عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-10-2011, 01:07 PM
الصورة الرمزية رحمة الحراصي
رحمة الحراصي رحمة الحراصي غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: مسقط
المشاركات: 77
افتراضي كيف تكتب قصة جيدة في خمس دقائق و14 ثانية ؟!!!

بادئ ذي بدء سأقول إنني تعمدتُ هذا العنوان الساخر للدلالة على أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال تعليم كتابة القصة التي تعتمد في الأساس على موهبة كاتبها أكثر من اعتمادها على تطبيقاته الحرفية لنصائح أو إرشادات.. هذا هو ما أعتقده على الأقل .. وعندما طُلِبَ مني تقديم محاضرة عن "أساسيات كتابة القصة القصيرة" كان أول سؤال تبادر الى ذهني : هل يستطيع أيٌّ كان أن يدعي أن باستطاعته تعليمَ كتابة القصة ؟ ، وهل هناك وصفة يمكن اتباعها لكتابة قصة ناجحة ؟ .. واذا كانت الاجابة بالنفي – كما أظن - فهل يعني أن كتابة القصة هي أمر عفوي لا قواعد له ولا ضوابط ؟ .. لا أخفيكم أنني بقليل من التروي وجدتُ أن التنقيب عن هذه "الأساسيات" في بعض الكتب النقدية وبعض آراء كتاب القصة في العالم قد يكون مفيدا لي أنا شخصيا ولكل كاتب قصة يضع خطواته في أول الطريق .. ولذا فان هذه الورقة لا تزعم أنها تفعل أكثر من مجرد عرض تجارب نقاد وأدباء في مسعاهم الحثيث نحو كتابة قصة قصيرة ناجحة ، وقد اعتمدت أساسا على ما ورد في بعض الكتب النقدية ، ككتاب " القصة القصيرة ، دراسة ومختارات" للطاهر أحمد مكي ، و"كتابة القصة القصيرة" لولسون ثورنلي .. ترجمة مانع الجهني ، إضافة إلى قراءة بعض حوارات أدباء وكتاب قصة عالميين .
ولكن قبل أن نتحدث عن أساسيات كتابة القصة القصيرة ينبغي أولا أن نقدم تعريفا لهذا الفن الأدبي الذي تعددتْ تعريفاته بتعدد معرّفيه .. وسأختار هنا من التعريفات الكثيرة بعض التعريفات التي تخدم توجهي في هذه الورقة ، وأولها تعريف الكاتبة الأمريكية كاترين آن بوتر التي تعرف القصة القصيرة بأنها " تلك التي تقدم فكرة في المقام الأول ...ثمَّ وجهة نظر..... ومعلومة ما عن الطبيعة البشرية بحس عميق ..... وبأسلوب أدبي مكثف" .. أما الناقد الأرجنتيني المعاصر اندرسون امبرت فيرى أن القصة القصيرة هي " حكاية قصيرة ما أمكن ، حتى ليمكنُ أن تقرأ في جلسة واحدة ، يضغط القصاص مادته لكي يعطيها وحدة نغم قوية : أمامنا عدد قليل من الشخصيات ، وشخصية واحدة تكفي ، ملتزمين بموقف نترقب حل عقدته بفارغ الصبر ويضع القصاص النهاية فجأة في لحظة حاسمة " .. وعندما سئل أديبنا العربي الكبير يوسف ادريس عن تعريفه للقصة القصيرة اكتفى بفرقعة أصابعه وقال أن القصة القصيرة هي صوت هذه الفرقعة .. أما الأديب روبرت لويس ستيفنسون فيؤكد أنه ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة: فقد يأخذ الكاتب حبكة ثم يجعل الشخصيات ملائمة لها، أو يأخذ شخصية ويختار الأحداث والمواقف التي تنمي تلك الشخصية ، أو قد يأخذ جوًا معينًا ويجعل الفعل والأشخاص تعبر عنه أو تجسده .
ما ينبغي التأكيد عليه هنا أنه ليس كل حكاية تحكى يمكن أن نطلق عليها "قصة قصيرة" ، فجنبا الى جنب مع الحكاية التي تحكى يجب أن يكون هناك ما وراء الحكاية ، المعنى الواضح أو الخفي الذي تحمله الحكاية بين طياتها . ولأضرب مثالا بالحكاية القصيرة التالية : "استقل سعيد السيارة ومشى بها في الشارع .. وصل سعيد المكتب وفتح درجه .. خرج من المكتب وعاد إلى بيته .. أشغل التلفاز وأخذ بمتابعته حتى نام" .. تمت .. هل يمكننا اعتبار هذه الحكاية قصة .. بالقطع لا .. ولِمَ لا يمكننا اعتبارها كذلك ؟ .. لأن الأحداث لا تؤدي إلى معنى معين ، والحكاية لا تتضمن عناصر القصة القصيرة .. السؤال الذي يطرح نفسه هنا اذن هو : ما هي عناصر القصة القصيرة ؟ .. ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بما يلي :
أولا : الفكرة والمغزى : فلا قصة بلا فكرة .. أما المغزى فهو الهدف الذي يحاول الكاتب عرضه في القصة، أو هو الدرس والعبرة التي يريد منا تعلُّمها ؛ لذلك يفضل قراءة القصة أكثر من مرة واستبعاد الأحكام المسبقة ، والتركيز على العلاقة بين الأشخاص والأحداث والأفكار المطروحة ، وربط كل ذلك بعنوان القصة وأسماء الشخوص وطبقاتهم الاجتماعية .
ثانيا : الحدث : وهو مجموعة الأفعال والوقائع مرتبة ترتيبا سببياً ، تدور حول موضوع عام، وتصور الشخصية وتكشف عن صراعها مع الشخصيات الأخرى … وتتحقق وحدة الحدث عندما يجيب الكاتب على أربعة أسئلة هي : كيف وأين ومتى ولماذا وقع الحدث ؟ .. ويعرض الكاتب الحدث بوجهة نظر الراوي الذي يقدم لنا معلومات كلية أو جزئية ، فالراوي قد يكون كلي العلم ، أو محدوده، وقد يكون بصيغة أنا المتكلم . وقد لا يكون في القصة راوٍ ، وإنما يعتمد الحدث حينئذٍ على حوار الشخصيات والزمان والمكان وما ينتج عن ذلك من صراع يطور الحدث ويدفعه إلى الأمام .أو يعتمد على الحديث الداخلي .
ثالثا : العقدة أو الحبكة : وهي مجموعة من الحوادث مرتبطة زمنيا .. ومعيار الحبكة الممتازة هو وحدتها ، ولفهم الحبكة يمكن للقارئ أن يسأل نفسه الأسئلة التالية :
- ما الصراع الذي تدور حوله الحبكة ؟ أهو داخلي أم خارجي؟.
- ما أهم الحوادث التي تشكل الحبكة ؟ وهل الحوادث مرتبة على نسق تاريخي أم نفسي؟
- ما التغيرات الحاصلة بين بداية الحبكة ونهايتها ؟ وهل هي مقنعة أم مفتعلة؟
- هل الحبكة متماسكة ؟
- هل يمكن شرح الحبكة بالاعتماد على عناصرها من عرض وحدث صاعد وأزمة، وحدث نازل وخاتمة ؟
رابعاً : الشخصيات : يختار الكاتب شخوصه من الحياة عادة ، ويحرص على عرضها واضحة في الأبعاد التالية:
أ- : البعد الجسماني : ويتمثل في صفات الجسم من طول وقصر وبدانة ونحافة وذكر أو أنثى وعيوبها ، وسنها .
ب : البعد الاجتماعي: ويتمثل في انتماء الشخصية إلى طبقة اجتماعية وفي نوع العمل الذي تقوم به وثقافتها ونشاطها وكل ظروفها المؤثرة في حياتها ، ودينها وجنسيتها وهواياتها ..
ج: البعد النفسي : ويكون في الاستعداد والسلوك من رغبات وآمال وعزيمة وفكر ، ومزاج الشخصية من انفعال وهدوء وانطواء أو انبساط ، وعقد نفسية ان وجدت .
كل قصة تبدأ بشخصية رئيسية ، قد تكون حيوانا ، إنسانا ، أو شيئا ما .. وقبل أن يشرع الكاتب في كتابة قصته ينبغي أن يوجه لنفسه الأسئلة التالية :
- من هو البطل الرئيسي بين شخصيات القصة ؟
- - ما الذي يحبه أو يكرهه ؟
- - ما هي ملامح شخصية بطل القصة ؟
- - كيف يبدو الشكل العام للبطل ؟
ثم عليه أن يوجه لنفسه أسئلة أخرى تتعلق بالبطل أو الشخصية الرئيسية :
- ما هي مشكلة أو قضية البطل الرئيسية ؟
- هل المشكلة ضخمة وصعبة بحيث أنها ستحتاج لوقت القصة كله لحلها ؟
- هل يلعب باقي أبطال القصة دورا في خلق المشكلة وتفاقمها ؟
- هل التجهيزات المحيطة بالقصة تؤثر على حجم المشكلة ؟
- ما هي الخطوات التي يتخذها البطل في محاولة حل المشكلة أو القضية ؟
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن انتاج قصة قصيرة محكمة ما لم يستطع القارئ أن يتقمص الشخصية الرئيسية التي تحاول أن تسيطر على مصيرها وتمارس خياراتها وتنفذ قراراتها . وهكذا بقدر الوقت الذي تستغرقه قراءة القصة والانعتاق من تأثيرها يكون القارئ قد أصبح من الناحية النفسية هو الشخصية الرئيسية ، والقضية التي تطرحها القصة تصبح قضيتَه هو .
لتحقيق هذه المشاركة الوثيقة من قبل القارئ فان بنية القصة القصيرة تتطلب التبني والالتزام الصادق بوجهة نظر تسمح بتقمص القارئ للشخصية الرئيسية . ان الشخصية الرئيسية هنا يمكن تشبيهها بالممثل على خشبة المسرح الذي تصل من خلال ادراكه كل الحوادث وكل المدركات الحسية والقرارات وكل النتائج الى القارئ . من خلال أعين هذا الممثل وآذانه وأنفه ورؤوس أصابعه يستطيع القارئ أن يعيش القصة ولا يكتفى بمجرد الفهم .
هذا فيما يخص الشخصية الرئيسية .. أما فيما يخص الشخصيات الثانوية فالقاعدة العامة تقول انه إذا كنت تستطيع أن تكتب القصة القصيرة بشخصية ثانوية واحدة فلا تستعمل اثنتين ، واذا تستطيع باثنتين فلا تستعمل ثلاثا .. فالشخصيات الثانوية لا بد أن تقوم بدور ضروري في تركيب القصة . ويكون لها بناءً على هذا الدور صفاتٌ مميزة وعلامات جسمية . وهذا الدور قد يكون لانهاء مشهد واضفاء الواقعية عليه . وقد تستخدم الشخصية الثانوية للنفاذ الى أعماق الشخصية المسيطرة وتوضيحها من خلال الحوار أو الأحداث ... والهدف المقصود هو أن الشخصيات الثانوية لا تظهر في أي قصة قصيرة الا اذا كانت تخدم غرضا معينا ضروريا لبنية القصة أو لوصف مشاهدها . وثمة من يرى أنه يجب أن يقتصر ظهورها على أداء هذه الخدمة .
خامسا : المكان والزمان : فتحديد المكان مهم في القصة سواء كان مكانا واقعيا كالشارع أو المقهى أو الحديقة أو المكتب ، أو خياليا ككوكب المريخ مثلا .. وكذلك فان تحديد الزمان مهم كذلك ، سواء كان زمانا واقعيا كالصباح أو المساء أو خياليا كزمان الحلم أو الغيبوبة .
ولكن قبل الدخول في كتابة القصة ومراعاة عناصرها هناك ما يسميها الطاهر مكي مرحلة ما قبل كتابة القصة حيث يقول انه لا بد ان تتحدد بذهن القصاص قبل الشروع في كتابة القصة ثلاث نقاط هامة :
الاولى : أن يدرك أثراً ما وحيدا ومتميزا مثل التأثر بمؤثر قوي يحرك وجدانك ويشحذ عقلك ويكون لك هدفا عند كتابة القصة ، هذا المؤثر يخلق لديك فكرة القصة مثل التأثر بقضية اجتماعية او سياسية أو نفسية .
الثانية : تحدد بذهنك كيف يمكن أن تتوالى أحداث القصة أي تتخيل النهج أو الطريق الذي ستسلكه قصتك بأحداثها المتتالية بما تخدم فكرتك وتظهرها بوضوح
الثالثة : تحدد مسبقا نهاية القصة ولابد أن تكون قوية ومؤثرة وسريعة حتى تعطي الثأثير الذي أردته .. وسنعرف لاحقا حين نتطرق للنهاية أنه ليس دائما يبدأ القاص قصته وهو عارف للنهاية .
في كتابه "كتابة القصة القصيرة" يورد ولسون ثورنلي تساؤلا غالبا ما يسأله الكتاب المبتدئون أنفسَهم : هل ينبغي أن أكتب من الذاكرة فقط أم أن أتخيل منظرا مؤثرا أو قصة ؟ .. ثم يجيب بأن العملية الكتابية هي غالبا ما تكون أكثر تعقيدا من أن توفر هذا الفرق الواضح .
ففي العمل الكتابي يختلط في الذهن المشهد المتخيل مع تذكر التجربة الفعلية . ان العملية الكتابية تشكل نفسها كمشهد أو جزء من مشهد من لمحات من الماضي كانت في الواقع حية في وقت من الأوقات ثم أسقطت في مستودع الذاكرة . يبدو أن كتاب القصة جميعا قد مروا بتجربة تلك التصورات لمشاهد من الذاكرة . وهم مجمعون على أن تلك التخيلات لا يمكن استدعاؤها الى منطقة الوعي ، ولكنها تظهر دون استدعاء خلال وبعد فترات التركيز على مشهد القصة . وهذا يوحي بوضوح أنه بقدر ما تكون تجارب الكاتب كثيرة ، شريطة أن يكون دائما مدركاً وشاعرا بها بشكل محسوس وأن تكون تجارب انسانية طبيعية ، بقدر ما يستطيع أن يخزن مادة أكثر في ذاكرته يمكن أن يقدمها لعملية التخيل عندما يكتب مشاهد قصته . فالخيال وحده لا يكفي ، ولا بد أن يؤسس على خبرة فعلية من الذاكرة . والمشكلة بشكل رئيسي هي ليست في أننا لا نملك تجارب تصلح مادة للقصة ، بل هي في أننا غير مدركين وغير متأثرين بالتجارب التي تحدث حولنا باستمرار .
ماذا نستطيع أن نعمل للمساعدة في تطوير نظام الملاحظة هذا والذاكرة والحيل العقلية لنسجل ذلك في مشهد القصة ؟ .. احدى الاجابات الجيدة التي يوردها ثورنلي هي أن نحتفظ بدفتر ملاحظات . كل كتاب القصة تقريبا الذين يناقشون فنهم يتحدثون عن دفاتر ملاحظاتهم كشيء لا يمكن الاستغناء عنه . انه نوع خاص جدا من الدفاتر ، مليء بالمناظر المحسوسة المسجلة . على سبيل المثال الروائية البريطانية هيلاري مانتل صاحبة الرواية الفائزة بالبوكر "قاعة الذئب" مهووسة بتدوين الملاحظات ، وتحتفظ دائما بدفتر مخصص لهذا الأمر. العبارات الغريبة، شذرات الحوارات، والأوصاف التي ترد على خاطرها، جميعا تنتهي مدونة على لوحة معلقة في مطبخها، وتبقى هنالك إلى أن تجد لها مانتل مكانا في رواية لها. اذن الكاتب يبذل جهده ليسجل في دفتر ملاحظاته باختصار وبقليل من التطوير مكونات المشهد التي أعجبته. يحاول أن يسجلها بدقة متناهية وبصراحة كما شعر بها تماما . يكون همه – أو هكذا يُفترَض - أن يسجل إدراكه الفريد المحسوس لتلك المكونات ولا يتأثر بالصيغ الجاهزة لادراك الآخرين ، بمعنى ألا يكون تعبيره عن أية مشاعر في هذه الملاحظات مبتذلا وخاضعا لردود الفعل النمطية المتعارف عليها . وحول هذه القضية يقول هيمنغواي في إحدى كتاباته : "إن المشكلة الرئيسية ، بالاضافة الى معرفة الحقيقة كما شعرت بها حقيقة بدلا مما يفترض أنك شعرت به ، هي أن تسجل ماذا حصل فعلا في الحدث ، وهي الأشياء الفعلية التي أنتجت العواطف التي شعرت بها . الشيء الحقيقي من تتابع العاطفة والأحداث التي أوجدت الشعور والتي ستكون فعالة بعد سنة أو بعد عشر سنوات ، أو اذا ساعف الحظ وعبرت عنها بصفاء ووضوح ، ستكون سارية المفعول دائما وأبدا" .
من الأمور المهمة في القصة أيضا بدايتها.. ينصحنا أرسطو في كتابه "فن الشعر" أن نبدأ من نقطة قبل النهاية لأنها لحظة التأزم هذه هي القادرة على الإمساك بالقارئ ، حتى وان عدنا بعد ذلك إلى أحداث سابقة .. ويقول ولسون ثورنلي في كتابه "كتابة القصة القصيرة" أنه "في الغالب الممكن ينبغي أن تبدأ القصة – وهذا يحصل عادة – بالحالة المسببة . وهذه عبارة عن المرحلة التي تصبح فيها المشكلة /القضية واضحة لنا وملزمة للشخصية الرئيسية بأن تطالبها بالبحث – شعرتْ أو لم تشعر – عن حل .. يلخص بعض الكتاب كل مشهد قبل وقت الكتابة مبينا في خطة المشهد العناصر البنائية التي ستوصف في المشهد وشيئا من المحتوي الحسي لكل منها . وهذا الملخص يتبع نمط البداية والوسط والنهاية ويصف التفاصيل التركيبية في كل جزء . فالكتابة الفعلية حينئذ يمكن أن تسير بأقل قدر من الصعوبة التنظيمية . وهذه طريقة جيدة ومنهجية لبداية القصة على الورق بينما ما تزال الأفكار العامة طازجة . كما أنها تعين على بقاء القصة بمجملها في الذاكرة لوقت أطول مع تقليل خطر ضياع بعض التفاصيل والتوجيهات أثناء عملية الكتابة المعقدة .
هناك كتاب آخرون يستحضرون جيدا الفكرة العامة واستمرارية القصة في أذهانهم ويكتبون مشاهد مفصلة تحتوي على حوادث متوقعة ويكملونها كوحدات منفصلة تقريبا عن بعضها البعض . وليس من الضروري أن تكون مستمرة . ثم بعد ذلك وعندما تكون المشاهد الفردية قد انتهت تقريبا يعيدون ترتيبها وينظمون المشاهد بما يكوّن الاستمرارية المطلوبة حاذفين ومضيفين حسب الحاجة وتطور القصة .. وهناك كتاب آخرون يبدو أنهم غير قادرين على تصور القصة كاملة أو توقع بعض الأحداث أو حتى معرفة نهاية القصة قبل أن تقع . وقد يكون في أذهانهم شخصية يريدون أن يصوغوها كشخصية رئيسية ، أو ربما يكون في مخيلتهم قطعة من الحوار الذي يمكن تطويره إلى مشهد ، أو منظر محسوس يتبدى لهم ويريدون أن يسجلوه . أو ربما قد يكونون استولت عليهم فكرة عقلية أو مزاج أو عاطفة أو موضوع مما يمكن أن يستعملوه في مشهد . والانتظار حتى يتشكل كل هذا في الذهن كقصة منظمة سوف يؤخر الكتابة إلى أجل غير محدود . وعلى أية حال فالقصة تبدأ بالكتابة ، ومؤلف هذا النوع من القصص يبدأ بوصف المشاهد بشكل فوضوي تقريبا حتى تبدأ فكرة القصة تتضح في ذهنه وتبدأ المشاهد في الانتظام في أنماط محددة . ثم بعد ذلك يبدأ بإعادة الترتيب والتضمين والرفض لبعض المناظر حسب ما تمليه عليه حساسيته الفنية .. والفكرة الرئيسية بالنسبة لك هي أن تبدأ الكتابة وتستمر تكتب حتى تحصل على قصتك ..
وفيما يخص النهايات فان أجمل أنواع النهايات في القصص هي تلك النهاية الصادمة المتوازية مع سيرورة الأحداث ، تلك النهاية التي تكون منطقية وطبيعية بالنظر للمقدمات التي سردتْها القصة ولكنك مع هذا تتفاجأ بها لأنك لم تكن تتوقعها .. وهناك نهاية عادية وغير مدهشة ولكنها منطقية ومتماشية مع الأحداث ، وهذه لا غبار عليها إن اضطر الكاتب لها ( وكثيرا ما يضطر ) .. أما أسوأ أنواع النهايات في تلك التي تتوخى صدمة القارئ وإدهاشه دون أن تراعي سيرورة الأحداث أو صفات الشخصية المحورية ، فتبدو نهاية مفتعلة وغير مقنعة .. وفي القصص الدائرية فان النهاية عادة تكون بالعودة إلى نقطة البداية . أما النهاية المفتوحة فهي تلك التي يتركها الكاتب للقارئ نفسه ، بحيث يضع الكاتب الحدث الرئيسي عند نقطة يمكن أن تذهب إلى أكثر من اتجاه ، ويترك للقارئ اختيار الاتجاه الذي يراه .
بقي نقطتان أرى أنه من المهم الاشارة اليهما :
الأولى أن كتابة القصة هي صنعة بقدر ما هي الهام .. وأن على الكاتب أن يكتب بشكل يومي حتى وان لم يكتب شيئا ذا بال .. قلت "يكتب" ولم أقل "ينشر" .. فهدف هذه الكتابة اليومية هي تمرنه اليومي حتى لا يصدأ قلمه .. فمن رحم هذه العادة اليومية خرجت روائع الأدباء في العالم .. ألم يقل هنري ميلر يوما أن على الكاتب أن يكتب كل يوم خمسة آلاف كلمة حتى يمكن أن يطلق عليه كاتبا ؟! .
أما النقطة الأخرى أنه أذا أحببتَ القصة أحبتك ، وان أعطيتها أعطتك ، أو كما يقول عالم النفس كارل يونج : " إن الإفتتان هو المفتاح ... فحين تجد نفسك مفتونا تماما بشيء ما ، فباستطاعتك إذا كنت مسيطرا على المبادئ الأساسية أن تستخدمه في توسيع موهبتك وتجويد إبداعك"

سليمان المعمري
رد مع اقتباس