[يزيد فاضلي]

...أقولُ دائماً-أختي الكريمة صدى النسيان-أن ( الغيْرَة الحقيقية ) لا يُمكنُ أن تترتبَ إلا عن زواج قامَ أصلاً على الرغبة العميقة بين الزوجين ؛ كُلاًّ منهما اندفعَ إلى صاحبه عن حُبٍّ وثيقٍ وقناعةٍ راسخةٍ...

فإنَّ الزوجَ الذي يَغارُ على زوجتهِ لأنه اختارَها عن حُبٍّ ومَيْلٍ ورغبةٍ غيرَ الزوج الآخر الذي وجدَ نفسَه-بسائق من ظروفٍ قاهرةٍ أو أسبابٍ طارئةٍ-متزوجاً من امرأةٍ لا يَدينُ لها باختيَار أو رغبةٍ أو حُبٍّ عارم...

الأول حين يتحسسُ جوانبَ الغيْرةِ في مشاعره-كرجلٍ يخافُ على عِرْضِه وشرفه-لا يُبارحُ امتعاضـَه إلا وهو يَرَى في زوجته الحبيبة قطعة من قلبه التي لا يمكنُ التنفسُ إلا بأنسام أعباقها له وحدَه فقط..وحدَه لا غيْر..وبالتالي فالغيْرة عندها لأجلها-كإكسير حياةٍ بالنسبة له-قبل أن تكون غيْرَة ًواجبة بحُكم العُرْف..!!

أما الثاني،فهوَ حين يتحسسُ الغيْرة على زوجته،فبحكم أن الظرْفَ هو الذي جعلها عنده زوجة،نجده يَغارُ ويَغارُ إلا أنها الغيْرة التي ما منها بُدُّ،لأنها في النهاية زوجته التي ارتبطتْ بحساسيةِ رجولته وكرامته،فلا مَناص من أن يَغار ولا حيلة..!!

ويبقى ( الدِّيـــــنُ ) فقط-أختي الكريمة-هو الضامنُ الحقيقي في أن لا يَقعَ جوْرٌ من الأزواج على زوجاتهم في أمر هذه الغيْرة بصرف النظر عن القدر الذي جعل الواحدَ منهم يرتبط بزوجته عن حب صادق ورغبة دافعةٍ أو عن قهر واضطرار وإكراه..

وفي اعتقادي أن الزوجة أيضاً-أمام الغيْرة-سيانٌ مع كونِ الغيْرة تسري في مشاعرها-بحكم الرقة وعذوبة الأنوثة-بوتيرةٍ أسرع وأدعى للاستجابة العاجلة،خصوصاً إذا قامتْ حياتـُها مع زوجٍ وافقَ اختيَارَها ورغبتـَها وحُبَّها وآمالـَها...

إن غيرة الزوجيْن الصادقة على بعضهما،يجعل من آمال النفس وأحلامها-وهي كثيرة وواسعة-ضريبة تـُدفـَعُ في سبيل إبقاءِ كلٍّ منهما في قلب صاحبه حبة لا يَرَى ضوْءَ الحياة ونورها إلا بها وبالتالي تعطي انطباعاً بمكانة وأهمية أحدهما في ميزان الآخر...

بيْدَ أنه لما كانت الغيْرَة واجهة للمَحبة بين الزوجين،فإن شأنها يُشبه إلى حد بعيدٍ شأن الذبالة في فتيل مصباح...

إن رفعَ الذبالة بالقدر الذي ينشر الضوءَ والضياء،يجعلها موضعَ استئناس ورحمةٍ ودفءٍ...

لكنَّ المبالغة في رفع الذبالة قد يُحيلُ الضياءَ لهَباً ويجعلُ النورَ ناراً تحرقُ الأخضرَ واليابس...!!!

الغيرة الزائدة المفرطة بين الزوجيْن دليلٌ على أحد أمريْن :

يا إما أن المبالغة في الاهتمام أوْهَمَتْهُمَا بضرورة وجود شكل من أشكال المثالية المستحيلة في الحياة الزوجية الواقعية،القائمة على الصواب أحياناً والخطأ أحياناً أخرى،بحيث لا عصمة لهذه الحياة مهما كان مستوى المثالية الذي يحتويها...

أو لوجودِ خلل مَّا في تركيبة نفسيتهما أو عقليتهما مما قد يترتبُ عن عُقدٍ حياتيةٍ،تعود في الأصل إلى ما قبل الزواج...

جميلٌ-أختي-أن يشعرَ الزوجُ بغيْرة زوجته،لأنه مؤشرٌ طبيعي على حبها..أو لِنقلْ : على مكانته عندها...وجميلٌ أن يَغارَ الزوج على زوجته،لأنه بذلكَ سيبث انطباعاً إيجابيا أنها في حظوةٍ من قلبه وكيانه،ومن أن عليه-إيفاءً لها ووفاءً-أن يتنازلَ عن كثير من طموحاتِ مشاعره الخاصة إكراماً لها..ولكنْ ليسَ لدرجةِ أن تستحيلَ الغيرة إلى بؤرةٍ من الحساسية الشديدة،قد تكهربُ الأجواءَ وتحولُ الحياة إلى جحيم لا يُطاق من الشك والريبة والوهم المرعب والمعاملة المُحتقنة المتشنجة...

حماكِ الله-أختي-وأبقاكِ وزوجَكِ الكريم كخيْر ألِيفيْن...