عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 19-09-2014, 09:03 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...نسيجُ اللغة العربية الفصحى في مبناها ومعناها-أخي الكريم الأستاذ عامر الناعبي-مُحْكَمٌ،وهو في بنيةِ حرفهِ الفصيح مظهرٌ من النطق والرسم-قياساً وسَمَاعاً-لا يشبهه حرفٌ آخرُ من حروف اللغاتِ الأخرى السامية التي تميزتْ بالاستقلال ومجانبة التهجين اللغوي...

...وصحيحٌ أن ( العامية العربية )-وهي في عمومها لهجة لا لغة-لها من خصائصها المنفلتة من قياساتِ القواعد ما يجعلها واقعاً لسانيا ؛ له حضورُه الغائر من خلال لغة التخاطب اليومي في مجتمعاتنا العربية المتباينة في أعرافها وتقاليدها وموروثاتها الشعبية إلا أن ذلكَ الحضورَ الغائر والقوي لا ينبغي أن يتحولَ إلى ذريعةٍ ممجوجةٍ،نعبث من خلالها بمسلماتِ القواعد القياسية للحرف العربي الفصيح ومباني الكلمات ومعرباتها التي تُنسَجُ منه في الاسم والفعل حيثُ تتكونُ الجملة البسيطة والجملة المركبة...

...أذكرُ ونحن ندرس في لسانياتِ اللغةِ حول ( آلياتِ أثر التوليدية في انبثاق مفهوم التواصل اللغوي ) أن موضوعَ اللحن والخطأ والعُجمة والرطانة في النطق اللغوي إنما يتصلُ بأمرين أساسين :

أحدهما يتعلق بتمرحل التطور اللغوي ذاتِه...

والآخر يتعلق بآثار الاختلاط اللغوي والتلاقح-المتوازن أو المُختل-الذي حدث بين اللسان العربي المبين وغيره من الألسن الأخرى...

..فالخطأ قد يقع في تركيب الكلام من جهة عدم الانسجام بين كلمات التعبير،أو من جهةِ الخطأ في الإعراب والبناء..

ولا يَخفى على المشتغِلين بالدراساتِ اللغوية أن اللحنَ قد ظهرَ في عصر مبكِّرٍ بعد الفتوحات الإسلامية الأولى نتيجة اختلاط اللسان العربي بغيره من ألسن مَوالي أبناءِ الأمم الأخرى التي اعتنقتِ الإسلامَ-من رومٍ وفرسٍ وديْلمٍ وتركٍ-فوقعَ ما يُشبهُ التمييعَ في منطق الكلام العربي الفصيح،وشاعَ اللحنُ المسكوتُ عنه في ألسنةِ العَوَامِّ أولاً،ثم راحَ يستشري ويتسِعُ على نطُقٍ واسعة...

وكان من أثر ذلك الختلاط والخطأ في لغة اللسان أنْ نشأ التخاطبُ بلغةٍ هجينةٍ لا تتقيدُ بالفصحى كما كانت في عصورها الزهرية الأولى حتى شاعت هذه ( البدعة اللغوية ) وأسهمَتْ في تأصيلها مقوماتٌ وعناصرُ وبواعثُ عدة ذكرَها اللغويون والنقَدَةُ الأسلافُ والأخلافُ في مخطوطاتهم ومصنفاتهم ومؤلفاتهم الكثيرة..وعلى إثر ذلكَ غدَا ذلك التهجينُ – في أوساط الرأي العام - لوناً من الاستمراء اللغوي العادي الذي يَلغي حواجز القواعد والقياس بين العامية والفصحى..

..ومن المؤلفات القيمة التي نبهتْ إلى هذه المعضِلة اللغوية الشائكة نذكر :

كتاب ( لحن العامة ) للإمام الكِسائي رحمه الله..وكتاب ( إصلاح المنطق ) و كذا كتاب ( كتاب الحروف التي يُتكلمُ بها في غير موضعِها ) للعلاَّمة ابن السِّكِّيت رحمه الله.. وكتاب ( أدب الكاتب ) للعلامة ابن قتيبة رحمه الله،وهو أشهرُ عند اللغويين والنحاة من نار على عَلم..وكتاب ( درة الغوَّاص في أوهام الخوَاصّ ) للعلاَّمة الحريري رحمه الله..وكتاب ( الفصيح ) للعلاَّمة أبي العباس ثعلب النحوي رحمه الله..ومن كتب المعاصرين القيمة الكثيرة نذكر للتمثيل لا الحصر :

موسوعة ( معجم الخطأ والصواب ) للأستاذ الدكتور إميل بديع يعقوب..وكتاب ( معجم الأخطاء الشائعة ) للأستاذ اللغوي الراسخ محمد العدناني..وكتاب ( قلْ ولا تقلْ ) للأستاذ محمد إبراهيم سليم...وغيرها كثير...

...ولنأخذ مثلاً الخطأ اللغويَّ النموذجيَّ الذي تفضلتَ بعرضه أخي الكريم عامر ؛ وهو وصْلُ حرف الجر ( في ) بمجروره وصلاً مُزريًّا،يَخِلُّ بأدنى بَدَهياتِ القواعدِ النحويةِ- الإعرابية والإملائية – المعروفة في كتابة رسم هذا الحرف مع اسمِه المجرور...( أنا لازلت فالبيتْ )...

ربما كان المبرر اللغوي الوحيد هو أن سياق الجملة جاءَ عاميَّا،خاضعاً لاعتباراتٍ وقواعدَ أخرى يعرفها الراسخون في ( الشعر الشعبي ) وهي القواعد التي أعترفُ أني أجهلها ولا أملكُ أسرارَها،إلا أنني – بحكم تخصصي اللغوي والأدبي – لا أجدُ أبداً أية ذريعةٍ لغويةٍ في فصحَانَا تجيز لناطقي لغة الضادِ أن يَلووا عُنقَ القاعدة بهذا التشويه الفظيع...

...ولعلَّنا جميعاً- وقد درسنا في مراحل دراساتنا النحوَ والصرفَ – أن كل أنواع قواعد ( الإعلال بالقلب والحذف والتسكين والهمزة وكذا الإبدال والوصل والفصل ) لا علاقة لها البتة بهذا التصرف المشين في شبه الجملة إن كنا قصدنا بها العربي الفصيح...

...وفي الأخير- أخي عامر – أعتذر عن الإبطاء في الرد على طرح انشغالك اللغوي،وإنما فقط أردتُ أن أجدَ وقتاً للإسهاب والإفاضة..فأرجو قبول اعتذاري،وقد تأوَّلتُ وعذريَ التأوُّلُ...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!

رد مع اقتباس