عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-05-2011, 12:02 AM
الصورة الرمزية فهد مبارك
فهد مبارك فهد مبارك غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,479

اوسمتي

افتراضي أهمية المناهج النقدية الحديثة في دراسة الشعر الشعبي



من الصعوبة الاتكاء على الدراسات النقدية التقليدية بشكل كليّ في دراسة النصوص الشعرية حاليا ، لذلك لا بد من الاستفادة من كل ما أنتجته البشرية إذا كانت هنالك رؤية تمنح الشعر كل ما هو جديد وتسبر أغوار هذه النصوص وتحاول أن تكتشف أسرار الحياة من خلال إعطاء القيمة الحقيقية للشعر ( وهنا حديثنا عن الشعر الشعبي ) ، ولا يمكن أن ننظر في خضم هذه الدراسة إلى صغر سن الشاعر أو كبره ، بل إلى نضج التجربة الشعرية ، وكذلك ننظر للشاعر ككيان إنسان له مشاعره وأحاسيسه وشاعريته يحاول التعبير عن صورة الإنسان الموجودة فيه ، في ذاته ، إنه يعكس القيمة الحقيقية لهذه الروح التي نحاول أن نفهمها من خلال الإنتاج البشري الكلي ، فكيف لنا ونحن نحلل وندرس إنتاج شعري يرتبط كل الارتباط بذلك الحوار الداخلي بين الإنسان وذاته ، بين الإنسان وروحه ، ليفهم هو بحد ذاته ما الذي يريده من هذا الكون ، يحاول أن يبحث عن نفسه من خلال الآخرين وتجاربهم ، فكيف لنا أن نسفه هذه التجارب ، نسفه كل هذه الجوّانية التي تحاول فهم الكون من خلال فهمها هي ومحاولة إدراك ماهيّة الأشياء ..
بالتالي إذا استطاعت دراسة ما في المستقبل أن تسبر أغوار الانسان من خلال إنتاجه فهل نحكم عليها بالطرد بحكم أنها غريبة عن منظومتنا الثقافية ، وهنا يخصّنا الإنتاج الأدبي ( الشعر الشعبي ) وبناء على تطبيق صارم وعميق لنصوص الشعر الشعبي من خلال تطبيقها أحد العلوم المهمة وهو علم العلامات فإن الفائدة المرجوة كبيرة ومثيرة جدا لساحتنا الشعرية الشعبية .
توصلت إلى نوع من التحليل يكشف ماهيّة الشاعر وذلك من خلال تطبيق علم العلامات ولكن هل يمكن أن نعممها على كل الانتاج الشعري ..؟ إن هذا يحتاج إلى دراسات مستفيضة ونصوص كثيرة تشمل كل المستويات من التجارب الشعرية : عندما اتعرف على كيفية وظروف إنتاج النص وتكوينه سوف أدرك فهمي للهدف النهائي من النصّ بصفة عامة .. وهذا سوف يقودني إلى فهم مسيرة الصورة الذهنية المستقبلية للشاعر بعدها سوف أجد أمامي طرق عدة تمكنني من تحليل شخصية هذا النصّ ، بمعنى أن الشاعر عند قيامه بإنتاج نصّ جديد ، فإنه ومن خلال تحليلنا للصورة الذهنية المستقبلية التي انطلق منها في نصّ سابق له فسوف يتبيّن لنا تعاطيه مع الحياة (توجهاته ) بمعنى أننا سوف نكتشف ربما سرّ من أسرار حياته يعطينا مؤشرات مهمة تحدد رؤية الشاعر بوضوح وجلاء ، وهذا يحدث من خلال فهم وكشف العلاقات الموجودة في النصوص ، وهنا سوف نحتاج إلى دراسة العلامة ( علم العلامات ) ، من خلال فهم الكيفية التي نتجت عنها العلامة ( هيئتها علاقتها مع غيرها من العلامات داخل النصّ ) ثم تتبع العلامات وكيف تتولد وتنتج ثم لماذا ، مثلا ، علامة ما سبقتها علامة معينة ولحقتها علامة معينة أخرى ، هنا سوف نضطر لدراسة تتابع الصور الذهنية كفيلم سينمائي من خلال ربط العلامة بالأخرى وكيف تعمل العلامات مع بعضها حتى تنتج لنا صورا ذهنية مصغرة والتي بدورها عبارة عن تسلسل منطقي ليس للغة بل للصورة الذهنية الكبرى التي تشكل الهرم الرئيسي لوجود هذا الإنسان ..
هل يكون المدلول ( المفهوم الذهني للدال في العلامة ) دائما عندما نكتشفه ذهنيا في تعاملنا اليومي أو حتى في قراءتنا للنصوص يكون هو الهدف من الدال ، أم أن هناك مدلولين للدال الواحد يفسران وجوده ، بمعنى المدلول المقصود ، وكذلك مدلول خفي حتى صاحب الدال ربما أحيانا لا يصل إليه وهذا متمكن منذ النشأة الأولى ، بمعنى أنه يفسر سرّ حياته أو يمكن أن نكتشف أيضا سرّ الحياة متجسدا فيه ، ويمكن أن نطلق على هذا المدلول الكلي أو النهائي أو العميق .
الشعر الشعبي يحتاج إلى دراسات عميقة ، مهمتها البحث عن الإنسان كجزء من منظومة كونيّة ، لذلك كيف يمكن فهم الإنسان من خلال الشعر الشعبي .. الحاجة ملحّة لتطبيقات متعددة ومدارس نقدية مختلفة تفتح لنا المجال في نبش هذا التراكم من الشعر الشعبي الذي لا يمكن أن نغفله بسبب تعاطيه بلهجة شعبية ، لأن هنالك علم مستقل يدرس هذه اللهجات دراسة تاريخية ولغوية ، وبالتالي من المهم أن نسلط الضوء على الشعر الشعبي وسبر أغواره ودراسته باستفاضة تمنحه كينونته ، وهنا لا يمكن ان نحقق كل هذا إلا بتوظيف علوم متعددة ومحاولة الوصول إلى مناهج نقدية تستطيع أن تخدم هذا الشعر .. ويجب عدم الالتفات إلى الأصوات التي تتخوف على اللغة العربية من اللهجات وبخاصة من الشعر الشعبي ، لأن اللغة الفصحى لها كينونتها واعتبارها الذي لا يمكن أن يبعدها ، وهذا من الأسباب التي أدت إلى تهميش دور الدراسات النقدية في الشعر الشعبي .
نتمنى أن نجد تلك الدراسات المستفيضة التي تتكئ على مناهج نقدية وعلوم حديثة تعطي الشعر الشعبي حقّه وتمنحه الثقة ، وأملنا في الجيل الجديد الذي يمكنه أن يحقق ذلك . وهنا أركز على أهمية الدراسات السيميائية في الوصول إلى نتائج نتمنى أن تكون عند المستوى المطلوب .
رد مع اقتباس