عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 22-12-2013, 09:38 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...ظاهرة ( البذاءة اللفظية ) التي تستشري-أختنا الكريمة الواعية ريم-في نسيج لغةِ التخاطب والتعامل اليومي داخلَ حياةِ مجتمعاتِنا،وعلى ألسنةِ المراهقين-خصوصاً الجانحين-غدَتْ مظهراً سلبيًّا في سلسلةِ مظاهرَ سلبيةٍ أخرى،تسيءُ لعَقدِ المجتمع العُرفي الذي قامَ في الأصل-تواتراً-على مبدأيْ الدين في ضوابطهِ الأخلاقية الشرعيةِ وكريم العاداتِ والتقاليدِ بما تعنيهِ للإنسان في احترام القِيَّمِ وتقديس طابعِ الحِشمةِ العامةِ والحَيَاءِ العامِّ....

ولمَّا كانَتْ هذه الظاهرة في تنامٍ واستشراءٍ وشيُوعٍ،فلا ريْبَ-أختي الكريمة-أن لذلكَ دِلالة ًخطيرة ًومُؤشِّراً بالغاً على تقهقر بُنودِ ذلكَ العِقد الاجتماعي وضمور الوازع الديني المُهِمِّ وانحسار الأعراف القائمة في العقل الجمْعي على خُلقيْ الحَياءِ والحِشمةِ العامة....

وبَدَاهَة ًليسَ هناكَ دُخانٌ بلا نارٍ...ولكل سَبَبٍ مُسَبِّبٌ..و (( إذا عَرُفَ السببُ بَطلَ العَجَبُ ))..!!

أرَى-أختي الكريمة-من منطلقٍ تربويٍّ بَحْتٍ أنَّ جميعَ فعالياتِ المجتمع المَدَني تشتركُ ابتداءً في تخصيبِ هذه الظاهرةِ وتوفير المناخ لها لتصبحَ مَوْجة ًاجتماعية ًعارمة ً،يَعسُرُ الإحاطة بأسبابها ويستعصي مواجهَتَها بما يُوقِفُ زحْفها الراعدَ،أو ينقلها-على الأقل-من كوْنِها حالة ًاجتماعية ًشبابيَّة ًعامة ًإلى حالاتٍ فردية ًلا تعبرُ في النهايةِ على ثقافةِ مجتمَعٍ...

ومن العبثِ-في تقديري-تضييعُ الجهدِ المُضني والوقتِ الثمين في معالجةِ مظاهر الحالةِ والتوقفِ فقط عند عوارضها الظاهريةِ،في حين نتجاوَزُ فيها التأملَ والالتفاتَ إلى جذور أسبابها الغويطةِ وعواملِها الرئيسة...

إن شبكة المجتمع..أيَّ مجتمعٍ،ماهي في النهايةِ إلا تلكَ الخلايَا المتوزعة في وظائفها ومَهامِّهَا ونشاطاتِها الحيوية اليومية داخلَ النسيج الاجتماعي الذي يُلحِمُ الإطارَ العامَّ للمجتمع بعلائق الترابط،ويَدفعهُ إلى التفاعل-الإبداعي والتنموي والإنتاجي-في اتساقٍ وانسجامٍ وتنظيمٍ مُحْكَمٍ...

وصحيحٌ أن كلَّ خليةٍ تستقلُّ بوظيفتِها-من حيثُ الأداءُ والمَهَمَّة-ولكنَّ كلَّ الخلايَا في النهايةِ تتحدُ في الأهدافِ والغايَاتِ...

فالبيْتُ والأسرة..والشارعُ والمرفَقُ العام..والمدرسة والإعدادية والثانوية والجامعة والمعهد..والمسجدُ ومرافقـُهُ..والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بما في ذلكَ شبكة النت وحضورها القوي...والجمعيات المَدنية التي تنتظمُ النشءَ والشبَابَ وتتحركُ في النوادي ودُور الثقافةِ والمؤسساتِ ذاتِ الطابع الجَمْعَوي كعالم الرياضةِ مثلاً...

هذه-وغيرها-هي الخلايَا الاجتماعية الفعالة التي نقصد...وهي-كما نرَى-في النهاية كُلٌّ لا يتجزأ،وهي حتى إن اختلفتْ في أدائها الوظيفي التربوي المباشر إلا أنها في نهايةِ الأمر تتحدُ في تحقيق الغايَاتِ الكبرى-الحضارية بما فيها المنظومة الأخلاقية-وتتعاضدُ جميعاً على تحقيق الفرد الإيجابي الذي هو في النهايةِ المعيارُ الأساسي والمَحَكِّ الرئيس في مؤشر النجاح أو الإخفاق لتلكَ الغايَات...

إنَّ استشراءَ ظاهرةِ البذاءة اللفظية المُقذعة وسَط شريحةٍ واسعةٍ من نشئِنا الصغير وشبابنا الفتِيِّ ليُؤَكِّدُ لنا أنَّ ( فِصَاماً نكِداً ) وقعَ في مَلمَح الانسجام والتنسيق التربوي والأخلاقي بين تلكَ الخلايَا،بحيثُ غدتْ الواحدة منها لا تقومُ-كما العهد الغابر-برسالتها الفعالة تجاهَ أجيالها النابتة..أو أنَّ بَعضَها يقومُ بأداءٍ ملحوظٍ وجُهْدٍ مشكورٍ في غيابٍ نسبي أو كُلي لأداءِ وجُهْدِ البعض الآخر..!!

وهنا بالضبط يحدثُ الخللُ وتظهرُ الفجوة ويتسِعُ الخرْقُ..!!!

إنني-مثلاً-أبُّ لأولادٍ ناشئين،مراهقين أو شبَاباً يافعين..قدْ أقومُ بدوري الأخلاقي والتربوي-بمعيةِ الأم طبعاً وبمعية كل الإطار العائلي-ولربما بذلتُ جهداً جبارًا في إشاعةِ المناخ الأخلاقي الحسن في البيتِ ووقايته من أيِّ لفحٍ وسُعار أخلاقي قد يُؤثرُ في كياناتِهم الصغيرة أو يٌعكرُ صفوَ فطرتِهم البريئة...

إنني مهما كنتُ حريصاً على صقل ألسنةِ أولادي وإكسابهمْ في البيتِ حصانة ًأخلاقية ًوتربوية ًسليمة،فإن ذلكَ لن يستمرَّ طويلاً أو تستقرَّ نجاعته أمداً بعيداً في فترةِ مراهقتهم أو شبابهم إذا لم يكنْ الجَوَّ التربوي والأخلاقي-خارج البيت-قريباً أو على الأقل مُوَازٍ لجوِّ البيْتِ ومناخه...

إن وجودهم في الشارع..في المدرسة مع الرفقة والخِلطة..في دور الثقافة..في نوادي الرياضة...وقبلَ هذا في المسجد ودور العبادة وفي مدارسها القرآنية والتعليمية..أمام التلفزيون وشبكة النت...في المخيماتِ الصيفية وما شابَه...وفي..وفي...

إن وجودَهُمْ في رحاب هذه الخلايَا الاجتماعية ما منه بُدٌّ وليسَ عنه مهربٌ أو مَفَرٌّ...

فهلْ لكِ-أختي الكريمة-أن نتصورَ المراهِقَ الصغيرَ،وهو خارج البيْت...بل إن معظمَ الأوقاتِ يُفرَضُ عليه أن يتواجدَ خارجَ البيت...هل لنا أن نتصورَ حينَ يلتحِمُ بشارعٍ يَعِجُّ بهَرْج البَذاءة ومَرْجِها أمام غيابٍ كاملٍ لمبدأ الأمر بالمعروف والتناهي عن المنكر الذي يكادُ جماعيًّا في بيئةِ الشارع والمرافق العامةِ أن يَختفي نهائيًّا ونبَتتْ بَدلاً منه أنانية ٌفردية ٌ،تقومُ على أساس البلادةِ واللامبالاة..وما دامَ الأمرُ لا يَعنيني فلتذهب الدنيا إلى الجحيم..!!! وهلْ لنا أن نتصورَ حينَ لا يَجدُ كفاءَة تربوية فعالة داخلَ مؤسساته التربوية ( المدرسة...الثانوية..الخ... )،فتنعدم الأسوة والقدوة الحسنة أو تكادُ على مستوى الإدارة وفريقها التربوي..وهل لنا أن تصور حين يتواجدُ في دور العبادة-وهي من أخطر الخلايا على الإطلاق-فلا يَقعُ أداءٌ توجيهي فعال في الخطاب الديني الموجَّه..وهل لنا أن نتصورَ حين يتواجدُ هذا الناشئُ في دور الثقافة وفي النوادي،فلا يكادُ يقع سمعهُ أو بصرُهُ إلا على كل قبيحٍ أو ناشز من القول والفعل...وحين ترفع الرقابة عن البَرامج والأفلام والحصص ( الترفيهية ) الشبابية التي تنتشرُ هنا وهناكَ على رشحة الأقنية الفضائية ونوادي الفيسبوك وغيرها في النت،فلنا أن نتصورَ على أيِّ فكرٍ وعقلٍ ولسانٍ سينشأ مراهقنا المسكين..؟؟!!!

نقولُ دائماً-أختي-إن اليَدَ الواحدة لا تصفق...وشاعرُنا الحكيمُ ينبهنا :

متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامَه ** إذا كنتَ تبنيهِ وغيْرُكَ يَهدِمُ..؟؟!!

في تقديري-أختي الكريمة-أن هذه الظاهرة السلبية المستفحَلة في نسيج مجتمعاتِنا،لا يُمكنُ القضاءُ عليها أو وقفَ زحْفَ موْجتِها أو التخفيف من حِدتِها إلا حين يحدثُ تكاملٌ-يأخذ شكلَ التنسيق-بين تلك الخلايَا الاجتماعية جميعِها..يَوْمَها فقط سيصطبغ المناخُ الاجتماعي العام بصبغةٍ أخلاقيةٍ عامةٍ،تجعلُ من الناشئ المراهق والشاب الفتِيِّ لا يَكادُ ينبسُ بفضول الكلام إلا همساً أو احترازاً أو احتراسًا بالاستغفار..!!

شكرَ اللهُ لكل مَنْ أدلى بدلوه العامر هنا..وشكرَ اللهُ لكِ-أختي الكريمة البديعة الواعية الأصيلة ريم-على طرْح مثل هذه الإشكالاتِ الجادة والمهمة والتي تمسًّ صميمَ حياتنا وحياة أبنائنا،وعليها تتوقفُ أشياءُ كثيرة في حاضِرهم ومستقبلهم...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 23-12-2013 الساعة 12:00 AM