عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-03-2010, 09:44 AM
عبدالله الزعابي عبدالله الزعابي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
الدولة: في قلب الرنين
المشاركات: 435
Post






( .. وكـتـبـت إلـيــهـا .. ) بيروت 2005







( 1 )

.. قلـتــِ بأنه ليس هنالك شيء بيننا ..! فلما عدت أدراجاً إلى دواخلي وجدتك سيدتي بعرض السموات والأرض ..
ووجدتني ما زلت أحتفظ بزجاجات عطرك ومحفظة مازالت في جيبي من يومها.! ورسم لك يزين جدران حياتي ..
ورسالة بخط يديك .. وكثير ..!


ثم وقعت رسالتي هكذا :

( ع / لبنان )

كانون الأول 2005


( 2 )


سيدتي .. امتداداً لفلسفتنا السابقة ، أكتب إليك ..
قد قرأت رسالتك بل قرأتك أنت في رسالتك ..
وقرأت خفقات قلبك واضطرابه كسحر ذلك الخوف وجماله الرابض على صدرك
منذ زمن بعيد الذي سرعان ما تخلصت منه وأنتهى كل شيء وانزوى إلى الركن البعيد ..!!

سيدتي كل شيء قابل للمحو والزوال إلا الله قبل وبعد كل شيء .
فهناك من الأشياء ما تعلق في الذهن والذاكرة مما يصعب على المرء محوها ونسيانها ..
وهنا أستجمع ذاكرتي لأحصي ما بها من ألفاظ ومعاني وكتابات كانت بمثابة الوشيجة التي جمعت فيما بيننا
وكانت سببا في عمق الخيال الخصب على مساحة خضراء من النفس
لا يمكن أن يقع عبق جمالها في مخالب " نسيان ".

نعـم .. قرأت رسالتك بل قرأتك أنت في رسالتك ألفاظاً خرجت من فمك الوردي كنسمة عطر وحياة
وجمال حملت إليّ نفحة رقيقة ندية طيفت بشفتيك لحظة كتابتها .. بها عدت إلى أكثر من أعوام خمسة
كانت البلاغة فيها بيننا مادة خالطت نفسينا وكنتِ حينئذ وحدك القادرة على استثارة بركان مشاعري وأحاسيسي
الخامدة وبلورة المعاني الروحانية للحب والجمال بكتاباتك ..
وكنتُ وقتها لا أعرف سيدة تكتب في فلسفة الحب والجمال إلا أنت .

صغيرتي أنا وأنت طفلان قدما من المدينة الفاضلة ..
قذف بنا القدر في عمق الأحزان والأوجاع ونهر من الدموع ..
فلم يكن نعيمنا أهنأ من نعيم أهل الأرض ولا عذابنا أشد من عذاب من عليها .!!
إلا أننا ذهبنا نتلمس أسباب البقاء في هذه الحياة .

والله .. والله قرأت رسالتك بل قرأتك أنت في رسالتك ..
لأنك كنت كالظل لقلبي في كل مكان يلتقط رسمك كلما بزغت خيوط الفجر أو حلّ عليه الظلام ..
صورة حساسة يطبعها على أوراق الذاكرة ،
مادة إنسانية لا تفنى أبداً ولا تحصر لتبقى ملء عيني وملء فؤادي.

سيدتي لقد جذبتني بسحر كتاباتك عن أوجاعك الدفينة حتى نزلتِ بحزنكِ الحارق في نفسي
دموعاً تجري في شراييني خالطت الدم فكونت في أغوار النفس كريات من الإعجاب وأخرى
من الإكبار وشعوراً مضاعفاً من الحب .


( 3 )


سيدتي في ذات يوم إلتقينا .. فكان أول لقاء بيننا ..!

هل تذكرين زاخر سيدتي ..؟

ذلك المكان الذي شهد رجفة الموعد حينما قلت لي بعينيك هذه أنا .. وقلت لك بعيني وهذا هو أنا ..!
يومها .. كالحلم جئت .. وكالحلم غبت .. لقاء على قياس العظمة غاص بمحتواه في عمق الذاكرة ..
فأتحد مع الغاية وتطابق مع الحكمة ..
فكانت لك فلسفتك في أغراض ذلك اللقاء وكانت لي فلسفتي في أغراضه ودواعيه ..

وعلى أثر ذلك اللقاء .. نشأة فيما بيننا لغة الأوجاع والأحزان والنظرة المتألمة ونبرة الصمت الرهيب ..
فتعارفنا بأحزاننا ..
وبكل منا شكوى تهم أن تفيض ببثها للآخر.

وما بين ذاك اللقاء .. والفراق الطويل .. كانت بيننا حزمة من اللقاءات والكتابات والخواطر المتبادلة ..
وزدت بأنك كنت أنت من كتب سيلاً أزلياً من الكلمات والمعاني التي أرست بك على سواحل ابحري ومرافئ شطآني ..
بينما كنت أرقب قلمك عن كثب وأنتظر كتاباتك التي كانت محملة بالهموم الثقيلة مغلفة باللوعة والأحزان.

فهذه أنت يا سيدتي مثلما أتيت في لذة فقد اختفيت في ألم ..!! بكبرياء عقل وغضب على قسوة الحياة ..
تخفين في عينيك الأحلام الغامضة وعلى شفتيك ارتجافات تحمل سر المجهول..؟



( 4 )


وبقيت أنا يا سيدتي وحدي أجلس إلى دفتر الأشواق وفي يدي القلم أقلب صفحات الماضي القريب البعيد ..
وكلمات لك وخواطر أحسها تتلمس عذابات الحب في قلبي .. فيتجدد الحزن ويتمدد في كل مساحات الأفكار في داخلي ..
فيحدث التصدعات في عمق الروح .

سيدتي ما زالت أنفاسك تناسمني .. وبرغم تمدد القطيعة فيما بيننا ..
أبقى أحس دائماً بانسكاب روحك في روحي وأنت روحي وإن عصي الزمن أو تمرد الوقت أو
تمنعت الأيام أن تحبل بلقاء جديد من أجلنا ..!

في بعدك سيدتي يمضي الوقت ذاهباً نحو غرق الأيام ونحو تعثر عقارب الساعة ..
ليتراخى الزمن كيفما يشاء وإلى ما يشاء ..
فله ما يشاء إلى حين يشاء ..!!

فلن يذهب صبري ولن ينام شوقي ولن يزيدني بعدك إلا أن أذوب غراماً واشتياق ..
فالشوق يا سيدتي خمرة الروح للروح وسكرته .


( 5 )

سيدتي لا يزال الوفاء كالنبض في قلبي .. لا يتوقف إلا بموت الروح ولست روحي ..!!
فآآآآه من الأحزان الدفينة التي جاءت تنبش الأوجاع والآلام في صدري بحثاً عن دموعي ..!!



( 6 )


آآآآآهـٍ لقد سكر المداد في كبد القلم .. بعدما طافت به الأشواق فرمته بنوازعها تجاذبه نفسه تريده أن يقرّ بينها ..
وهو يريد أن يبقى في يدي .. حتى ارتبك المداد في وريده فراح يتخبط مترجرجاً فوق السطور
وهو يزمزم بالكلمات التي تعثرت في فمي حتى حلف الغرام أن أعيره يدي فأعرته ...!

وكنت أعلم أنه ليس حباً في يدي بل حباً في القلم ..!

فيا ذات قلبي .. بعثت إليك بقلمي فأعلمي أنه والله كالروح لا يتنفس إلا في أناملي .. يحب أصابعي ويشتاق ..
فألتقيه بكلتا يديك الناعمة ودعيه يتشرف بمسهما .. فإنه بعمق أنفاسك ينتظر الكلام من شفتيك .

ألا هنيئاً لك يا قلمي .. فأنا من كان يحلم يوماً بتقبيلها حتى ذهب العقل مني فقبلتها أنت قبلي ..!
فماذا عساك سوف تكتب لي وأنت ذاهل في أناملها .. وكأنك في قالب من الدر لا بين أصابع امرأة..!

هنيئاً لك يا قلمي .. وكن على حذر .. إن الكلمات التي في قلبها قد نضجت من لهيب الشوق في صدرها ..
فتلقى الكلمات من فمها مقبلة وأكتب الحب فوق السطور على مهل ..
ولا تذوب في رغائب خدها وكوكبة العطر في يدها فتنسى الأشواق في صدرها تتقد ..!!

أيها المبعوث .. من يدي سفيراً إلى يدها .. كن سفير غرامي وأشواقي مفوض فوق العادة ..
لأنك دبلوماسي بليغ وساحر قدير تستطيع أن تحمل إليّ نثار الورد من روضها عصارة نقية
فتسكبه في فمي كالندى يجري في وريدي إلى شراييني ..

-

__________________

(الـطــــــــ الطيرالمســــافــر الطيرـــيــــــــــ ـر)
__________________
-----------------------------------------------

هل إنحازت اللغة للرجل ..؟
وهل تم تذكير اللغة تذكيراً نهائياً ..؟
أم أن هناكَ مجالاً للتأنيث ..؟


-----
عبدالله الغَـذَّامي
كتاب المرأة واللغة

---------------------
(الـطــــــــالطيرالمســــافــرالطيرـــيـــــــــــر)

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله الزعابي ; 22-03-2010 الساعة 09:47 AM
رد مع اقتباس