عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-01-2013, 08:28 PM
فيصل مفتاح الحداد فيصل مفتاح الحداد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 206

اوسمتي

افتراضي علم الله الأزلي وحتمية وقوعه

بقلمي : فيصل مفتاح الحداد :
بسم الله وبحمده والصلاة والسلام على أنبيائه وبعد :
فقد قال قائل لبعض المنجبين من الناس : كم لديك من الولد ؟ فقال : عشرة . فقال له : لماذا أنجبت كل هذا العدد ! ولو أنك اكتفيت باثنين لكان خيراً لك .
فالرد على هذا القائل : أولاً : بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف : ( لا تقل لو أنني فعلت كذا لكان كذا و كذا ولكن قل : قدَّر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) .
وثانياً : فإن ظهور الأولاد العشرة للعيان بعد أن كانوا كامنين في ظهور أسلافهم بالتسلسل الذي يعلمه الله دل بما لا يدع مجالاً للشك أن وجودهم مقدَّر فيما كتب ، كما قدِّرت لهم أزواجهم وذرياتهم وأرزاقهم وأعمالهم وآجالهم ، وأقول لهذا القائل : إنك إذا وافقت القدر على وجود اثنين منهم ، فإنك خالفته في أنك نفيت وجود ثمانية آخرين ، رميتهم ـ بافتراضك ـ وكل ما يتعلق بهم من دائرة الوجود ، مع أنهم موجودون بالفعل ، كأنك قد قدرت قضاء وقدراً من عندك غير القضاء الإلهي الذي جسَّد وجودهم الفعلي ، بحيث ظهر كل منهم في وقته الذي قدره الله له منذ الأزل ، ومن أنت حتى تفترض في تفكيرك أن هذا الكائن ـ إذا أردت ـ ليس له أن يكون ؟ إضافة إلى أن هذا الافتراض يرد المشيئة إلى الإنسان ، ويغفل المشيئة الإلهية التي أثبتت أسماء هؤلاء وسلاسل ذرياتهم
وأرزاقهم .. ، كما أن افتراض انعدام وجود الشيء مستحيل مادام الشيء ماثلاً للعيان موجوداً أمامنا ووجوده هذا يؤكد سبق كتابته في عالم الغيب ، حتى يتسنى لصورته ـ بعد أن يحين وقت خروجه ـ أن تنعكس أمامنا حسية واقعية .
وزيادة في الإيضاح نقول : إن الله تعالى قد أمر القلم أن يكتب كل ما هو كائن ، فكتب كما أُمر ، ولما كان الله تعالى نفسه هو المصوِّر فقد أمر المكتوب أن يتصور صوراً فكان كما أراد ، وأخذ المكتوب في التحول والانعكاس من صورته المكتوبة إلى صور كونية محسوسة بأمر الله ، وأخذت المخلوقات تظهر في الوجود ، بحسب مرور الزمان أولاً بأول ، فكان الشيء في عالم الغيب مضغوطاً بالقوة ، فإذا جاء وقت ظهوره خرج بالفعل ، وأخذ يخرج في كل زمان ومكان كل ما هو مقدر لخروجه وظهوره ، ويراه الناس حال خروجه جديداً ، وهو في حقيقة الأمر جديد في الظهور ولكنه قديم في التقدير الأزلي الذي لا يخطئ .
وعلى هذا يمكنك أن تحمل نخلة عظيمة في جيبك الصغير ، ولكن في صورتها المضغوطة بالقوة ، أي وهي لا تزال نواة لم تنفلق بعد ، فإذا غرست في الأرض ومر عليها الزمان نمت بالفعل ، وخرجت عن صورتها ، وازدادت نمواً وطولاً ووزناً ، وأخذت وضعها الذي قدره الله لها ، فاكتملت صورتها ، وظهرت ثمارها ، وأدت وظيفتها المنوطة بها .
وقد ترى طفلاً صغيراً في مهده ، فتنظر إلى صورته وهو لا يزال مولوداً ، فلا تعلم من أمره شيئاً ، فإذا مر عليه الزمان خرج منه ما كان مطوياً غير معروف ، وتبين الناس اسمه وأقواله وأفعاله ، فإذا حدث منه أي أمر كان فلا تقل لو أنه فعل كذا أو كذا ؛ لأن هذا الفعل الذي فعله أو القول الذي قاله لم يكن باستطاعته أن يتجنبه ، ما دام قد حدث للعيان ، وظهر منه فعلاً ، ودل هذا على أن المكتوب بحسب علم الله تعالى قد ظهر ، ولا يمكن إطلاقاً أن يتغير ، لأن الموجود أمامنا في صورة حسية ظاهرة ما هو إلا مطابق للمكتوب كتابة حرفية ، ثم أخذ هذا المكتوب في الانعكاس على هيأة صور حسية ، بأمر الله المصوِّر ، ليتحول المكتوب إلى أشياء حقيقية مصورة ، تقوم بوظائفها المنوطة بها في عالم الحس ، فيتحرك هذا العالم الحسي ، ويشرع في حياته الواقعية ، ويؤدي وظائفه الحيوية وإذا لم يكن بالإمكان أن تتغير صورة المرء أمام المرآة إلى صورة أخرى غير صورته فكذلك لا يمكن أن يتغير المكتوب إلى صورة غير صورته التي صوَّره الله تعالى عليها .
وقد يقول قائل : ثمة من يدعو فيستجاب له ، فهل يمكن القول أن هذا الدعاء قد غيَّر المكتوب؟ الإجابة : إن الله تعالى قد علم في علمه الأزلي أنك ستدعوه فاستجاب لك منذ الأزل أي قبل صدور هذا الدعاء ، وكتب كل شيء كما سيحدث في مستقبل الزمان جملة وتفصيلاً ، فأنت تجد استجابته لك فتظنها قد وقعت تواً رداً على الدعاء ، وهي في الحقيقة قد وقعت منذ الأزل في علم الله الذي لا نهاية لعلمه .
وقد يقول قائل : مادام الله تعالى قد علم كل شيء صدر عنا من صغير وكبير علماً مسبقاً فلماذا يعطينا فرصة للعيش في الدنيا ، أليس من الممكن أن يحاسبنا بناء على علمه الأزلي ؟
الجواب : إن علم الله النظري هو علم حق وصدق ، ولا يمكن أن يخطئ أبداً ، ولهذا فهو حتمي الحدوث ، وهو إذا حاسبك على عمل السوء قبل أن تعمله بناء على علمه المسبق العظيم فربما تحتج بأنك لم تعمله ، ولا تظن أن هذا العمل المشين سوف يكون من فعلك ، ولهذا تركك تعيش حتى تعمل هذا السوء فلا تقل بعد ذلك أنك لم تعمله ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن انتهاء أجل الإنسان قبل أن يستوفي كل عمله المكتوب شيء مستحيل ، فيكون كمن يقف أمام المرآة فيرى رأسه ولا يرى باقي بدنه !
وقد يقول قائل : وماذا عن قصة الغلام الذي كان أبواه مؤمنين فأمر الله الخضر عليه السلام بقتله خشية أن يرهق والديه طغياناً وكفراً ؟ هل مات قبل أن يتم ما كتب له ؟ هل علم الله أنه سيضل والديه الطيبين الصالحين فأماته قبل أن يضلهما ؟
الجواب : إن الغلام قد مات بعد أن تم عمره في الكتاب ، وبالتالي فليس له أية أقوال أو أفعال أخرى مكتوب أنه سيفعلها ثم قتل قبل أن تقع ، وإلا لكان حياً حتى استكمل وقوعها ؛ لأن علم الله المكتوب لا يناقض علمَه المشاهَد حساً ، الواقع وقوعاً فعلياً . أما جواب السؤال الآخر : فهو أن الله تعالى يعلم أن نفس هذا الغلام شريرة ، وربما كان والداه قد نسيا أن يسميا عليه حين الجماع فسبقت نطفة الشيطان نطفة أبيه ، فكانت جبلَّته أقرب إلى ذرية الشيطان منه إلى ذرية أبيه الآدمي ، فقدر الله له أن يموت عند هذا الحد من الطفولة ، وبهذا كتب القلم ما كان سيقع ، وهو ما يوافق المشيئة الإلهية .
وكان الفلاسفة والمتكلمون قد ذهبوا مذاهب شتى في فكرة القضاء والقدر ، وقد طالعت آراء الفرق الإسلامية واخترت منها مذهب الأشاعرة الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى قد علم كل ما سوف تفعله فكتبه عليك ، فمهما تعمل فلن تخطئ على الله تعالى علمه المسبق فيك .
فالله تعالى لم يظلم أحداً ، وإن القلم جرى بكل ما هو واقع فعلاً ، فلما وقع هذا المكتوب ظن بعض الجهلاء أن الله أجبرهم على فعل أمور قبيحة ثم حاسبهم على فعلها ، وحاشا لله العادل أن يفعل هذا ، والذي أدى إلى هذا الخلط هو عدم معرفتهم بعلم الله الذي لا حدود له ، مستغرقاً الماضي والحاضر والمستقبل .
__________________
فيصل الحداد
رد مع اقتباس