عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 01-10-2013, 12:04 AM
الصورة الرمزية ذكرى
ذكرى ذكرى غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
الدولة: أرض السلام
المشاركات: 1,291

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يزيد فاضلي مشاهدة المشاركة
...عندما كنا ندرسُ التراثَ الإغريقي القديم،كانتْ هناكَ ظِلاَلاً من تأمُّلٍ وتمَعُّنٍ تتالـَى على أفكارنا ووجداناتِنا ونحن نستعرضُ في أدبياتِ الكلاسيك الميثولوجية القديمة أسطورة الفتى الوسيم العاشق ( نركسوس )-أو الذي تسَمَّى تجَوًّزاً في اللغة العربية نرجس-والذي ارتبط شخصُهُ بعد ذلك في معمعة التحليل النفسي عند سيجموند فرويْد-ومدرسته-بمسمَّى ( العقدة النرجسية narcissisme de noeud )...

وسواءٌ صحَّتِ الأسطورة الإغريقية القديمة أو لمْ تصِحَّ عن الفتى الوسيم الذي راحَ الوَلهُ الغائرُ يأخذُ منه كُلَّ مأخذٍ حينَ التقتْ عيناهُ الخضراوان الجميلتان بعيْنيْ خيال صورته العاكسة على رشحةِ الماءِ..فكانَ عِشْقاً..وكانَ وَلهًا أفضى إلى موته في النهايةِ..وتقولُ الأسطورة أن الآلهة أشفقتْ على نركسوس-عاشق صورته المائية-فأعادته إلى الحياة على شكل زهرةٍ بيضاءَ جميلةٍ،شذيةِ الرائحة والعَبَقِ،لها مظهرٌ ذابلٌ،يُعبرُ عن سَحاباتِ الأحزان الدامعة التي احترقَ صاحبُها في أتون شَجْوها،وما تنفكُّ تنمو دائماً على ضفافِ الغدران والسواقي الجاريةِ،وتنمو على امتداداتِ المروج والبراري الخضراء،يعرفها الناسُ بـ ( زهرة النرجس ) الشذية...!!

قلتُ سواءٌ صحتْ هذه الأسطورة أو لمْ تصِحَّ،فما من ريْبٍ-أختي الكريمة البديعة ذكــرى-أنها تكشفُ عن جانبٍ موجودٍ،لا يُنكَرُ في ذاتِ الإنسان..أو في عقلِه الباطن وفي لا شعُوره..وهو الجانبُ المتمثلُ في إحساسِهِ المستمر بـ ( حضور كيْنونتِه ) البشرية وسَط ( الأنا الجَمْعي ) كما يُسميهِ الفيلسوف الفرنسي دوركايم..

وهوَ الجانبُ الجميلُ المتوازن الذي لم يَجدِ الإسلامُ غضاضة ًفي تحسيس المسلم به-في نفسه وبين أفرادِ مجتمعِه-لأنَّ الشعورَ بـ ( الذاتِ الفاعلة المنفعلة ) يُحركُ طاقة المَرءِ في اتجاهاتِ الخيْر التي يُحبُّ اللهُ ورسولـُهُ أن يَرَيَاهُ بها...

الاعتزاز بالنفس..الشعور بالعِزَّةِ..الشعور بالإباءِ...الشعورُ بالثقةِ الإيجابيةِ المستمدة من ثقةِ المرءِ بالله تعالى..الشعورُ بمصارفِ الجمال المختلفة التي تترتبُ عن جمال الموهبة وباقي المَلـَكَاتِ التي استودَعَها المولى عز وجل تلك الكيْنونة...

كلها طاقاتٌ كامنة في الذاتِ،لا يَضيرُ المرءَ السويَّ أبداً أن يُجاهرَ بها في مواطن التفاعل الجمالي والإبداع الإنساني الخلاق..

وقد تبتَ سيْكولوجيًّا أنه كلما كانَ الإحساسُ بجمال الأشياءِ راقيًّا متألقاً في قرارةِ النفس وداخل أغوارها كلما انعكسَ ذلكَ إيجاباً على كل المحيط الذي يَرَاهُ من حوْلِهِ بمنْ فيه من أناسٍ وأفرادٍ...

والعكسُ بالعكس صحيحٌ..!!

كلما كانَ الإحساسُ بجمال الأشياءِ منطفِئًا أو بليداً أو مُشوَّهاً في مَرَايَا النفس الداخلية كلما انعكسَ ذلكَ سلباً على كل المحيطِ الذي يتواجدُ فيه ويرَاهُ...وبالتالي فبدَاهة ً-كما أشرتِ-(( فاقدُ الشيءِ لا يُعطيهِ أبداً ))..!!

ولعلَّ هذا بالضبط المعنى الذي ساقهُ شاعرُ المهجر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي،حينَ همَسَ لنا ذاتَ مرةٍ قائلاً :

أيُّها المشتكــــي،وما بـــكَ داءٌ ** كيف تغدُو اذا غدَوْت عليلاَ..؟؟!!
إنَّ شرَّ الجناة في الأرض نفسٌ ** تتوقّى-قبل الرّحيل-الرّحيلاَ..!!
وترى الشّوكََ في الورود وتعمَى ** أن ترى فوقها النّدَى إكليلاَ..!!
هو عِبْءٌ على الحياة ثقــــــيلٌ ** من يظــــنّ الحياة عِبئًا ثقيلاَ..!!
والذي نفسه بغير جَــــــــــمال ** لا يرَى في الوجود شيئًا جميلاَ..!!!

بَيْدَ أن المغالاة المجنونة في حُبِّ الذاتِ وتقديسها-كما هو الحالُ عند بعض المهلوسين-قدْ يُحيلُ حياة المَرءِ إلى قطعةٍ من المِثاليةِ التي يستحيلُ أن ينسجمَ معها واقِعٌ أرضيٌّ أبداً..!!

وهلْ أركسَ شيءٌ فرعوْنَ ومِنْ قبلِهِ النمرودُ بنُ كنعانَ ونيرونُ و إلكسندر المقدوني وهولاكو و..و..وكل مَنْ على شاكلتهمْ إلا المغالاة في عِشق الذاتِ لدرجةِ أنَّ ( الأنا ) راحَ يتضخمُ ويتضخم شيئًا فشيئًا كالوَرَمِ داخلَ الكِيَانِ الصغير حتى صارَ عِشقُ الذاتِ ضرْبًا من ضروب الخروج عن النسَقِ البشري الطبيعي إلى الإحساس بنشوةِ التألهِ والترَبُّبِ والاستعلاءِ اللامتناهي..!!

إن الإحساسَ بجمال الذاتِ داخل قرارة النفسِ أشبَهُ ما يكونُ بذبَالةِ الشعلةِ الوضيئةِ التي تصدُرُ عن سِرَاجٍ منيرٍ في جوْفِ مِشكاةٍ...

إنْ نحنُ سعيْنا إلى تضعيفِ تلك الذبالةِ انطفأتْ واستحالَ المكانُ موحِشاً مُظلِماً..وإن نحنُ بالغنا في رفعِها-فوقَ نِصابِها-استحالتْ إلى لسانٍ من لهَبٍ حارقٍ قد يَحرقُ الغرفة ومَنْ فيها ويأتي على الأخضر واليابس...!!

إن الوضعَ الطبيعي المتوازن يقتضي أن نـُحْسِنَ إضاءة الذبالةِ في زجاجةِ المصباح،وأنْ نبقى على رقابةٍ هادئةٍ لمَجْرَى إضاءته،وبهذا نراهُ مُشِعًّا في ذاتِهِ،مضيئًا لمنْ حوْلـَهُ..يبعثُ على الإحساس بالجمال والأمان في آنٍ مَعاً...

بوركتِ-أختي البديعةِ-على جمال الطرح وألـَقِ الفكرة...
سيدي القدير يزيد فاضلي
لا أخفي عليك أصبحت أترقب حضورك لمتصفحي لأني متيقنة
برقي حضورك لما فيه إثراء للفكر وتوسعة للمدارك

نعم سيدي خير الأمور أوسطها................

فحب الذات أمر مطلوب ....وهو يحركنا في كثير من الأمور
ولكن بغض النظر عن قصة نركسوس .......ألا تتفق معي سيدي
أن النرجس يبقى جميل جداً وأن بياضه ينعكس نقاء وصفاء في النفوس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كل التقدير لجمال حضورك ورقي فكرك وبذاخة قلمك

لروحك باقات النرجس
دام نبضك ودمت بخير

__________________
سنرحل.....ويبقى الأثر

التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى ; 01-10-2013 الساعة 02:35 PM
رد مع اقتباس