عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-11-2013, 08:20 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

لا يَكادُ يختلفُ اثنان-أختي الكريمة الواعية ريم الحربي-من أنَّ عالـَماً مليئًا بالمتغيراتِ السريعةِ والمؤثِّرَاتِ المتداخِلةِ في بعضِها-بما فيها مؤثراتِ العصر وظروف الحياة الصعبة-هو العَالـَمُ الذي يعيشُ فيه أبناؤنا..يتنفسونَ حاضِرَهُ،ومن خلالِهِ ترنو أعينـَهُمُ الصغيرة إلى المستقبل المَوْعودِ الذي يَحلمونَ به وتتطلعُ مُهَجُهُمُ اللهْفى إلى الغدِ المرسوم في أذهانهم...

ولمَّا كانَ (( الحاضِرُ غرْسَ الماضي،والمستقبَلُ جَنيَ الحاضر ))-كما يقولُ العلاَّمة ابنُ خلدون رحمه الله-فإنَّ أحلامَ وآمَالَ وتطلعاتِ وطموحاتِ أبنائنا المستقبليةِ من جنسِ الظروفِ الواقعيةِ التي يفتحونَ أعينهُمْ على حقائقها الراهنة...

بمعنَى..أن النتائجَ اللاحقة تأتي تبَعًا لِمَاهيَ عليهِ المقدماتُ السابقة...

ويُمكنُ لنا أن نتصورَ أحلامَ وآمالَ أبنائنا التي تداعبُ أو تشاكسُ تطلعاتِهمْ بمجردِ أن نلتفتَ إلى طبيعةِ الواقعِ الذي تتغذى منه تلكَ الأحلام وتلكَ الآمال...

لنا أن نتصورَ كيفَ يحلمون ويأملون في الغدِ إذا أحسنَّا قراءة واقِعِهٍمْ الذي يَعيشون فيه قراءة ًصحيحة ً لا تخطئ...

فإذا كانَ الواقعُ مليئًا بالتناقضاتِ الاجتماعية والنفسية الكثيرة-كما هو الحالُ في أغلب بيئاتِنا للأسف-بحيثُ لا نكادُ نلتفتُ إلى البيئة التي يتحركُ فيها نطاقِها أبناؤنا إلا ونجدُ موْجاتٍ وموْجاتٍ لافِحَةٍ من تلك التناقضات ( البيتُ والأسرة اللذان يَفقِدَان زمامَ التوازن والاعتدال،فيقعُ الأبناءُ بين كماشتيْ الإفراط والتفريط أو التشددِ والتسيُّب..الشارعُ والخِلطة والرِّفقة...المدرسة والتعليم والأدواء التي أصابتِ المنظومة التربوية على مستوَى المناهج والبرامج والسياسات المُطبقة..الفساد الإداري والأخلاقي والاجتماعي الذي يَهْدِرُ هديرُهُ من كل ناحيةٍ ومن كل زاويةٍ وجهةٍ...الأزمات الحادة التي تخنقُ حياة الجيل ولا تكادُ تـُـبْقي له متنفسًا في حُلم مشْروعٍ أو أملٍ ورْدِيٍّ مُستحَقٍّ : كأزمةِ السكَن وأزمةِ العَمَل والوظيفِ والتأهيل..عِلاَوة عما يكتنفُ هذه الأزماتِ الحادةِ من استفحال البيروقراطية والمحسوبية وتفشي المظالم الاجتماعية المختلفة التي تقتلُ في الجيل روحَ الإبداع والمنافسة الشريفة وتئدُ فيه كلَّ طموحٍ مشروع.... )...

إذا كان واقِعُ أبنائنا مشحوناً بهذه التناقضاتِ فإننا نستطيعُ إدراكَ حَجْمِ الشرَخ الكبير الذي يَثلِمُ الأحلامَ والآمالَ والأمنياتِ في كياناتِهِم الناشئة...

إن أحلامَ الواحِدَ منهمْ لنْ تعدو أن تكونَ مجردَ اقتناءِ سيارةٍ عصريةٍ يَذرَعُ بها طولَ الشوراع وعَرْضِها..أن تكونَ مجردَ اقتفاءِ أثر اللاعب العالمي فلان في لباسِه وتسريحة شعره وتقاليع عدْوه وجَرْيهِ وثرائهِ الفاحش..أن تكونَ مجردَ التطلع للسفر لباريس أو لندن أو بلاد العم سام وسانتا...أما الحديثُ عن الأحلام والآمال التي تحملُ طموحاتٍ رساليَّة عظيمة،فهيْهاتَ أن نجدَها في أبنائنا المراهقين الشباب إلا منْ ندَرَ..!!

وواللهِ-أختي الكريمة-مع أني دائماً أرمي باللائمة القصوَى في هذا العَوَج النفسي والعقلي على أبنائنا-باعتبارهم أصحاب الشأن الأول والأخير أمامَ هذا البلاء الحضاري-إلا أنني أعود لنفسي،فأدركُ كمْ أنا مُخطئٌ في التقدير وجائرٌ في الأحكام..!!

فإن أبناءَنا المراهقينَ الشبابَ-شئنا أم أبيْنا-همْ في النهايةِ إفرازٌ طبيعيٌّ لنمَطِ تفكيرنا ومشاعرنا وقناعاتِنا نحن الآباء والأمهات،نحنُ المعلمين والأساتذة والتربويين المُربين والأيمة والدعاة والوُعَّاظِ والمثقفين،نحنُ المسؤولين والإداريين والحُكام من الهَرَم إلى القاعدة،نحن شرائح المجتمع كُلٌّ في موقِعِهِ الإشرافي...

إنَّ أبناءَنا،حينَ يتحركون بيْننا بتلكَ الأحلام والأماني الصغيرة الضيقة التي تختمرُ في رؤاهم العقلية وفي مشاعرهم النفسية،يسوؤنا كثيراً-نحن الآباء الكِبار-أن يَحلموا هكذا أحلام أو يأمَلوا هكذا آمال،فننطلقُ تجاههم بالنقد واللائمة القاسية لا نلوي على شيء،وننسى في معمعةِ النقد واللوم أن نسألَ أنفسَنا السؤالَ المهم :

ما الذي دفعَ أبناءَنا إلى أنْ يكونوا على هذه الشاكلةِ من التفكير..من الأحلام..من الأماني..من الآمال والطموحات..؟؟!!!

ألسنا نحن-الجيل السابق عنهم-مَنْ مَهَّدَ الطريقَ لتستوي أفكارُهُمْ ومشاعرُهُمْ وعقلياتـُهُمْ على الصورةِ النهائيةِ التي هي عليها في واقعهم الراهن..؟؟!!

ثم..مَنْ قالَ إن الغالبية العظمى من أبنائنا حينَ تتلبسُ أحلامُهُمْ وطموحاتهم وآمالهُمْ بـ ( سِمَةِ تتفيهِ الاهتمام )-كما يسميها علماءُ النفس-فإنما لأنهمْ لمْ يَجدوا مناخاً آخرَ جميلاً يحلمون فيه الأحلامَ المشروعة ويأمَلون أن تتحققَ في ظروفٍ أرقى وأعدل وأنصف..؟؟!!

ربما-وهذا واردٌ جدًّا-أن تلك الأحلام الضيقة والطموحات الساذجة ما هي في الحقيقةِ إلا شكلٌ من أشكال التنفيس عن ضغط الواقع الآسِن الذي وُلِدوا فيه وترعرعوا في متناقضاتِهِ...فهم إنما في الحقيقةِ يَكيلونَ لنا-نحن الآباء-صفعاتِ الرفض..أو إنما عقولهم الباطنة تعاقبنا على واقِعٍ مريرٍ،نحن صنعناهُ وهيأنا مناخـَهُ لاَ أحدٌ سِوانا..!!!

ماذا يفعلُ يا ترَى مَنْ لمْ يَجدْ كيفَ يعيشُ في النور وتحتَ آفاق الضياءِ إلا أن يمتدَّ بصرُهُ المفتوحُ في دياجير الظلام ودهاليز العتمَة..؟؟!!

أنا هنا-أختاه-لا أعتذرُ عن أبنائنا في عَوَج أحلامهم ونزق آمالهم وضِيق آفاقهم..لا أعتذر عنهم على ما اتفق...

لاَ...

ولكنني كأبٍ،لي أبناءٌ،أحبُّ أنْ تمتدَّ أحلامُهُمْ وأمانيهم وتطلعاتهم إلى ما وراء أحلام المراهقةِ المائعةِ واهتماماتِها الصبيانية التافهة،بحيث تكونُ أحلامهمْ في غدهم رسالة ً أرقى وأعظم وأكبر..أودُّ أولاً قبل إلقاءِ اللائمة عليهم في ما مَرَقوا عن رغبتي أنْ أهمسَ لزمرتنا-نحن معشر الآباء-بحكمةِ الحكيم الصيني كونفوشيوس : (( قالتِ الخشبة يوماً للمسمار تشكوهُ : أيها المسمارُ لقد آلمني انغرازُكَ..!! فردَّ المسمارُ : لا لوْمَ عليَّ..سَلِي المطرقة التي تدقني..!!! ))...

والتلميحُ-أختي البديعة-يُغني عن التصريح...

ودمتِ..ودامتْ عطاءاتـُكِ قوافي الكريمة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 05-11-2013 الساعة 08:17 PM