فإنه مهما كان الحبُّ الرومنسي الصادق ساريًّا في علاقةِ الزوجيْن ببعضِهما-وكذا في علاقتهما بأولادِهما-فليسَ معنى ذلكَ أن الأسرة في حياتها اليومية تنجو من وقعِ بعض التشنج والاحتقان نتيجة ضغط الحياة المعيشية الواقعية ومغارمها المختلفة،ولأن أفرادَ الأسرة بشرٌ فلا يخلو الأمرُ أحياناً من زعَلٍ عارضٍ أو اكتئابٍ مفاجئٍ أو تصعيدٍ عابرٍ..ولو نجتْ أسرة من تلك العوارض العابرة لنجتْ أسرة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وهي أكْمَلُ أسرةٍ عرفتها البشرية على الإطلاق،ومع هذا فكلنا يعلم أنه-عليه الصلاة والسلام-قد يحدث بينه وبين زوجاته من الزعَل الخفيف والغضب العابر ما يَحْدثُ بين أي رجل وامرأته في كل زمان ومكان..فتمرُّ الأزمة الخفيفة كسحابة صيْفٍ،وتستمرُّ الحياة بعد ذلكَ في حُبٍّ وصفاءٍ وحميمية...

أقولُ هنا..وفي هذه النقطة بالذات تأتي أهمية الرحمة والتراحم : (( ...وجَعَلَ بينكم مودة ًورحمة ً))...

الزوجان الحبيبان-ولأنهما يُحبان ويذوبان في بعضِهما-ينبغي أن يَصبرَا على بعضِهما كلَّ الصبر وأن يتحمَّلاَ ضغط بعضِهما كل التحمل بحيثُ يصنعُ كلٌّ منهما من نفسه وسَعَةِ صدْره جداراً خرسانيًّا صُلباً،يمتصُّ صدَماتِ الطرف الآخر ويَحتوي غضبَه وزعلـَهُ واحتقانـَهُ قدرَ ما يستطيع..ويومٌ بيوم بينهما..أحياناً قد يغضبُ الزوجُ لسبب أو لآخر،فيأتي دورُ الزوجة الحبيبة لتحتوي غضبَه العابرَ بحنانٍ ورقةٍ وحُبٍّ وصبِر..وأحيانا قد تغضب الزوجة لسبب أو لآخر،فيأتي دورُ الزوج الحبيب ليحتوي بحلمه وحبه غضبَها وزعَلـَها العابرَ،ولربما التهبتْ نوازعُ الشوق بينهما بعد ذلك أكثر،لأن الذي يدفعُ الزوجان أحياناً إلى إثارة زوبعة من زعَل وغضب فإنما هو الحبُّ العارم أو الغيْرة الزوجية اللاهبة..كل ذلك لجلب انتباه الطرف الآخر..ألاَ نسمعُهُمْ يقولون : (( ليسَ بعد العداوة إلا المحبة ))..؟؟!!

المهم أن يمتد حبْلُ التراحم بين الزوجيْن-في وجود الأبناء طبعاً-إلى أقصى الامتداد والإرخاء،وأن تكونَ مصلحة البيت ومستقبله فوق كل اعتبار...

فعندما تقوم البيوتُ إذن على السكن المستقر والود المتصل والتراحم الحاني فإن الحياة الزوجية الأسرية تكونُ أشرفَ النعَمِ وأبرَكَها أثراً..وكل العقبَاتِ-ومهما استعسَرَ تجاوُزُها-ستتذللُ تلقائيًّا أمامَ بَركةِ الاستقرار والسكينة التي تنعَمُ بها الأسرة...

وأغلبُ ما يقعُ من ( تفككِ أسري )-أختي الكريمة-ومن تصدعٍ وانهيارٍ في كيان الأسرة وضيَاعٍ حميميةِ العِلاقةِ بين أفرادِها إنما ترجعُ أسبابُها-عند التقصي والتأمل الجيد-إلى اعتلال إحْدَى تلك الدعائم من الأساس أو إلى اعتلالِها جميعاً...

التفكك الأسري،قد يأخذ في أعراضه مظاهرَ كثيرة،وقد يقفُ علماءُ الاجتماع على أسبابٍ عديدةٍ ومنتوعةٍ ومتشعبة ومتداخلة...

ولكنْ-في تقديري وقناعاتي-أن تلك الأسباب كلها ماهي إلا فروعٌ وأغصانُ من تلكَ الأسباب الأصلية الجذعِية الثلاثة،ونحن لو اقتفيْنا الأسرة الغربية المنهارة لوجدنا أن أصلَ الأدواء فيها راجعٌ إلى غياب تلك المعالم الثلاثة في علاقاتِ أفرادِها...

الزواج عندهم ليسَ عقداً شعوريا عاطفيا قائماً على المحبة القلبية وحُسْن المودة،بل-كما نعرف جميعاً-هو نزوة جسَدٍ وفراشٍ عابرةٍ،يلتقي الذكرُ بأنثاه في لقاءٍ بيولوجي كما يلتقي أي كائن آخر بأنثاه لقاءً جسديا عابراً،ثم لا شيءَ البتة بعْدَه..حتى أن عبارة ( ممارسة الحب ) عندهم لا تعني بَداهة ًإلا اللقاء الجنسي فحسب،وليسَ في حسابهم أن العبارة تعني عاطفة القلب قبل فوْرة الجسد..!!

لذا لا نستغرب أبداً إذا جفتْ عواطفُ المودة والحميمية بين أفراد الأسرة الواحدة عندهم،فسرعان ما ينفرط عقد الرحم بحيث لا يسأل الأب عن أبنائه-بعد بلوغهم سن الرشد الأخير-وليس من أولوياته أن يعرفَ مصيرَهم حينما يستقلون بحياتهم الخاصة لأن ذلك صارَ عُرْفاً سائداً وطابَعاً اجتماعيا عامًّا،وسيرمقونكَ بعين التعجب والدهشة والاستغراب ويرمونكَ بالتخلف والرجعية لو فتحتَ فمَكَ هناكَ وقلتَ : أنا سأصِرُّ على إبقاءِ أولادي وبناتي معي بعد سن الثامنة عشر،أو أصررتَ على متابعةِ حياتهم والإشراف-كوالدٍ أو والدةٍ-على سيْرورة مستقبلِهم..!!

إن منطق العلاقة الأسرية في الإسلام-أختي الكريمة-يُعطي من الوفاء والولاءِ والحب للأفراد ما لا تعرفه القوانينُ التجارية والمبادلاتُ النفعية،وهو أكبَرُ بكثير من أن تعصِفَ به نظرة مادية ٌأو عَوَزٌ مَعيشي...

ومع يقيني أن المعنويات لا تغني عن الماديات لأن الدين لا يكبتُ مطالبَ الفطرة التي تأبى العيش الضنك،ولا يُصادرُ أشواق النفس البشرية إلى العيشة الهنية المريحة إلا أن الماديات وحدَها لا تصنعُ تماسُكاً دائماً للأسرة ولا تصنعُ الأسرة السعيدة،وإلا فما بالُ التقارير الإحصائية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج تؤكدُ أن مؤشرَ الطلاق وجنوح الأولاد وانحرافهم مسَّ ألوفاً مؤلفة من أسَرٍ ثريةٍ ثراءً فاحشاً،لم يعرف الفقرُ والإملاقُ إلى أبوابها سبيلاً أبداً..ومع هذا فضائح..وجرائم..ومخدرات..وخياناتٍ زوجيةٍ بالجُمْلة...!!

حَفِظ اللهُ علينا حياتنا وأسرَنا..وبارَكَ في فكرنا ومشاعرَنا..وشكراً جزيلاً سيدتي على إتاحة الفرصة لنا للإدلاء بهذا الموضوع الجاد..ودمتِ-مبدعتي-رمزاً للعطاءِ والجمال والإبداع الحقيقي...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 09-08-2012 الساعة 01:32 PM
رد مع اقتباس