عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-01-2012, 02:06 PM
سعيد اليعربي سعيد اليعربي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 314

اوسمتي

افتراضي

كبرنا مع الوطن، وحاولت أفكارنا النضوج معه، بدا كل شيء على ما يرام، الثوابت بخير، والقيم والأخلاق بخير، وبالي العادات ورثُّها في توار مستمر، تفتحت العقول، ونعمت الأجساد بالراحة، والأرواح بالسمو، تفتح نوّارنُا، وتفتقت أكمام وُرَيْداتِنا، وبدأ شذى عبيرنا يفوح في أرجاء الدنيا، فتهللت أساريرنا، وتبجست ينابيع المحبة في أوصالنا، وعندما آن أوان القطاف، إذا بشيء يشبه عناكب الكهوف، يمد خيوطه في كل مكان، لا يتوقف عن نسجها ليل نهار، وكلما مدّ خيطا استطالت قدمه بقدره، حتى أصبح له أقدام بقدر خيوطه، كبر ذلك الشيء ونحن لا زلنا نستخف بخيوطه غير مدركين مدلول قول الحق في كتابه: "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت : 41 ).
ثم بدأ ذلك الشيء باصطيادنا واحدا تلو الآخر، وكلما اصطاد أحدَنا حقن في داخله نوعا من السم يبقي كل شيء حيا إلا الذاكرة؛ إذ يميت كل شيء فيها إلا الوهن.
وبدأنا نستجر الأشياء، مرة في شكل مشروبات غازية، وأخرى في شكل حبوب منومة، حتى وصل الأمر إلى اجترار عفونة الفكر، وبقايا من فضلات أخرى، اصطلح الناس على تسميتها بمسميات غريبة، غير أنها كلها تشبه بعضها في المضمون والمفعول، فتأثيرها مؤكد، وهو دائما يبدأ باسترخاء، ثم قليل من الدوار، وأخيراً فقدان الوعي والدخول في غيبوبة.
وعندما تفقد أمة وعيها، يحرص المتربصون بها أن تبقى كذلك، فتبدأ الطفيليات في التكاثر على جسدها، وفي الأثناء تتدلى بعض الدمامل هنا وهناك، ثم ما تلبث أن تتحول إلى أورام خبيثة، إن لم يعجل باستئصالها فلن يرحم ذلك الجسد إلا الموت.
رد مع اقتباس