عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-07-2017, 09:47 AM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي للهموم حكاية

مع مرور الوقت بدأ الضجر يتسلل إلى نفسي، وبدأت أشعر بفراغ كبير، حاولت أن أسده بالكتابة، والقراءة ، والقيام ببعض الرحلات. في هذه الفترة لم أفكر في الظهور ككاتبة، بل كنت أتجنب التفكير في هذا الأمر تماما، وأشعر بالخوف يتسرب إلى نفسي لو خطر لي خاطر بالتقدم خطوة في هذه الناحية؛ إنها الثقة بالنفس وبجودة ما أكتبه هي التي كانت تنقصني، في الوقت الذي كنت أرى أن ما ينشر في الصحف لم يكن بذلك المستوى الفني الراقي، إلا أن الكتابة تحتاج أمثالهم، فالممارسة والمشاركات هي التي تصنع الشاعر المميز، كما علمنا من أسواق الشعر والأدب منذ العصر الجاهلي، ولكن حال الجريض دون القريض.
خلال هذه الفترة من عمر الزمن تقدم لي الكثيرون من طالبي القرب(الزواج) من مشارب شتى ولكن الرد كان معروفا سلفا، وهو وعد أبي لابن عمه بالزواج، وجميع من في القرية يعرفون ذلك تمام المعرفة، وأنا أنتظر ابن عم أبي ليتقدم رسميا لخطبتي، لاح في الأفق شخص آخر، يتصل على هاتف المنزل الثابت؛ لعدم وجود المحمول في ذلك الوقت، ليبث إلي حبه وتعلقه بي، فكنت أقطع الاتصال مرة بعد مرة، ولكنه كان يصر على ذلك، فعشت حينها الخوف والقلق الشديدين، فما كان أمامي إلا المواجهة، فانتظرت الوقت الذي يتصل فيه، فحملت السماعة، وكعادته يبدأ بأبيات نبطية في الحب والغزل، هذه المرة انتظرت وأخذت نفسا عميقا، ثم فتحت باب الحوار معه، لأعرف من يكون، وماذا يريد مني بالضبط، فوجئت بأنه يعرفني تمام المعرفة، وأنه رآني في الجامعة، ويعرف عنوان سكني، ويعرف أني مخطوبة لابن عم أبي، فقلت له: تعرف أني مخطوبة، فلماذا تصر على مضايقتي؟
رد قائلا: أرى أن (س) لا يناسبك، فدعك منه، وأنا مستعد للتقدم إليك خاطبا.
كلامه أثارني، فبدأت أرفع من حدة نبرات الحديث معه، وقلت له: هذه آخر مرة تتصل فيها، ولا شأن لك معي ولا مع ابن عم أبي. لكنه أصر على موقفه فقطعت الخط.
مع كثرة رنين الهاتف ولا من متحدث، بدأ يزيد من حدة قلقي؛ فخشيت أن يظن بي أهلي سوءا، فبدأت أفكر كيف لي التخلص من هذه البلية العظيمة، فما هداني فكري لشيء أبدا. حتى ذات مرة رن جرس الهاتف رفعته فكان ذات الشخص، فانهلت عليه توبيخا وتقريعا، وشتما، وبدأت أصرخ في وجهه بطريقة هستيرية، فما كان منه إلا أن رد يائسا متوعدا لي: سأصنع لك سحرا. فقلت له: أعلى ما في خيلك اركب عليه، لا وفقك الله، وأغلقت السماعة, فكانت تلك المكالمة آخر عهدي به.
ارتحت من هم ذلك الآدمي، وبعد أسبوعين تقدم ابن عم أبي مع أخيه الأكبر ليوثق وعد الزواج رسميا، فرأيت فيه من الوهلة الأولى شخصا آخر، فأنا أعرفه عز المعرفة، فمنذ أن فتحت عيني على الدنيا كان أمامي، نشأنا معا تربينا معا، وكان بيتهم ملاصقا لبيتنا، وكلما كبرنا توثقت العلاقات بيننا، فكان مثالا يحتذى في دينه والتزامه وأدبه وعلمه وأخلاقه، وكان لا يفارقنا ولا يقطع زيارته عنا، فيجد الترحيب وحسن الاحتفاء به من أمي وأبي وأخي، ولا يخفى عليكم، تعلق قلبي به، وخالط كل مشاعري وأحاسيسي، وكنت أنتظر اليوم الذي يتقدم فيه بفارغ الصبر، فجاء هذا اليوم، ولكن ليس كما كنت أتأمل، استقبله أهلي خير استقبال وغابت أمي عني ساعة من الليل؛ حيث كانت معهم، ثم عادت مكفهرة الوجه مقطبة الجبين، تتحدث بلهجة العاتب الحزين.
أثار هذا الموقف مشاعري، وقرأت فيه أن موضوع الخطبة لم يتم، لذت بالصمت برهة، ثم استجمعت قواي، وسألتها عما حدث، فانفجرت باكية، ثم قالت: ما كنت أتوقع من(س) أن يشترط هذا الشرط علينا، وهو لا أريدها أن تعمل خارج المنزل، وأنا أتكفل بالصرف عليها، كبر هذا الشرط عندها فبعد تلك السنوات التي سعت فيها لتراني موظفة، ولي قدري في المجتمع وخدمة الوطن، يأتي ليقول: تجلس في المنزل. كما وقف المهر عائقا بين سعادة قلبين، وجمع شملين، مع العلم أن المهر لم يكن تعجيزيا بل كان في متناول قدرته، ولكنه كأنما جاء لينهي المسالة بطريقة دوبلوماسية، كما أفادت أمي أن صوته كان يعلو على أبي وكأنه ليس ذات الشخص الذي عرفه الجميع، فانطلق من بيتنا انطلاق السهم الخاطف، مخلفا وراءه بعض الجرحى.
لا أدري ماذا حدث لي، لم أستطع تحمل الصدمة، فقد حفظت عهده سنوات طويلة من عمري، حتى أصبح يجري في دمي، يمدني بالطاقة اللازمة للانطلاق والتحليق بعيدا في هذا العالم. انتابتني حالة من الذهول، ووقعت أسيرة المرض، فلا طعام ولا شراب، ولا نوم ولا راحة, شعرت بالهزيمة والانكسار، بدأت أفكر في الموت، ولا شيء سواه، أتألم في صمت مطبق، أذوي كما تذوي الزهور إذا حرمت من إكسير الحياة، فكنت أقاسي بمعنى الكلمة، بكيت وبكيت وانتحبت كثيرا، ليس لأني فقدت رجلا كنت أرى فيه فارس أحلامي فقط، ولكن شعوري بأني اغتلت مشاعري وأحاسيسي، وقضيت عمري في ظل كذبة سخيفة جعلني في حالة يرثى لها.
خلال هذه الفترة الرهيبة من حياتي، فتح الله أمامي بابا لأنفذ من خلاله بعيدا عن مسرح الحدث، فقد تم فتح باب التسجيل للتأهيل التربوي في مسقط، (معهد روي للتأهيل التربوي)، فكنت أول المتقدمين، حملت جراحي وانكساراتي وعواطفي المهشمة، وأصررت على البقاء، بل على العودة من جديد إلى الحياة، محاولة عدم ترك الفرصة للماضي لينال مني، كانت تلك السنة الدراسية درسا مهما في الحياة، أكسبنا شيئا من القوة، شغلني عن همومي التي كانت تصر على ملاحقتي في خلواتي فتسيل دموعي حارة ينصهر لها الفؤاد، ولكني كنت أنظر إلى البعيد؛ لأصنع واقعا جديدا وجميلا في ذات الوقت.
لملمت الجراح، ورميت بها بعيدا، لاحقت الحزن والأسى في قلبي، فقضيت عليه.
كنت خجلى من نفسي التي خذلتها يوما، فعزمت أن أعوضها عزة وشموخا.
عدت بعد إنجاز المهمة بنجاح، طبعا تزوج (س) من أخرى، خلال هذه السنة فعرفت أنه لا يستحق دمعة واحدة أسكبها في سبيله، افترقت بنا السبل، وأخذ كل واحد منا نصيبه في الحياة. مضيت متناسية ولكن كان يشغل بالي تهديد ذلك الرجل بأن يصنع لي سحرا، وليس ذلك عليه ببعيد.

للحديث بقية
رد مع اقتباس