عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-08-2012, 08:31 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي رقائــق القلبِ في رمضان..( 14 )

رقائــق القلبِ في رمضان..( 14 )


أحبتي في الله...

في مطالعاتي الحُــرةِ لِما خلفه لنا علماءُ التربيةِ والسلوكِ مِن كبار أيمتنا الأعلام،العارفين بالله تعالى،أحب دائماً أن أختليَ بكتاب ( الحِكَم العطائية ) للإمام أبي العباس تاج الدين أحمد بن محمد،المعروف بـ ( ابن عطاء الله السكندري ) رحمة اللهِ عليه...

والكتابُ-كما يعرف الجميعُ-جمعَ من الخيْر العميم الذي استقاه مؤلـفـُـه من مَصْدريِّ التلقي ( الكتاب والسُّنة )،وراحَ-رحمه الله-يُسكبُ خواطــرَه منهما بما فتح الله تعالى عليه من صفاءِ الروح وصِــدْق الفكرةِ ونقاء المعنى ما يجعلها حِكَماً جليلة ً،تنسابُ لسوَيْداء القلب في غير كُلفةٍ أو مَشقةٍ،لأننا نحسَبُ صاحبَها قد صاغها بنبض قلبه العامر بالإخلاص وحُسْن التوكل على الله تعالى...نحسبه كذلكَ ولا نزكيه على خالقه أبداً...

لطالما توقفتُ مليًّا عند حكمته الخامسة التي يقول فيها : (( اجتهادُكَ في ما ضـُمِنَ لكَ،وتقصيرُكَ في ما طـُلِبَ منكَ،دليلٌ على انطماس البصيرة منكَ ))...

طالما توقفتُ عند هذه الحكمةِ وأنا أقلبُ النظرَ يَمْنة ًويَسْرَةً في واقعِ كثير من سوادِ المسلمين،الذي يملأ الآفاقَ والأصقاعَ،فأجدُ أصداءً أسيفــة ًمن معاني هذه الحِكمةِ،تنسحبُ على أنماطِ تفكيرهم وتصوراتِهم للدين والحياة...

الحِكمة تعني باختصار : أن اجتهادكَ الحثيثَ-أيها المسلم-في طلب ما ضمِنَ اللهُ لكَ من رزق و تكفـَّــلَ لكَ من خيْر وتيْسير في كل مجالات الحياة،وتفريطـُكَ-بالتقصير والتهاون-في ما طـُلِبَ منكَ من العبادةِ الشاملةِ دليلٌ وبرهانٌ على الانفصام الشبكي في بصيرةِ القلب والعقل فيكَ..!!

وما أكثرَ منطمِــسي البصائر الذين يُترجمونَ هذا المعنى حَرفيًّا بيننا...!!

مَــنْ منا لا يعرفُ أو يسمعُ عن أولئكَ النفر من الناس،الذين تجدِ الواحدَ منهم يسعى سعياً فضوليًّا للتطلع إلى فهْمِ ما لا يعنيه ولا يُفيدُه في شيْءٍ ،ولكنه مع هذا تراه يظلُّ سحابَة عُمْره زاهداً كل الزهــد في معرفةِ أهَــمِّ ما يجب عليه معرفـتـُه في أحكام دينه وشؤون دنياه..!!

أتذكــرُ هنا قصة ًواقعيــة ًحكاها لنا أحدُ أساتذتنا الكبار،لها من الدلالةِ ما يصدق عليها الأثرُ الشهير : (( شــرُّ البَليةِ ما يُضحِكُ ))..!!

قال حفظه الله ورعاه : (( أقبلَ إلـَــيَّ أحدُهُمْ-وأنا جالسٌ بين الطلاب في الدرس-فجاءَ وقد ظهرَ على وجهه الحِرْصُ والاهتمام،وسألني : كَــمْ كان عددُ الدراهم التي بـِـيعَ بها يُوسُفُ عليه السلام..؟؟!!..يقصِدُ قولـَه تعالى : (( وشرَوْهُ بثمنٍ بخس دراهِمَ معدودة... ))..

قلتُ : واللهِ لا أدري بالضبط،ولكنْ ربما كانَ عددُها مساوياً لعدد أركان الصلاةِ أو فرائضها..!!!

قال : وكمْ هي أركانُ الصلاة يا أستاذ..؟؟!!

فقلتُ باسماً : عجيبٌ يا أخي..!! أنتَ مُكَلـَّفٌ بإقامة الصلاةِ في كل يومٍ خمسَ مـرَّاتٍ بمعرفةِ جميع ما لها من أركان وفرائض وسُنن ومُستحبات،ومع ذلكَ فأنتَ لم تشعُــر خلال عُمْركَ كُــلـَّـهُ بالحاجةِ إلى معرفةِ شيءٍ من هذه الأركان..!!! ولوعشتَ قرناً كامــلاً من الزمن،لم ولن يسألكَ الله تعالى-ولا أحــدٌ من خلقه-عن عدد الدارهم التي بيعَ بها يُوسُفُ عليه السلام،فأيُّ فـضولٍ هذا الذي ساقكَ إلى الاهتمام بشيْءٍ لا جدوى في معرفتِه ولا يخطــرُ ببال أحَــدٍ أن يسألكَ عنه،مِنْ حيثُ صَرَفـَكَ هذا الفـُــضــولُ نفسُه عن معرفةِ أهَـمَِّ وأخطــر ما أقامَ اللهُ حياتـَكَ كُــلـَّها من أجلــه..؟؟!!! )) اهــ

فهل أدركتم-أحبتي الكرام-أن قصة الرجل السائل ليستْ حالة ًيتيمة ً،بقدر ماهي،نموذجٌ صارخٌ عامٌّ،يُصورُ حالة البطالةِ الفكريةِ المُقنـَّـعة التي عليها عقولٌ وأفهامٌ كثيرة ٌ،موجودة ٌ بين جماهير الأمــة المغبونة..؟؟!!

وتقبلَ الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالِحَ الأعمال...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 02-08-2012 الساعة 08:34 PM
رد مع اقتباس