عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29-07-2017, 02:15 PM
الصورة الرمزية زهرة السوسن
زهرة السوسن زهرة السوسن غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,764

اوسمتي

افتراضي ما بعد الجامعة

انقضت سنوات الدراسة الجامعية، وعاد كل حي إلى داره محملين بأبهى صور الجمال عن إخوان وأخوات شهدنا لهم بالجد والاجتهاد، وحسن التفاؤل، وجلال القيم والأخلاق التي تربوا عليها، فما زالت صورهم حية في أذهاننا، منقوشة بإحكام على صفحات القلب.
في هذه الفترة تغيرت كثيرا قلبا وقالبا؛ صرت أكثر قدرة على مواجهة الصعاب، وأكثر نضجا فكريا وعاطفيا، بدأت أنظر إلى الحياة بشكل مختلف، أهتم بالتفاصيل كثيرا وأحاسب نفسي على كل شاردة وواردة، صرت أكثر حساسية تجاه الحياة.
بعد حفل وداع بهيج انفرط عقد اجتماعنا النظيم، ولكن بقيت بعض المواقف الصعبة عالقة بشدة في ذاكرتي، موقف ذلك الشاب الذي أحبني بصدق وبكل ما أوتي من قوة، وعزم وإصرار؛ فكان أول من يحضر إلى قاعة المحاضرات، وآخر من ينصرف؛ ليظفر بنظرة خاطفة يعلل بها نفسه، وكان شاعرا مجيدا يحرص على توزيع شيء من قصائده علينا، ولم نكن إلا سبعة من الذكور، وخمسا من الإناث نشكل تخصص اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب، والقاعة كانت بحجم فصل دراسي من فصول المدارس، يجلسون أمامنا ونحن من خلفهم؛ فكنا مكشوفات تماما، أحسست بفطرتي أني أنا المقصودة، فقلت أعرض الأمر على صديقتي المقربة إلي؛ لتدارسه بشيء من الفطنة والتعقل، وكنت حينها في حكم المخطوبة لابن عم أبي، منذ كنت في الصف الثالث الإعدادي، ولكن إصرار أمي على إكمال دراستي، كان أمرا إيجابيا في حياتي.
اتفقت مع صديقتي على حيلة أوصل بها فكرة الخطبة إلى ذلك الشاب؛ حتى لا ينساق وراء عواطفه أكثر فأكثر، وكنا حينها في السنة الرابعة والأخيرة.
وصل الشاب مبكرا كعادته قبل زملائه، فشرعنا في تنفيذ الخطة، فما إن جلس حتى بدأت صديقتي الحديث معي: مبارك لك يا أختي الغالية الخطبة، وأسأل الله لك التوفيق، فقد فرحت لك كثيرا جدا. طرقت هذه الكلمات مسامعه فقام واقفا، ودفع بالكرسي دفعة قوية إلى عرض الحائط، وخرج ثائرا، لم يكن الوضع مضحكا، ولكنه بحق كان مؤسفا للغاية، فما توقعت ردة فعله القوية، وأكبرت فيه صمته طوال تلك السنوات وأدبه الجم. انقطع عن الدراسة فترة من الزمن، شعرت خلالها بتأنيب الضمير، ولكنه ظهر فجأة وبحوزته قصيدة رائعة تحكي مأساته، وعزمه وإصراره على المضي قدما، وكان الأمر كما يبدو معلوما عند أصحابه وزملائه، فكانوا يساعدونه، ويقفون عنده قلبا وقالبا. لم أنس هذه القصة، وماذا علمتني من دروس، وإن ذهبت أدراج الرياح.
استقر بي الحال في المنزل، لا أفكار جديدة، ولا عمل غير أعمال المنزل التي كنت أساعد فيها أمي التي تحملت الوحدة المخيفة خلال تلك السنوات الأربع؛ فقد كان أبي يعمل في العاصمة بعد أن ألقى عصى الترحال واستقر معنا، وأخي في دبي، وأنا في الجامعة. فحرصت على أن أقدم لها ولو ذرة واحدة مما قدمته لنا كأسرة حرصت أمي على أن يكون أفرادها سعداء، فما عرفتها إلا صابرة، ومدبرة كخير ما يكون التدبير، ومتفائلة على الرغم من ظروفها القاسية، حفظها الله تعالى.
للحديث بقية
.
رد مع اقتباس