عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 17-05-2015, 12:49 AM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي







بين الألم واللذة


ماذا لو أطلقت العنان لقلمي
وتركته يهجو الألم، أو يتغزّل باللذة؟
دعونا ندفن المواجع حينا من الدهر
ولنغتنم لحظات سعادة نادرة الحدوث، عاجلة الانقضاء.
فلعمري إنها لتمر مر السحاب، ولتهب هبوب نسيم السحر.
فمن قنع بها بلسما يشفي جل الأوجاع، ومن هو ساخط ناقم
لا يبرح التأوه فاه، ولا التذمر لسانه ولا التوجّع بدنه.
ولست بمستبيح ذمّ الألم والمحن بأية صيغة لغوية أو حركية جسدية
ذلك لما لهما من قداسة عند العارفين، مستندين إلى حقيقتهما وجوهرهما
كأداتي غربلة وتصفية، إختارهما رب العالمين، وفرضهما على كثيرٍ من عباده
قال تعالى:

{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
الأنبياء آية 35


وهو رحمن الدنيا رحيم الآخرة، العزيز الحكيم، اللطيف الخبير
فلا شك أن من الناس من يقدّر دور البلاء، وما يترتب عليه من أوصاب ونكد،
في التفريق بين الصابرين الشاكرين، والمتذمّرين الجاحدين.
إنها حلاوة الإيمان. يجدها فقط من آمن وأيقن أن في كل
أمر خير للمؤمن، كما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

(عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ
إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ)
رواهُ مُسْلِمٌ.

ومن أعجب الحديث أن يسعى الإنسان بكل ما أوتي من قدرات
إلى تحقيق أهدافٍ مستحيلة الوقوع، أقصد الفوز بالسعادة الأبدية
في دار الدنيا. وقد قيل في ذمّها ما يكفي ذوي البصيرة:

جُبلت على كَدَرٍ وأنت تريدها ***صفواً من الآلام والأكدارِ
ومُكَلِّفُ الأيامِ ضدَّ طِباعِهـا *** مُتَطَلِّبٌ في الماء جذوةَ نارِ


فإذا علمنا ان بقاؤها على حال محال، هانت علينا المواجع
واحتسبنا أجر الضراء عند الله تعالى، فكففنا عن التذمّر والشكوى
ورضينا بقضاء الله وقدره، وصرفنا جهودنا في طاعته.
أمّا اللذة فليست وهبا صرفا بالنسبة للمسلم، بقدر ما هي أداة إمتحان وإبتلاء أيضا،
وما أسرع ما تجتاح القلب مشاعر الحزن عقب الإمتلاء من طعام لذيذ
أو بعد الفراغ من شهوة مباحة.
ذلك أن النفس تعلم جيّدا أنها في مرحلة إبتلاء بكل شيء، النعيم والكدر
فلن يهنأ المرء السليم القلب، إلا حينما يؤمر به إلى الجنّة
وما نراه من مظاهر السعادة، والإحتفال بالمكاسب الدنيوية خادعة مخادعة
لا تعدل ثمن السرور بأداء فريضة أو كسب حسنة.
هذا على الأقل ما يشعر به كل من يرجو الله واليوم الآخر.
ودمتم سالمين.
رد مع اقتباس