عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-02-2014, 10:25 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...( الإحباط )-أخي الحبيب إدريس-هو إفرازٌ طبيعيٌّ لعدةِ عواملَ ذاتيةٍ-في كينونةِ الإنسان-أو عوامل مؤثرةٍ في المحيط الذي يتواجد فيه ويتعامل مع أفراده...

طبعاً..لا يختلف اثنان أن ضعفَ الإيمان وخواء النفس من رقابة الله عز وجل مدخلٌ رئيسٌ لكل هَبَوَاتِ اليأس والقنوط والاكتئاب والإحباط..ولا يختلف اثنان أبداً أن رصيدَ الإنسان من إيمانه بربه يُلقي في روعِه جرْعاتٍ من إكسير الأمل والتفاؤل والإقبال على ( صناعةِ الحياة ) ولو كان المغرَمُ أشدَّ وطأة ًوأحدَّ قسوة ً..!!

...ثم هناكَ عواملُ موْضوعية أخرى...

لعلَّ ( عقدة النقص ) في مجالٍ من المجالاتِ الحيويةِ ترمي بصاحبها-آجلاً أم عاجلاً-إلى براثن اليأس وفقدان الأمل والثقة في كل ما هو جميل ومبدِع...

إنه المعنى الذي رددناهُ ونحن تلامذة صغار مع شاعر المهجر الأكبر إيليا أبو ماضي :

والذي نفسه بغير جمالٍ ** لا يَرى في الوجود شيئًا جميلاَ..!!

عقدة النقص تجعلُ من الإنسان طعماً لرداتِ الفعل تجاه مَنْ حوْلَهُ..لأن الدميمَ يرى في وجود الجميل عدوانا عليه..والضعيفُ يرى في وجود القوي تجنٍّ على حِمَاه..والناجحُ يَرى الفاشلَ مُغِيراً على واقعِه..وهكذا باقي النظائر...

فشيءٌ طبيعيٌّ أن يتولدَ اليأسُ والإحباط في نفسِ صاحبنا مادامتْ عقدة النقص لعنة ًتجاورُ وجودَه حيثما حل وارتحل...

ثم هناك عاملٌ آخر...

إنه ( المحيط والبئية ) بما فيها من أشخاصٍ ومجتمع...

أكثر النفوس إحباطاً وانكساراً في مجتمعاتنا هي تلكَ التي جرَفَ المجتمع الظالمُ آمالها وأحلاَمَها ورمى بها في ردهاتِ الضياع...

وانظر معي-أخي إدريس-إلى هذه الكلمة العميقة للإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله في أثر البيئة على الإنسان :

(( الليثٌ بن سعدٍ-فقيه أهل مصرَ-أفقهُ من مالكٍ..ولكنَّ أهلَ المدينةِ أوفى لمالكٍ من أهل مصرَ.. ))...

إن أهلَ المدينة احتضنوا مالكاً ودفعوه للصدارةِ فانتشر مذهبُه،بينما أهلُ مصرَ أهالوا الترابَ على فقه الليث فلم يتجاوز الفسطاط..!!

إن البيئة والمجتمعَ والمحيط له دخلٌ قويٌّ في إيجادِ صورةٍ نمطيةٍ معينة للإحباط والاكتئاب في نفوس أفراد تلك البيئة..وكذلك في إزاحتها بالتفاؤل والاستبشار والطموح...

ولما كان الإحباط كالعدوى..فما من ريبٍ أن الإحباطَ سيجدُ ترويجاً من نفوسهم إلى غيرهم...

في تقدير أن الإنسانَ المحبِط ( اسم الفاعل بكسر الباء ) هو أيضاً ضحية ما استقر في كيانه من إحباطٍ وانكسار،وهو مع إمكانيةِ التقرب منه ومحاولة وعظه بالحسنى وإرشاده بطرق نفسيةٍ معينة،وربما زجرهِ إن اقتضى الأمر في لحظةٍ ما تستدعي الزجرَ،إلا أنه يبقى مثيراً للعطف والإشفاق اعتذاراً لظروفه وانصافاً لحاله...

المحبط والمُحبَط-في تقديري-يكونان في كثير من الأحيان وجهيْن لعملةٍ واحدةٍ..كأنهما الفعل وردة الفعل...

مع هذا يبقى الإسناد من المجتمع-أفراداً وجماعاتٍ-هو الوقاية المثلى من شيوع ( ثقافة الإحباط )..

وإن أولى معالم التعامل مع المحبطين والمحبَطين تأتي أساساً من شيوع ( روح التفاؤل ) في أوصال المجتمع في عقد الشراكة الاجتماعي بين الراعي والرعية..بين الكبير والصغير..بين الأستاذ والتلميذ...بين المخطئ والمُصيب..بين المتعثر والناجح...

إن إيجادَ طرفِ الخيط بين أطراف تلك المعالم،هو في تقديري طلائع البشائر في مكافحة اليأس والآيسين...

شكراً-أخي إدريس-على جمال الطرح...وشكراً لمن أدلى بدلوه...ودمتَ دائماً إدريسَ الجميلَ الوضيء الذي لا تندرسُ آثارُه بيننا أبداً...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!