الموضوع: الكرسي
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-05-2010, 11:25 PM
الصورة الرمزية حمد السيابي
حمد السيابي حمد السيابي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 199
افتراضي الكرسي

الكرسي
تقودني قدماي إلى أماكن الزحام وإلى أماكن الوحدة .. تختزن ذاكرتي آلاف المشاهد والصور عبر سنوات البحث عن ((مفقود)).. ما زال حتى الآن في حسابات الضياع كثيرة هي الأماكن التي كنستها قدماي جيئة وذهابا .. كثيرة هي الوجوه التي رصدتها عيناي .. كثيرة هي الأحداث التي سجلتها ذاكرتي ..
متعب أنا من كل شيء . من الأماكن .. من الوجوه .. من الزحام .. من الوحدة .
متعب أنا من قدمي .. من عيني.. من ذاكرتي ..
كل شيء أمامي فاقد لكل شيء .. غريب في بلادي .. بعيد بذاكرتي عن يومي وأنا أعيش يومي لحظة بلحظة .. وحيد أنا في عالم مزدحم ..
تغيب ذاكرتي في سطور دفاتري القديمة ..
تعود تحت سياط الكتابة الموجعة ..
كل شيء يوحي بالوحدة .. حتى الأشياء التي أقابلها تشتكي الوحدة .. تقاسمني ألم فقدان الآخر .. ذلك الكرسي القابع على طرف حديقة ريام في الجزء العلوي منها..
كان على مدى الأيام الثلاثة الماضية مكان جلوسي المعتاد .. كان هو الآخر يشتكي ألم الغربة .. كم هم العابرون فوقه كل يوم .. كم من الأجساد المتحركة مرت ذات لحظة بالقرب منه .. كم من الأجساد الخشنة والناعمة استراحت فوقه من عناء التجوال أو من تعب الحياة ..
كان هذا الكرسي على مدى الأيام الثلاثة الماضية مكان جلوسي وخلوتي وتفكيري .. كنت أنتظرك هناك بصحبة قلمي ودفتر هذياني .. متعب أنا من الانتظار .. متعب أنا من شوقي إليك .. قطعت من أجل مقابلتك مئات الكيلو مترات .. أراقب المكان الفارغ من الكرسي .. أذهب بعيدا في خيالاتي .. أراك مبتسمة وأنت في ثوب السعادة .. فستانك الوردي الذي يزيد جمالك جمالا ..
حقيبتك الجلدية الزهرية اللون .. حذاءك الذي يكاد يصرخ من مشيتك الفاتنة ..
خصلات شعرك يراقصها الهواء كيفما شاء .. غطاء رأسك الذي يسقط كل لحظة .. وكأنه يتعمد إثارتي .. هاتفك الجوال الذي تشتكي أزراره من ضغطات أناملك وأغار أنا منه على عينيك الساحرتين ..
أمد يدي لأزيح خصلات شعرك عن عينك اليمنى .. أصطدم بالواقع المفقود .. أنت لم تكوني هنا ولكن الشوق يجعلني أحلق بعيدا ..
وأنتظرك .. يمر الوقت سريعا .. وأنا في يومي الثالث .. كل هذا العناء كي ألامس يدك الدافئة .. كي أفوز منك بابتسامة تهز وجداني .. كل هذا الاحتراق كي أحظى بنظرة عن قرب من عينيك ..
تنتابني أحيانا نوبة غضب فألملم أشيائي وأقف مستعدا للمغادرة .. ولكن أستسلم للعطر القادم من مواقف السيارات .. أحدث نفسي : لعلها هي .. لعلها غيرت رائحة عطرها .. لعلها جاءتك بلون جديد لتحدث فيك زلزلة الدهشة .. لعلها جاءتك محملة بما تشتاق إليه .. لعلها أرادت أن تكفر عن خطأ تأخرها عن ميعادك .. فجاءتك مختلفة عن المعتاد .. لماذا لا تعذر تأخرها ..؟ لماذا أنت دائم الاستعجال .. ؟ ما يدريك لعل ظرفا طارئا جعلها تغلق هاتفها الجوال .. لعلها كل هذا الوقت تبحث عن سبب تخرج فيه لمقابلتك ..
تمتلئ الحديقة بالصغار والكبار .. تمر بي الوجوه وأنا تحت مطر الانتظار .. لعلها ستأتي .. فتاة في مقتبل العمر نطلب مني أن تجلس بجانبي .. أعتذر منها ولكنها تصر .. قلت لها أنتظر شخصا عزيزا .. قالت بابتسامة خجولة : لكنه لن يأتي .. تساقط داخلي كل شيء وتكسر .. تحاملت على نفسي وقلت : ما أدراك ؟
قالت : أنا بنت عمها وأعرف أسرارها وأخبرتني عنك كثيرا .. ولكن كيف تعرفت علي وأنا لم أرك أبدا ؟ فأشارت بيدها نحو جهة اليسار : أنظر إنها هناك بصحبة خطيبها ، وحتى لا تتفاجئ طلبت مني إبلاغك ..
دارت بي الدنيا ودار بي الكرسي حتى كدت أن أسقط .. أحقا ما سمعته صحيح أم أنه كابوس مزعج ؟
ضاقت بي الحديقة وضاق بي الكرسي حتى كاد لا يتسع لطفل ..
لملمت أشيائي .. واستحضرت شجاعة مغدور .. واتجهت نحوها بلا قلب بلا مشاعر بلا كلمات ..
طويت الأرض تحت قدمي .. حتى وقفت قاب قوسين أو أدنى منها .. نظرت إلي والدهشة تكاد تسقطها أرضا .. ابتسمت ابتسامة صفراء وهي تمسح عرق ضياعها .. كيف حالك يا... أعرفك على ...
وبينما هي تتلعثم في الكلام أغادر أنا إلى المجهول باحثا عن كرسي آخر لللقاء وليس للانتظار ..

التعديل الأخير تم بواسطة حمد السيابي ; 13-04-2011 الساعة 01:28 PM
رد مع اقتباس