عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-12-2010, 11:59 PM
الصورة الرمزية فاطمة الكعبي
فاطمة الكعبي فاطمة الكعبي غير متواجد حالياً
شاعره
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 176
افتراضي الرغبة والمستحيل في مطلع "حنايا الأرض"..

الرغبة والمستحيل


(سمانا يا البعيدة يا البعيدة مـا لنا جنحان
نموت أحـرار دام إن النجاة آخر أمانينا)

هذا البيت هو مطلع قصيدة "حنايا الأرض" للشاعر صالح الرئيسي، فهو عتبة الدخول التي تنفتح على دلالات عدة تحمل في مضمونها ثنائية (الرغبة والمستحيل) التي تتصارع في ذات الشاعر، والتي تتضح من الخطاب الندائي الموجه إلى السماء، مشكّلة بذلك صورة خيالية ذات أبعاد جمالية تتجاوز المعنى السطحي للبيت، وهذه الأبعاد لا تتضح إلا من خلال القراءة المتأنية والفاحصة.وتظهر قضية الرغبة هنا في الوصول إلى هدف ما تتوق إليه النفس، ولكن في الجانب الآخــر تقابله إشكاليــة المستحيــل التــي وصفهــا الشاعـر بـ "السماء البعيدة"، ليشير الفضاء المكاني إلى اتساع الشيء، وهو دلالة توحي باتساع الرغبــة.

ويأتي التكرار في الشطر الأول (يا البعيدة يا البعيدة) حاملاً لمعنى كلمة (هيهـات)، التي تتضح في تفتيت البيت من بنيـة شعريـة إلى جُمل نثرية: ( هيهات أن نصل إلى تلك السماء البعيدة، ونحن لا نملك أجنحة للتحليق إليها)، لتأتي صيغة التحسر كامنة في قافية الصدر التي جاءت كقرعٍ على أجراس الذات،هذا القرع الذي شكّله صوت المد (ـــان) الذي "عمل على فتح أفق إيقاعي وإيحائي "دلالي" أوسع".*

أما الشطر الثاني فيأتي كنتيجة مترتبة على ما جاء في الشطر الأول. أي أن "النجاة" التي نتمناها من خلال هذا التحليق ستكون آخر الأماني التي نتوق إليها، وقد احتلت صفة (الآخرية) نتيجة لكونها شيئاً مستحيلاً؛ وبهذا تظهر رغبة أخرى وهي (الموت)، الذي تتركز فيه "ثيمة الهروب" من الواقع، والموت هنا لم يأتِ بصيغة الضعف، حيث إن الشاعر استطاع أن يُخْرِج نفسه من هذه الدائرة بذكره لشيئين وهما:

- صيغة الجمع في كلمة "نموت"؛ لتخرج الكلمة من إطار التوحد مع ذات الشاعر إلى الذوات الأخرى.
- ذكره لكلمة (أحرار)؛ ليكون الموت شيئاً متقبلاً ، متجانساً مع طبيعة الرغبة وسموها.



إبحار:

" إن الشعر هو ليس الفن الأكثر تكثيفاً فحسب، بل هو أيضاً الأكثر فلسفة."
أرسطو

*جماليات القصيدة العربية الحديثة،محمد صابر عبيد/ ص137.

- قراءة: فاطمة الكعبي-
رد مع اقتباس