عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-08-2010, 01:56 AM
الصورة الرمزية فهد مبارك
فهد مبارك فهد مبارك غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,479

اوسمتي

افتراضي


•سوسيولوجية النصّ :

الشاعرة تعيش في مجتمع له قيمه ومبادئه والتي هي خليط من الدين والعادات والتقاليد ، وكل فرد يعيش في المجتمع نجده قد تأثر بكل ما حوله ،بكل الأشياء والعناصر التي رسمت خريطة ذهنه ، بحيث أي عمل أدبي بالتأكيد قد تأثر بكل هذا ، لذلك فإن النزعة الاجتماعية تتملك الفرد وتميّز عمله طبقا للظروف التي يعيشها هذا المجتمع ..
من هنا سوف نحاول إدراك ما هو مضمر خلف هذا النص وبناءا عليه لا بد أن نضع عدة احتمالات أو فروض هدفنا من طرحها محاولة الكشف عما يدور خلف النص:

-الفروض والاحتمالات :

تحاول الشاعرة من خلال النص :

1- معالجة قضية عاطفية بحتة تخصّ الشاعرة ولا وجود لمؤثرات خارجية فيها (المجتمع..).
2-معالجة قضية اجتماعية بحتة .
3-معالجة قضية اجتماعية في صورة عاطفية لأنها الأقرب إلى القلب واللغة السهلة للوصل إلى الناس .
4-معالجة قضية عاطفية وفي داخلها سخط اجتماعي غير مقصود وغير واضح بسبب الحالة النفسية التي تعيشها الشاعرة مما زاد كثافة الحزن لديها .
5- معالجة قضية نفسية مؤقتة جاءت في صورة عاطفية مما كثّف عناصر الحزن في النص.
6-موضوع مؤنسن يستفزّ المشاعر العاطفية ويرفض كبتها .
7-صورة لحياة خيالية رسمتها الشاعرة في مخيلتها مليئة بالحزن والأزمات والألم.

الآن سوف نقوم بمناقشة هذه الاحتمالات :
-الاحتمال الأول : لا يمكن لأي تجربة عاطفية أن تكون بمنأى عن المؤثرات الخارجية ، فالتجارب لا تصنعها إلا هذه المؤثرات ، ومن خلال النص نلاحظ وجود تجارب أثرت على لغته (النص) ولذلك سوف نستبعد هذا الاحتمال .
-الاحتمال الثاني : سوف نستبعد هذا الاحتمال كذلك ، وذلك لوضوح الجانب العاطفي الذي صنعته التجربة .
-الاحتمال الثالث : من الممكن أن يكون النص قريب من هذا الاحتمال ، وربما الشاعرة قامت بمعالجة قضية اجتماعية في صورة عاطفية ، ولكننا نصطدم بكثافة الجانب العاطفي وعناصره وملامح التجربة العاطفية كذلك، وإذا كان الهدف من وجود النص هو معالجة قضية اجتماعية سوف يتضح ذلك من خلال الطرح ، ولكن النص كان بعيدا عمّا ذكرناه وبصورته المباشرة .
-الاحتمال الرابع : هذا الاحتمال حتى الآن هو الأكثر قربا من النصّ والأكثر شفافية في الطرح ،من خلال اتساقه مع ما جاء في النصّ بلغته وعناصره .
-الاحتمال الخامس : إذا اعتبرنا أن النصّ جاء لمعالجة حالة نفسية لأسباب عاطفية ربما يكون صحيحا ، ولكن القصيدة لم تأتِ لمعالجة حالة نفسية في صورة عاطفية ، وهذا سوف يبعدنا عن النصّ كثيرا ..
-الاحتمال السادس : هذا الاحتمال يأخذ وجهين : الأول معالجة قضايا إنسانية عامة . والثاني : بعيد عما قصده النصّ ، لأن هنالك تجارب قربت المسافة وأعطت الخصوصية للشاعرة .
-الاحتمال السابع : ربما يقترب من النصّ ولكننا لو ادركنا أن العمل الأدبي هو صياغة لفلسفة الحياة ضمن الحياة الإنسانية المليئة بالتجارب لأدركنا أن هذا الاحتمال بعيد عن النصّ..

إذن الاحتمال القريب من النصّ هو الرابع : بالتالي نستطيع القول أن هنالك تجربة تعيشها الشاعر تجربة عاطفية رسمت كل المشاهد المعبّر عنها ، استطاعت الشاعرة أن تطرح قضيتها فكانت خليط بين العاطفة الجياشة بروحها وعشقها الخفي ، وعاطفة طالبة التغيير بسبب الوضع الاجتماعي والآليات التي تحكمها في معظم الأحيان بتسلط ، فكان سخطها الاجتماعي تعبير وبطريقة غير مباشرة عن الوضع الذي أوصلها إليه .. ومن هنا نجد تلك العلاقة الديالكتيكية / الجدلية ، في صراعها الأبدي مع المجتمع وهذا دليل على أن تجربة الشاعرة وصدامها العاطفي الجدلي مع المجتمع أوصلها إلى درجة من الوعي بأهمية الإنسان كإنسان بغض النظر عن كل الأنساق والقيم المرسومة له مسبقا في المجتمع وقبل أن يولد ..

إن لغة الاستشراف للمستقبل من خلال العلاقة الديالكتيكية مع المجتمع قد خلقت جمالية الصورة الإنسانية في أثرها الشعري ، وبحكم المجتمع الذي تعتبر الشاعرة جزء من عناصر منظومته فقد دفع بها وبقوة حقيقية إلى فضح بعض الجوانب بطريقة ربما نعتبرها لاشعورية بطريقة غير مباشرة ، رغم أنها ـ الشاعرة ـ تطل من نوافذ هذه القوة الحقيقة الدافعة لها من نوافذ منظومة المجتمع بتوجس بسبب تلك الأيديولوجيا التي تتحكم في جلّ آليات المجتمع ..
لابد أن نكرر ونوضح أن هذا الحسّ الاجتماعي لم يكن مقصودا وإنما أخذ يتشكل في النصّ بطريقة آلية نتجت عن الشحن العاطفي ..

•بعض ملامح المستوى الفني للقصيدة :

الشاعرة تعيش غربة داخلية تمفصلت حول التناقض بما تؤمن به ، وبين ما فُرض عليها ،
لم تكن لها يدّ فيما تتقاسمه من عذابات وكأنها تجترح الضوء من ظلام الهاجس المدفون بأهواله ، حيث تقول :

غريب ذا الهاجس المدفون بأهواله من اهواله
ولهاثي اللي طوى غربة عناويني لعناويني

نلاحظ أن البيت الثالث من القصيدة تميّز بعدة خصائص :

-تمفصلت القصيدة حول هذا البيت الشعري من خلال ما تودّ الشاعرة أن تبيّنه من أن الصمت رغم الجراحات والمعاناة والشوق الذي اعتبرته بأنه أجدب وأكثر قحولة من الحزن (كما في البيت الأول من القصيدة) مهم بالنسبة لها ولا بدّ من هذا الصمت لدرجة اغتيال صوتها المبحوح ، وهنا تتضح الأنفة والشموخ وقوة التحمل من أجل الكبرياء ، هو كبرياء إمرة مجروحة رغم ذلك المونولوج الداخلي الذي تتعاظم لغته الحزينة ..
-جاء عنوان القصيدة من هذا البيت وهذا دليل على أهميّته وخصوصيته عند الشاعرة
-وجود علاقات تبادلية ترابطية بين بعض عناصره ( وضحنا ذلك سابقا في بنية النص ثالثا : الترابط الظاهري للعناصر في البيت الشعري )

الرمز حاضر في النصّ وبقوة ويمكن أن نشير إلى بعض الرموز مثل الهاجس المدفون في البيت الثاني والجرح في البيت الثامن ، وبالتالي نكتشف أن النصّ بأكمله يحمل لغة رمزية من الصعوبة اختراقها إلا بدراسة صاحبة النصّ أدبيا وفكريا واجتماعيا بمعنى دراسة البيئة المحيطة بها وإنتاجها الأدبي والثقافي بشكل عام ، ولذلك اعترف أن قراءتي لأحد نصوصها مجازفة ولذلك كان لابد من الحذر عند الاقتراب من اللغة الرمزية في النصّ ، وهنا لابدّ أن أوضح شيئا أن مفهوم الليل عند الشاعرة له وضعيّة خاصة وكما ذكرنا سابقا يمثلّ بالنسبة للشاعرة حياة من نوع آخر ورمز لهذه الحياة . يمكن أن نستشف من هذه اللغة الرمزية في النصّ أن الشاعرة تعيش حالة نفسية روحانية لذيذة تنتج عندما تكون في حالة مهيأة لذلك ولهذا فهي تطلب ذلك الوضع وتشتاق إليه حيث كثّفت كل المشاهد وأطلقت العنان لرصيدها اللغوية في هذا النصّ حتى تخدمه بأقصى ما عندها ، ولذلك وكما ذكرت سابق في مقدمة لأهمية النص أن هذا النصّ من الصعوبة أن يمرّ مرور الكرام ، فهذه الحالة قد تكون حالة عاطفية أنثوية تجتاح كيانها ،بحكم الظروف الطبيعية والتركيب البيولوجي والنفسي .. ومن هنا نتجت تلك العلاقة الجدلية مع المجتمع ..
من خصائص هذا النصّ أنه يعطي أكثر من قراءة ، حيث تكمن الصعوبة في فهم لغته ، ولهذا لابد للناقد أن ينتبه من الانزلاق في متاهات القراءة السطحية والتي ربما لا تضيف الكثير للنصّ .

خلاصة القول ..
الشاعرة هجير من الشاعرات العمانيات اللاتي يتميّزن بجزالة الشعر ورمزية اللغة ، ومن الصعوبة كشف ما خلف الكلمة، كما أن لغتها الشعرية تتميّز بالتمرد ولكن بهدوء ، وهو تمرّد على بعض الأعراف الاجتماعية البالية التي لا تتناسب مع الوضع الحالي للمجتمع ..
رد مع اقتباس