عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 12-11-2012, 04:43 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...الأصلُ-أختي الكريمة المبدعة قوافي-في عِلاقاتِ ( الأبُوَّةِ ) بـ ( البُنُوَّةِ ) وبالعكس، أن تقومَ على وشائجَ راسخَةٍ من لطافةِ التعامل ومُرُونَةِ التواصلِ وَسَلاَسَةِ المودةِ القائمةِ على المحبةِ الدافئةِ والحنانِ الفيَّاضِ والبِرِّ والإحسان..

هذا هو الأصلُ الطبيعي الذي ينبغي أن تكونَ عليهِ أيَّةُ أبُوَّةٍ تسعَى إلى اختزال آمالِها وأحلامِها وإلى تجسيدِ طموحاتِها في بُنُوَّتِها..

لكنْ هل معنى ذلكَ أن الوالديْن-الأبَ خصوصاً-يترُكان حابِلَ أولادِهِما على غاربه بحيثُ تصنعُ عاطفة الأبُوَّةِ والأمومةِ الدافقةِ غِشاوَةً على بصيرَتِهِما،فيتغاضيان عن كل أخطاءِ أولادِهما-خصوصاً في مراحل الصِّبَا الباكر-بما في ذلك تلك الأخطاء ( التربوية ) التي لا مندوحة من التوقف عندها بشيءٍ من الحزم والصرامةِ بعد انتهاج وسيلةِ التنبيه والتوجيه والعِظةِ والنصح والإرشاد الشفوي..؟؟

بَدَاهَةً..ينبغي على الوالديْن أن يُدركَا-عن عِلمٍ ودرايةٍ-أن الأبناءَ-خصوصاً وهم أطفالٌ-ومهما كانَ مستوى الاستقامة التربوية الذي ينشؤون عليه لا تنجو سلوكاتُهُمْ وتصرفاتُهُم القولية والفعلية من وقع الأخطاءِ المختلفة بحُكْم البراءةِ الطفولية أولاً التي تتسمُ بالإيقاع السريع والإطـِّرَادِ والخِفَّةِ..فشيءٌ طبيعيٌّ أن يُخطئَ الابنُ الطفلُ..وشيءٌ طبيعيُّ أن ينظرَ الوالدان إلى أخطائهِ نظرةً طبيعيةً...

بَيْدَ أن الوالديْن لا ينبغي عليْهِما أن يَضربَا صَفْحاً باللامبالاةِ عن تلكَ الأخطاء...

وأولُ إجراءٍ سليمٍ هو أن تتصنفَ في تقديرهما تلكَ الأخطاء...

هناكَ أخطاءٌ خفيفةٌ-لا ترتبط بالتربية والأخلاق-تصدُرُ عن الأبناء،وهذهِ تُشبِهُ اللَّمَمَ،ومن الخطأ أن يجعلَ الوالدان من حَبَّتِها قُبَّةً،بل عليهما أن يتجاوزاها على عَجَل...

لكنَّ الأخطاءَ التي يجبُ على الوالدين التوقفُ عندها هي تلكَ التي ترتبط بالتربية والأخلاق-أيًّا كانَ مظهَرُها التربوي والأخلاقي-ومن الخطيئةِ،بل ومن الجريمة المقترَفَةِ في حَقِّ الأبناءِ أنْ يقترفوا مثالبَ تربويةً وهفواتٍ أخلاقيةً تحتَ سمْعِ وبَصَر الوالديْن من غيْرِ أنْ يقومَا بدورهما الرسالي-كوالديْن-في التوقفِ مع أبنائهما وقفةً معينةً،تتناسبُ وحجْمَ الخطأ المرتَكَب..وعليه فإن العِلاَجَ سيكونُ من جنس الداء..

إن أثمرتْ وسيلة الوعظ الحاني والتوجيه الرقيق الرفيق فبها ونعْمَتْ..وإلا فلا مندوحة أبداً عن رفْعِ جرعةَ العلاج إلى انتهاج وسيلة الحزم والصرامةٍ بالقدر الذي يُحسسُ الابنَ عظيمَ الجريرة التربوية والأخلاقية التي اقترَفَها..ولعل هذا هو المعنى الذي نبهنا إليه الشاعرُ الحكيمُ حين قال :

فقسَا ليزدَجِروا ومَنْ يَكُ راحماً ** فليَقسُ أحياناً على مَنْ يَرْحَمِ..!!


وهنا-مبدعتي الكريمة-لابد من التفريق بين أمريْن :

بين هذا ( الحزم والصرامة ) في تربية الأبناء بدوافعَ أبويةٍ حانيةٍ،تنطلقُ في العقوبةِ من أساسٍ رحيمٍ حانٍ،يَصْدِقُ فيه المبدأ التربوي المعروف : (( أيها الآباءُُ..أيها المُربُّونَ..كونوا في معاقبةِ ومحاسبةِ أبنائكم وتلامذتِكم أيادٍ من حريرٍ في قفازاتٍ من حديدٍ ))،وبين هذا ( الحزم والصرامة ) في تربيةِ الأبناء بدوافعَ مُريبةٍ،تنطلقُ في العقوبةِ من أساسٍ مريضٍ وعُقَدٍ نفسيةٍ وعقليةٍ غائرةٍ في شخصيةِ الوالديْن،بحيثُ لا تنفكُّ العقوبَةُ التربويةُ تكونُ مظهراً مُرعِباً مخيفاً للقسوةِ الطافحةِ والساديةِ الجامحة..

لعلَّ الطالبة المسكينة التي نقلتِ لنا طرَفاً من حالتها-مبدعتي الكريمة-نموذَجاً صارخاً لِمَا عليه واقِعُ كثيرٍ من الآباء-عَفا اللهُ عنهم-حينَ يتحولونَ في البيتِ إلى صورةٍ طبْقَ الأصل للجَلاَّدِ الذي يتلذذُ بتأليم ضحيتهِ..كل ذلكَ باسم التربية والإصلاح والقِوامة..!!!

إن الطفلَ الصغيرَ الذي يتحسسُ ببراءَته-التي عادةً لا تنسَى الوقائعَ والمواقفَ والصوَرَ والأحداثَ مهما تتالتْ عليها الأعوامُ والسنونُ-مَدَى ألَمِ العقوبةِ أنزلَها الوالدان عليه وعلى نفسيته،يستطيعُ ولا شك أن يُدركَ بعد ذلكَ هل كانتْ هذه العقوبة بدوافعَ رحيمةٍ أم كانتْ بدوافِعَ القسوةِ المشوبةِ بالغِلِّ والإذلال والإهانة..

ثم إن أخطرَ ما في المسألة برمتها أن تنكسرَ مرآة الأسوة والقدوة والمثل الأعلى في عيْن الأبناء عن الآباء..!!

فأيةُ جريمةٍ يقترفها الأبُ أو تقترفها الأمُّ حين ينهالاَ على أبنائهما بالضغط الشديد والقسوة العاتية في الوقتِ الذي يَرى الأبناءُ-في كل يوم وحينٍ-والديْهما يرتكبان ويقترفان من الأخطاء التي يُناضلان في مكافحتها ما يَندَى له الجبينُ...

فلنا أن نتصورَ كيفَ تسقطُ الأمُّ في عيْن ابنتها حينَ تنهاها بقسوةٍ وشِدةٍ عن الكذبِ واللغو الفارغ وهي تسمعها صباح مساءَ لا ترعوي عن الكذب واللغو لأتفه الأسباب..!!

ولنا أن نتصورَ كيفَ سيبدو الأبُ ( قرَقوزاً ) وهُزُءًا في عيْن ابنه حين يجلسُ معه جلسة محاسبةٍ وضرْبٍ وقسوةٍ وصراخ ودرسٍ لأن الابنَ تجاسَرَ وتجرأ على إشعال سيجارةٍ من علبةِ السجائر التي امتلأ بها جيبُ أبيه..!!!

إن بذرة الكراهية تنمو وتنمو وتكبُرُ في نفسيةِ الابن يوماً بعد يوم كلما تحسسَ من قسوةِ والديهِ-الخالية من أي أثرٍ للرحمة والأسوة والقدوة-أنها وسيلةُ إفراغ شحنةِ الساديةِ والعقدةِ النفسيةِ التي ركبتْهُما لسببٍ أو لآخر...

وكلما كانت الأسبابُ أوْغَرَ كلما كانت مساحة الفجوة تتسعُ بين الآباء والأبناء

وشيءٌ طبيعي-والحالُ هكذا-أن ترتدَّ هذه القسوة على الوالدين يوماً مَا عقوقاً وعصياناً ونكراناً..

صحيحٌ-أختي الكريمة-أن قسوةَ الوالديْن على الأبناء لا تبرر البتة عقوقَ أبنائهما لهما خصوصا عند كِبَرهما وضعفهِما..ونحن برأينا هذا لا نعطي الضوءَ الأخضرَ للأبناء أن يَرُدوا إساءة آبائهم بالإساءة..حاشا لله..ونستغفرُ اللهَ من العقوق والعصيان..

ولكننا مع أن عيننا دائماً في قوله تعالى : (( وقضى ربُّكَ ألا تعبدوا إلا إياهُ وبالوالدين إحسانا.. )) وفي قوله تعالى : (( وإن جاهداكَ على أن تشركَ بي ما ليس لكَ به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا )) فإنَّ عَيْنَنا الأخرى لا تغفل أبداً عن قوله تعالى (( وكان له ولدٌ صالحٌ يدعو له )) وقول الإثر الكريم عن عمر رضي الله عنه لما تبيَّنَ له مَدَى ظلم أحد الآباء لولدِه : (( جئت إلي تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقك ، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ))...

أرى-والله أعلمُ وعليَّ تقع مسؤولية هذه الرؤية-أن عقوقَ الوالديْن جُرْمٌ أعظمُ وهو كبيرة من كبائر الذنوب وموبقةٌ من الموبقاتِ السبعة كما بينها الصادق المعصوم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه،ولا اعتذارَ لأيِّ عاقِّ بعقوقه لوالديْه مهما كانتِ الدوافعُ والمبررات،ولكن إن كانتْ جريمة الإبن هنا شديدة وعظيمة فجريمة الأب أو الأم التي دفعته لذلكَ أشَدُّ وأعظمُ..لأنه-عقلاً ومنطقاً-بَدلَ إيقاع اللوْم على مَنْ قامَ بردةِ الفعل فاللومُ الأكبَرُ على مَنْ صنَعَ الفِعْلَ أصلاً..

هدانا اللهُ جميعاً إلى القيام بواجبنا الرسالي والمبدئي تجاه فلذاتِ أكبادنا،فنزرَعُ اليومَ ما سنجنيه غداً...وبوركتِ-أختي قوافي-على طرح الإشكالية التي تمسنا جميعاً...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!

رد مع اقتباس