عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-01-2013, 10:50 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...جميلٌ منكَ-أخي البديع الشاعر طلال-هذا الانتقاء الأصيل لشعر واحدٍ عُدَّ في تاريخنا الأدبي العريق من الشعراء الفحول..بلْ وإن رأى البعْضُ أنه ليسَ من هاماتِهم فليسَ يَقيناً هو من أعْجَازهمْ..!!

وهلْ يوجدُ دارسٌ أو باحثٌ في عيون القريض العربي الجزل المُقفَّى ولا يَردُ في بحثه أو دراسته شيءٌ عن تلك القصائد التي سارَ بها الركبانُ وتحدثَ بها العُربانُ في كل وادٍ ونادٍ وعَصْرٍ ومَصْر،أفي بدْوٍ أم في حَضر؛أعني بها قصائد ( المعلقات السبعة )-أو العشرة-ويأتي في صدارتها المُعلقة الميمية لشاعرنا الفحل، صاحب ( الحوْليات ) زهيْر بن أبي سُلمَى المُزني الذي قالَ عنه النقادُ العربُ الأوائل-كالتبريزي ومحمد بن سلاَّم الجُمَحي وغيْرُهما-إنه أحد الثلاثة الشعراء الفحول المقدَّمين على سائر الشعراء وما يُدْرَى أيُّ الثلاثة أسبقُ في الريادة من صاحبه : زهيْرٌ وامرؤ القيْس ونابغة بني ذبيان..؟؟!!

وإن كنا سننسى فلن ننسى أبداً-نحن طلبة الآداب-تلك الطلائع الطللية الجزلة الفخمة من معلقته التليدة :

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَــــــــلَّـمِ ** بِحَـوْمَانَةِ الــــــــدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ
وَدَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كـــــــأَنَّهَـا ** مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ
بِهَا العِيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَـةً ** وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً ** فَـلأيَاً عَرَفْـــــتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ
أَثَـافِيَ سُفْعاً فِي مُعَرَّسِ مِرْجَــلِ ** وَنُـؤْياً كَجِــــذْمِ الحَوْضِ لَمْ يَتَثَلَّـمِ
فَلَـمَّا عَرَفْتُ الدَّارَ قُلْتُ لِرَبْعِهَـا ** أَلاَ أَنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الرَّبْعُ وَاسْلَـمِ..!!


الذي كان يَشدنا دائماً في معلقة زهير-إلى جانب معلقة عنترة بن شداد العبسي-لاَ جزالة اللفظ وفخامة الإيقاع فقط ولا عنفوان المعنى والكَلِم فحسب،فإن في معلقاتِ بقية الفحول ما يُساوي تلك الجزالة وما يبلغ بها إلى أقصى فخامات العنفوان،وإنما المُلفت في شعر زهير هو هذه الظِلال السمحة من أصداءِ الفِطرةِ السوية التي اصْطبغتْ بها شاعريَّتـُـه العذبة...

إنه واحدٌ ممن ترعرعوا في وعثاءِ الجاهلية وأنجاسِها وأركاسِها،وقد كان المظنونُ به أن يُصيبَه شيءٌ من لفحِها،ذلك اللفحُ الذي بَدَا واضحاً في سَفهِ عبيد بن الأبرص أو عصبية عمرو بن كلثوم العمياء أو نزق المَلِكِ الضِّلِّيل امرئ القيْس وشبيهِهِ طرفة بن العبد البَكْري...

إلا أن زهيْراً-دوناً عن هؤلاء-أعفتـْهُ المقاديرُ من تلك اللوافح القاتمة..وحتى إن وُجدتْ،فهي أشبَهُ ما تكون بلفح الرماد البارد لا الجمر الحارق،مثل قولِه-وقد جانبَهُ الحق والصوابُ لجهالته-يُصورُ لنا حقيقة الموت :

رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ ** تُمِـتْهُ وَمَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّـرْ فَيَهْـرَمِ..!!

أما ما عدَا ذلكَ فإن الرجلَ كانَ شهماً نبيلاً أصيلاً...

الفطرة السوية النقية الصافية في جـبلتهِ الإنسانية هي ما شدنا في شعره الرصين،فراحَ ينطقُ بالحكمةِ والرأي السديد في غير كُلفةٍ أو تصنع...

فزيادة ًعلى ثنائه الشعري النبيل الذي طوَّقَ به عنقَ السيدين الكريمين النبيلين الحارث بن عوف وهرم بن سِنان لجميل صنيعهما في توقيف رحى الحرب الهوجاء حين تحمَّلاَ دياتِ قتلى الأطراف الذين طحنتهمْ جائحة داحسَ والغبراء المشهورة..زيادة على ذلك فإن المقطعَ من الأبيات التي انتقيْتـَها-أخي الكريم-تزيدُ من قناعاتِنا الأدبية والنقدية بمعدن هذا الشاعر الفحل،لذا لن نستغربَ أبداً إذا قرأنا أن فارقَ هذه الأمة سيدنا عمر بن الخطاب رضيَ الله عنه كان شديدَ الإعجاب والإكبار بشعره،وحينما استفسرَ ابنُ عباس-رضي الله عنه-عن سِرِّ إعجابه وإكباره،قال : (( لا يتبع حوشي الكلام ولا يعاظل في منطقه، ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمتدح أحداً إلا بما فيه..!! ))...

جوزيتَ-أخي-على هذه الانتقائية الجزلة الجميلة..وبوركَ في حِسِّكَ الشعري العالي وذوقكَ الرفيع...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 12-01-2013 الساعة 11:25 PM
رد مع اقتباس