عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-01-2014, 09:02 AM
الصورة الرمزية محمد الطويل
محمد الطويل محمد الطويل غير متواجد حالياً
عضو مجلس ادارة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 2,036

اوسمتي

افتراضي هذا الصباح مختلف !!




القرية التي كانت تستيقظ على صوت الديك لم يعد الديك فيها حاضراً بصياحة ، والبيوت التي كانت تفوح منها رائحة البن والقهوة العربية ما عادت تفرز تلك الروائح الجميلة لتستقبلها الأنوف المتجهة نحو رزقها .. والنخلة التي كانت صغيرة عند المرآب قد جف ساقيها وماتت بشموخ النخل واقفة ، والساقية التي كانت تسير تحت البيوت وبجانبها هي اليوم ملاذ للقاذورات والأوساخ ، والغافة التي كنا نلتقط أنفاسنا تحت ظلها ونتسلقها كما ينبغي قد اجتثت من فوق الأرض ومالها من قرار .

تغيرت ملامح الحياة وتغيرت فيها أنفسنا حتى تاهت وتهنا معها .. صار الاكتئاب مرادفاً لحياتنا ، صارت الأمنيات سبيل وهمي لبقائنا .. صارت الذكرى خيط أبدي يقودنا إلى عالمنا المنسي فلا صباحات نمجد فيها ذاتنا ولا نهارات تعطينا حقنا في الحياة ولا ليل نتوسد هدوءه كي ننعم بمشاهدة النجوم ونبتسم .

هذا الصباح مختلف وقد غطى جماله هدير المركبات وحركة الغريب على تراب قريتي .. هذا الصباح مختلف وقد داست عربات المركبات بقايا آثار أقدام جدي .. هذا الصباح مختلف وقد ركب البحر ليس أهله حتى باتت مراكب أجدادنا غريبة على البحر .. غريبة بأشكالها التقليدية وبمحركاتها اليدوية وأصبحنا الغرباء في دارنا .

لا أدري أجد التناقض في الوجود قبل أن أجده في ذاتي وأحاول أن أرضى بالواقع لكن عيني ترفض ما تراه ويبدأ الصراع وكأن هذا الصباح يكتسي جلباب سواد أو كأنني أهيم في عالم آخر يود أن يفلت من زمام واقعه ، أو أن هذه الكآبة التي تفرض ذاتها ربما تفرز شيئاً جديداً يساير وجه الحياة العصري .. لست أدري وكأنني أسمع من الصباحات أم كلثوم وهي تردد ( أكاد أشك في نفسي ، لأني أكاد أشك فيك ) .

تدار الأيام وتدور معها الحياة ويبقى من يكتشف الآخر أو من يقبض على الآخر في لعبة ليست بجديدة فالمتخلف عن الركب لا تنتظره الحياة والباقي بعين النقد لا تستمع إليه الحياة ويظل الطريق ممتداً وممتلئاً والكل يدوس على خطى أجدادنا القديمة ويسقط عرائش البيوت الجميلة التي أبوابها كانت مفتحة في قريتي لتأتي العمارات المغلقة ويبقى إبن المكان غريب على المكان حتى تتلاشى معالمه .

ترى عن ماذا أنا أكتب ، وهل هي إرهاصات صباح لم يكن ككل الصباحات أم نتاج تراكمات وصمت طويل في ميدان قلب مضطرب كالبحر متلاطمة أمواجه فإن هاج وماج أتى على أصدقائه الساكنين قبالته حتى أغرق بيوتهم ومراكبهم وأبنائهم هكذا دون سبب ثم يعود إلى هدوءه وكأنه يعتذر عما بدر منه في حين تبقى مخلفات دماره شاهدة على كل شيء حوله فيوصف بالغدر ويوصف بالخيانة ، حتى إذا ما هدئت الأوضاع عاد إليه البشر يسكبون جل الدموع على إرهاصات زمانهم ويعودون بتسميته إلى كاتم الأسرار والصديق الوفي .

حتى في هذا أجدني أكتب بعيدا عن ذاتي لذا سأضع قلمي وأبحث في هذا الصباح عن ما يغنيني من السير في دروب ما عدت أعرفها ولا عادت هي الأخرى تعرفني كي تعيدني إلى داري التي عما قريب لن تصبح داري .


جزء من النص مفقود
29 يناير 2014م .
__________________
قبل الرحيل أترك على طاولتي كثير من مسودات لم تكتمل وقلم رصاص

التعديل الأخير تم بواسطة محمد الطويل ; 29-01-2014 الساعة 09:05 AM