عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-09-2014, 02:09 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...ما يختلف اثنان في تقديري أن شبكة النت ـ وهي آخر صرخاتِ تكنولوجيا الاتصال ـ أفرزتْ نوعاً جديداً من مظاهر التواصل الفكري والمعرفي والثقافي بين الشعوب والأعراق لم يكن موجوداً قبلاً..بل ما كانَ أحدٌ ـ كما يقول باتريك سميث ـ يتصور مجرد التصور في بدايات القرن العشرين أن المسافة الامتدادية ستتسع بشكل حلزوني بين أخلاط البشر ويتداخلُ فكرُها وتتقاطعُ ثقافاتُها بهذا الشكل المذهل الذي صنعته الشبكة العنكبوتية في النصف الثاني من القرن المذكور..!!

...وصحيحٌ أن كثيراً من الدول المتمرسة تكنولوجيا قد حاولتْ..أو لِنَقُلْ إنها سعتْ في وضع أنظمةٍ وقوانين ـ أغلبها غير مكتوبة ـ لمواجهة التحديات التي يفرضها واقع التدفق اللامحدود لمادة النت المعروضة،ومن ضمنها محاولة التخفيف ـ ولا نقول التجفيف ـ من عمليات الاختراق والغزو الثقافي الرهيب لحماية مجتمعاتها عن طريق استخدام تقنية حجب المواقع،وهي الوسيلة المتاحة الوحيدة في الوقت الراهن..إلاَّ أن الحديثَ عن ( موقع المواطن العربي ) وسط هذه الموجة العارمة يكاد يكون حديثاً كله شجونٌ حُبلى بالهموم والحيرة والتساؤلات...

..ذلك أن ( الوطنَ العربي ) من المحيط إلى الخليج لا عِلاقة له في أصل التصنيع والإنتاج والبرمجة...بمعنى أنه في الأصل ليسَ طرَفاً في ( صناعة الجانب التقني من الحضارة المعاصرة ) إنما هو كما يعرف القاصي والداني ( سوقٌ عريضة لشراء التقنية الجاهزة ) وأما القول الممجوج الذي يُرَوَّجُ له بين الحين والحين بأن هناك قطاعاً تكنولوجيا للاتصالات له نواة مستقلة في وطننا العربي ما هو في الحقيقة إلا نمَط استهلاكيٌّ من ثقافةِ الترويج الإعلامي والدعائي التي تسود العقلية العربية الرسمية لدرء فجوة التخلف التي تحتوي كل مجالات الحياة تقريباً...

...لا شك أن الإنسانَ حينَ يكون في حالةِ غربةٍ وفراغٍ إزاء التطور الهائل في التقنيات،فإنه حين تفِد إليه فجأة،تكون وفادتها أشبَهَ ما تكون بالهجمة الشرسة التي لا تلوي على شيء...

..وهكذا كان حالنا حين بدأت شبكة النت تتوسع في توغلها داخل نسيج حياتنا نحن العرب...

..إن هناكَ مظهراً فكريا وثقافيا واجتماعيا ـ يشبه الصدمة ـ صاحبَ ذلك التوغل..وكان هناك تجاذبٌ مُطـَّـرِدٌ في مدى تقبل ما يحمله التدفقُ الغزير الهائل من إيجابياتٍ وسلبيات..

..ولطالما ثارت إشكالاتٌ كثيرة حول مدى تقبل تلك التقنية المتدفقة أو رفضها...ومن الطبيعي عند دخول أية تقنيةٍ جديدةٍ في مجتمعاتٍ متطورة لها نصيبُ في تصنيعها وإنتاجها وتسويقها أن نجدَ مَن يتقبلها بحذر ومن يرفضها،لكنْ عندما تصادف هذه التقنياتُ مجتمعاتٍ متخلفةً لا نصيبَ لها في التصنيع والإنتاج والتسويق علاوَة أنها تصادف فيها خواءً روحيا تحصينيا وفراغاً علميا وثقافيا،ثم تغدو هذه التقنياتُ سهلة التناول والاقتناء كحاجاتٍ شخصيةٍ فإنها تقبل عليها دون اعتباراتٍ لمحاذيرها الفكرية والاخلاقية والاجتماعية...!!

...لن ننكرَ أبداً أن الشبكة العنكبوتية قد وفرتْ مساحةً منقطعة النظير للمثقف العربي أن يتواصل..أن يتلاقح..أن يُكسِرَ بيروقراطياتٍ كثيرة كانت الوصاية الفكرية داخل الدولة التقليدية تأسِرُ انطلاقة فكره وتقيد حركة طموحاته،ولكن لن ننكر كذلكَ أن تلك الانطلاقة صادفتْ وجودَ تناقضاتٍ كثيرة في الحياة الشعورية للمواطن العربي-بمن فيه المثقف-بسبب رواسب الكبت والتقاليد الغلط التي أفرزها الركود والتقوقع والانكفاء والتطرف والحجر..فكانَ أن حدثَ تفلتٌ في التكيف مع تدفق الزخم الثقافي والعقائدي الذي غدَا بين يديه ولا حيلة...

...نأخذ مثلاً الزخم ( الإباحي ) الذي تزخرُ به الشبكة..وهو الوافد الأنترنتي الذي اصطدم اصطداماً مباشراً بنسيج المجتمع العربي المسلم القائم على المبادئ والأطر الأخلاقية الإسلامية...

...إن المثقف العربي الواعي وجد نفسَه بين منهجين في الاستفاد والتحصن يبذل معهما جهداً فكريا وثقافيا مضنيا :

ضرورة التعامل مع النت كحتميةٍ عصريةٍ،تختزل له المسافة وتيسر له المعلومة وتسهل له سُبُل التواصل بأقل التكاليف الممكنة...

وفي نفس الوقت ضرورة الغربلة والقيام التوعوي وسط مجتمعٍ يكادُ يُصابُ بـما نسميه ( الهَوَس الجنسي ) إزاء عالم النت الذي هجم بشراسته الأخلاقية على بقايا المنظومة التربوية والأخلاقية المهزوزة أصلاً في المجتمع...

...وبين المنهجيْن يتموقعُ المثقف العربي الجاد..وهو في معترك مواجهة التحديات التي تأبى الانسحابَ وتقتضي التكيفَ في نفس الوقت...

...أرى أن المسافة بعيدة..والطريق ما زال طويلاً حتى نصل إلى تلك المرحلة التي نستطيعُ فيها ( احتواءَ ) تلك التحديات وتطويعها للمسار الحقيقي الذي يجعل من المثقف العربي ناطوراً يمسك بيديه مِقوَد الدفة الفكرية التي ترتب للمجمتع كيفَ ينتقي ويغربل ويتفاعل بإرادةٍ حرةٍ،مالكةٍ لزمام توجهاتها العقائدية والأخلاقية والإبداعية والفنية دونما إفراطٍ في الرفض والممانعة التي ستبقينا في نقطة التخلف،ودونما تفريطٍ في استحكاماتنا الفكرية والعقائدية والذي سيؤدي إلى مزيدٍ من الاختراقات في حصوننا المهددة دائماً أمام لوافح الغزو الوافد...

...طرحتِ إشكالاً صميميا-أختي الكريمة العزيزة الأصيلة المبدعة ريم الحربي-فجوزيتِ كل خير وتباركتْ أفكارُكِ وطروحاتُكِ أينما كانت وحيثما حلتْ...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!