عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-01-2013, 01:56 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...نًعمْ-أخي الأستاذ الدكتور فيصل-إن الجلالَ والكمالَ الإلهي من السنا والإطلاق بحيث تعجز اللغاتُ عن الإحاطة به أو احتوائه بالأخيلةِ الكليلة القاصرة...

إن الله تعالى واسعُ كلِّ شيءٍ علماً،وأحاط بكل شيءٍ خُبْرًا...

وكما يقول علماؤنا : الكُلُّ-أمام هيمنته-سَواءٌ ؛ سَواءٌ أكانَ دبيبَ النمل في جحُورها أو ثبات الأفلاك في مَداراتها...

وشمول علمه المطلق يستغرق الأمكنة على تعدادها والأزمنة على تطاولها،فما تغيبُ عنه بقعة في المشارق أو في المغارب،وما تغيبُ عنه لحظة-أو أقلُّ منها-في الأزل والأبد،لأنه الأول بلا ابتداء والآخرُ بلا انتهاء،سبحانه وتعالى تنزهَ عن الشريكِ والمثيل...

فقط-أستاذي-أحب هنا في حاشيتي القصيرة هذه أن أضيفَ شيئًا قليلاً،له علاقة جوهرية بما وردَ في متنِكَ الوافي...

فمن الغلط واللغط الذي أثارَهُ كثيرون ممن احترفوا ( عِلمَ الكلام ) ووُهِبوا الجدلَ العقيم السقيم بعد عصر الصحابة وتابعيهم قولَهم في عقيدة القضاء والقدر :

- هل يا تـُرَى سيعتذرُ الإنسانُ عن أخطائه الغائرة بالأقدار..؟؟

- وهل نحن مسيَّرُون-أمام أقدارنا-أم مُخيَّرُون..؟؟

فكثيراً ما يعتذرُ الإنسانُ عن أخطائه بتهوين أمرها أو تبرير تبعاتِها..

وقد يُعالجُ الخطأ التافهَ بخطيئةٍ جسيمةٍ،بأن يَجنحَ إلى الكذب مثلاً أو إلى الجدل الممجوج الذي لا ينطوي إلا على الدجَل..

وقد يُؤمَرُ الإنسانُ بشيءٍ مَّا،فيتثاقلُ عنه ويَخلد إلى الأرض ولا يُؤديه،وقد يُزجَرُ عن شيءٍ معين،فيُخدَعُ به وينزلقُ إليه..

فإذا ما حدثتـَهُ في صنيعه هذا،لم يذكرْ لكَ علتـَه الحقيقية من كسَلٍ عن الخيْر أو مَيْلٍ إلى الشر..بل قال لكَ-في جهلٍ وصفاقةٍ واضحةٍ- : وما حيلتي يا أخي..؟؟ إنه قضاءُ اللهِ وقدره..؟؟ إنني مجبورٌ ومقهورٌ...

وبذلك يُرددُ قولَ المشركين القدماء لما نفرَهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عبادة الأصنام والأوثان : (( وقالوا لو شاءَ الرحمانُ ما عبدناهم مالهم بذلكَ من عِلمٍ إنْ هم إلا يَخرصون * أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به متمسكون ))..

إن تجاهُلَ الإنسان لِما زوَّدَهُ الله تعالى به من قوةٍ وتفكير وإرادةٍ حُرَّةٍ وما ذرأ في طبيعته من استعدادٍ للرفعة والضعَة،وما وهبه من حريةٍ يتوجه بها إلى الخيْر أو الشر دون أي ضغطٍ أو ظلمٍ..إن ذلك التجاهل لا يُنقِصُ فتيلاً من مسؤوليته المُلقاة على عاتقه مهما اعتذرَ عن خطاياه هروباً وتنصلاً ومِراءً...

ولقد قرأنا في السنن كيفَ رفض النبي صلى الله عليه وسلم من كبار الصحابة الذين بَنوْا أنفسَهم على الجهاد والتبتل والتجرد أن يَستريحوا عن أداء الواجب لحظة باسم الاعتذار بالقدر..!!

فها هو الإمام علي بن أبي طالبٍ كرمَ الله وجهَه ورضيَ عنه يحكي لنا كيفَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طرقه-وفاطمة الزهراء رضي الله عنها-ليلاً،فقال : ألاَ تصليان..؟؟ قالَ : فقلتُ : يا رسولَ اللهِ،أنفسَنا بيدِ الله،فإذا شاءَ أن يَبعثنا بعَثَنا..فانصرفَ رسول الله حين قال عليٌّ ذلكَ،ولم يَرجعْ شيئًا-لشدة استغرابه-قال الإمامُ كرم الله وجهَه : (( ...ثم سمعته يقول وهو مُوَلٍّ،يضربُ فخذه بيده : (( وكان الإنسانُ أكثرَ شيءٍ جَدَلاً ))-الآية-.. ))..

إن هذه الكلمة من أبي الحسَن كرم الله وجهَه رَدَّتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يَعجبُ كيفَ قيلتْ..

ومع علمنا ويَقيننا أن هذه الكلمة تمشي مع طبيعة الإنسان في جدله ومرائه،فإنها ليستْ أكيداً من طبيعةِ رجل ضخم في مكانةِ الإمام عليٍّ وصِدقهِ وورعه وتقواه وقربه من الله ورسوله..ولعلها-كما يقولُ شُرَّاحُ الحديث-أثرُ الجهاد والكَلاَل الذي يُصيبُ المرءَ عادة بعْدَما يأوي إلى فراشه،فتأتي أحكامُه دون ما انتظار منه...

مع ذلك لم يفوِّتها رسولُ الله دون تنبيه...

فكيفَ الحالُ بأولئكَ الملتاثين الذي يستهلكون تسعة أعشار أعمارهم في بطالةٍ مقنعةٍ أو اقتراف خطايا وأخطاءٍ جسيمةٍ،فإذا ما انتفضتَ وقلتَ : يا قوم،ماهذا الهراء..؟؟ قيل لكَ : إنها الأقدار،اللهم لا اعتراض..!!

إن العقلَ الجمعي للأمة،يحتاج في ما يحتاج إلى إعادةِ الصياغة وإلى ضبط المعارف وتنقية المفاهيم مما شابَها ورابَها...

وجوزيتَ ألفَ خير-سيدي الكريم-على هذه الإطلالة التأصيلية العَقدية المباركة..ولا حُرمنا من فيوضاتكَ...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 09-01-2013 الساعة 04:03 PM
رد مع اقتباس