الموضوع: بائعة الأمل
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-12-2012, 01:52 PM
الصورة الرمزية جاسم القرطوبي
جاسم القرطوبي جاسم القرطوبي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
الدولة: صحم-مقاعسة
المشاركات: 830

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى جاسم القرطوبي إرسال رسالة عبر Skype إلى جاسم القرطوبي
افتراضي بائعة الأمل



إيه آه
و
واشوقاه وأوّاهُ

لواحات قاحلة بلَّلها الأملُ بعد أن أعطشها ، وأخرج بهجتها بعد أن أغطشها ؛ فأينعت كلَّ ابتسامةٍ خضراء وسقطت من سيقان همومها كل ذابلةٍ صفراء .أمّا هو فلم يكُ يرَ نصيبه من اسمه – سعيد - إلا رسمه رغم إيقانه بأنَّ لو سبق الصبحَ وجهٌ أبيض فحتما ستكون إشراقه ذلك الصباح سوداء .
وعلى قارعة ذلك الطريق وقف ، ولاكفهرارِ وجهِهِ على جبين نهاره - الصيفية شمسه - سمة ٌواضحة بما يحمله قلبه من ليال حزن ٍ تمخر فيها السفنُ العابرة من دموعه ذات اليمين وذات الشمال . لوّحَ بعصاه التي أودعها إنسان عينيه الذي قُبِرَ قبلُ من مقلتيه ، وما أنْ أتمَّتِ الحافلةُ وقوفها حتى دلف إليها شاقَّا طريقه في زحامها للجلوس على آخر كرسي لم يكن له أن يجده لولا صياح أحدهم بالركاب : أتيحوا لهذا الفتى الضرير الطريق لكي يجلس . رغم أن الكلمة قد نزلت صاعقة
على سمعه فهذه المرة اليتيمة التي يحصل فيها على كرسي ، كما أنه لم يحفل كثيرا بجلوسه بقدر ما أنعشته رائحةُ عطرٍ ضوعت الجو ، بدت له وكأنها فَراشات الربيع في معطفٍ حاكى كوخا أسقط الخريف أخشابه وغطى الشتاء بابه ، وتقارعت نبضات قلبه الذاوي كطبول قبائل الأغوري ؛ خال ازديادها فاضحه رغم ذلك الشخير الذي ساد المكان ، خطر له أن يغني أو يتظاهر بالكحة أو أن يقفز من الحافلة كي لا تفضحه تلك النبضات ، وفجأة رنَّ هاتفه ، يا إلهي من يتصل بي الآن ؟ قالها متمتما بها لنفسه ، ردَّ على الهاتـف :نعم ،نعم مَنْ ...آه أمي ، أهلا أمي ..... نعم في الحافلة كالعادة ،لا تقلقي سأعود سالما وإن لم أعد فلن تتوقف الدنيا يا أمي ؟،
ربما رقت بطارية هاتفة لأمه إذ احتضرت مختصرةً لها ديباجته اليومية ، وما لبث إلا قليلا حتى شعر بيدٍ كالعصفور حطت على كتفيه ربَّتت عليهما ، أسرَّ لنفسه قائلا: لا بد أنها صاحبة العطر الذي يعبق به المكان،آهٍ إذن أنها ليست بالقرب مني فحسب بل إنها تجلس جانبي . وقبل أن يهدأ روعه تابعت كلامها : لا تلقِ يا أخي بالا على أي شيءٍ ولا تحزن فإن الله لم يُذهب نور العين إلا لينير الدنيا والأخرى لصاحبهما .أدار وجهه إليها فرأى أنها تكبره قليلا ربما يوما أو يومين، ورأى أن عينيها جميلتان وواسعتان كغابتي نخيل وقت السحر ، نعم استطاع أن يرى كل ذلك ببصره.(( لا حول ولا قوة إلا بالله ، هل أنا أكلم غير الفتى أم أنه يعاني الصمم أيضا ؟)) استطردت كلامها ، عندها أجهش بالبكاء فكأن نحيبه لأذنيها أقرب لها من صوتها .وكالشظايا البلور همس : بلى، أنا ذلك الفتى الأعمى الذي عُطِفَ عليه بكلمة الفتى الضرير الذي قيمته من التعداد العام للسكان صفرا على اليسار. لاحظ صمتها المطبق بعد جوابه ،التفت إليها ثانيةً، وقال : اعتذر على فضاضة ألفاظي تجاهك فلم أعتد حنوا من أحد سوى أمي. فأجابته: كن متفائلا فإن في قلبِّ كل أنثى أمٌّ ، والتفاحة التي أخرجت آدم من الجنة نفسها التي رفعت نيوتن إلى السماء بقانون جاذبيته . السماء – مقاطعا لحديثها - وكيف لأعمى مثلي يطول السماء وهو لم يبصر حتى الأرض ؟! وبعد سكتةٍ لطيفة أجابته : يا عزيزي قالوا قديما : اغمض عينيك لتراني فكيف بمن أكرمه الله بفقد كريمتيه . فتنهد متأملا وصفا منها أسعده ، أطرق الرأس قليلا ثم سألها : وكيف أتأمل شيئا أحسه ولا أبصره .
هي : فلتحسه منك الأعماق وتبصره فيك الآفاق .
هو: إذن ، فما الزهر الذي أشمه هل هو جميل كملمسه ؟
هي : تماما كالقمر الذي في السماء رغم أنه شقوق وصخور إلا أن الكل يسعد به ويستمد من إضاءته..
هو : ما هي السعادة لعيون الأسير والمريض ؟
هي : إنها الأملُ نفسُهُ وأحاسيسٌ تذاق ،لا كلمات ذات أشكال وحروف .
هطلت كلماتها عليه وترجمتها مشاعره كإجراء عملية ناجحة لعينيه وكأوبة روح طفوليةٍ لرفاتها ، وقبل أن يُغرِقُها في عريضة اسئلته انبرئ الكمسريُّ قائلا : هيا يا ابنتي ايقضي أباك المرهق ، قد أوشكت الحافلة أن تصل ، هيااحملي عصاك وعصى أبيك ، وسأحمل لكما صندوق بضاعتكما من العطر لباب الحافلة ؛ وعين الله تحرسكما .

جاسم القرطوبي
20/12/2012
__________________
أَكَاد عَنِّي بِشِعْرِي أَخْتَفِي عَجَبا = وَكَانَ قَمَع ُشُعَوُري مِنْهُمُ الْطَّرَبَا
حَسْبِي إِلَهِي وَدِيْنِي وَالْنَّبِيُّ هُنَا = وَفِي غَد نَنْشِرُ الْمَحْفُوْظَ وَالْكُتُبَا
بقلمي


ضياء القوافي من كلماتي وأداء الإذاعي أ.هلال الهلالي وأ.الهشامية

https://www.youtube.com/watch?v=Xjq3TOS5O8g
رد مع اقتباس