عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-11-2016, 08:43 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي





جزاك الله خيرا يا أم عمر على التفاعل وإثراء النقاش
وشكرا على فتح باب مناقشة الأمانة واثرها في المجتمع
تعرّف الأمانة لغويا بأنها:
ـ الأمانة ضد الخيانة (المعجم الصافي)
ـ الأمانة: الوفاء والوديعة (المعجم الوسيط)
ولكنها من حيث المصطلح تعني الكثير من القيم المترابطة المتداخلة، منها ردّ الوديعة وكتم الأسرار
وستر العيوب والكفّ والتورّع عن ما أوكل إليه حفظه من مال ومتاع واعراض وأداء الواجب وتنفيذ العقود بشروطها
مع تمكّن المؤتمن من تناول ذلك بالكيفية التي يريد والأمانة من حيث المكانة الدينية والاجتماعية
أصل يبني عليه قيم وفضائل تضيع بضياعها وتظهر بظهورها. وليس أدلّ على قيمة الأمانة من قوله تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }

سورة الأحزاب آية رقم 72
وقد أجمع المفسّرون على أن المقصود بالأمانة في الآية الكريمة هو التكليف أي قبول الأوامر والنواهي
(التشريعات الالهية)
بشروط هي: إن أدى الانسان ما أمر به من عبادات وطاعات كالصلاة والصيام والزكاة
وامتنع عن ما نهي عنه من فواحش كالقتل والسرقة والزنا وقطيعة الرحم أثيب جنّة عرضها
السموات والأرض. وإن خالف ذلك عُوقب بنار لا تنطفي فقبل التكليف، على ما به من ضعف
وجهل وظلم لنفسه ولغيره، وتعهّد بأداء الفرائض وتجنّب المحرّمات. بينما فزعت السموات
والاراضين والجبال وغيرها من المخلوقات الضخمة خوفا ورهبة وجزعا أن ينالها عقاب الله الجبّار.
تعنى الأمانة أدى الحقوق إلى أصحابها وأولها حق الله في العبادة
دون شريك، ثم حقوق الوالدين فالمجتمع على صور مختلفة وأعمال مبرورة
كصلة الأرحام ( من بر الوالدين) وتنفيذ شروط العمل وتقديم النصيحة
وعون المحتاج ومنع الإساءة وترك الغيبة والنميمة، ففعل النقيض خيانة
يقول الله سبحانه وتعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
سورة الأنفال آية رقم 27
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم :
(إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها ؟
قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)

رواه البخاري
وفي الحديث تحذير شديد من تفشّي الخيانة وضياع الأمانة التي يترتّب عليها مقت الله
وإذا أراد سبحانه وتعالى تعجيل عقوبة العصاة أوكلهم إلى سيء الأخلاق، قال سبحانه وتعالى:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}
سورة الإسراء آية رقم 16
قال المفسّرون: أمرهم بالطاعة فعسوا. ولا شك أن من عصى قد خان العهد والأمانة.
ولعل الناس قد اضاعوا الأمانة في عصرنا من حيث لا يشعرون، وأباحوا لأنفسهم ما حرّم الله
فهذا الرئيس يخون أمانة مجتمعه ويوظّف أقاربه وأرحامه على غير وجه حق مقصيا الأجدر منهم بالوظيفة
وهذا المسؤول يمنح أخاه قطعة أرض لا يستحقها من أرض الدولة وهذه السكرتيرة وفّرت لقريبها علاجا خارجيا
وفي افخم المستشفيات من غير بأسٍ شديد، على حساب الدولة وهناك من هو في أمس الحاجة
إلى ذلك العلاج، وهؤلاء طلاّب نالوا مقاعد دراسية في الجامعة بالغشِّ في الامتحانات
وحُرم المستحقّون تلك المنح عن جدارة بسبب فارق الدرجات، وهذا الشّاب يلحّ في طلب عونٍ
من الديوان، ثم يسافر بذلك المبلغ للسياحة والترفيه، حارما أسرا معدمة من ذلك المال
وهؤلاء رجال قد استخرجوا رخص صيد السمك والغوص وهم ولا يعملون في هذه المهن مطلقا
فإذا قسمت وزارة الزراعة والثروة السمكية معدات صيد على الصيادين
أو تعويضات على الغوّاصين حضر اولئك الطماعون ثم باعوا نصيبهم بثمن بخس
في الوقت الذي حرموا محتاج من تلك المعدّات، وهؤلاء الرعاة قد بادروا إلى بناء حظائر عشوائية
في خطوة استباقية، طلبا للتعويض، وهذا يفتعل لوحة شركة يستخرج على أثرها فيزا وتراخيص عمالة
يبيعها ثمّ يترك العمّال الوافدين يتدبّرون امورهم مقابل مبلغ يستلمه منهم شهريا
وهذا المنسّق يحجب انتاج الناس الفكري ويظهر فقط انتاج معارفه ولو كان غثا
وهذا المدير لا يظهر التعميمات إلاّ بعد عرضها على قبيلته واكتفائها وانتقاء ما يحلوا لها.
وهذه المعلّمة تتعمّد اضعاف مستوى الطالبات لتجبر ذويهن على طلب الدروس الخصوصية
وهذا الطبيب يوهم الناس أنّهم مصابون بأمراض لا يمكن علاجها إلاّ في مستشفاه الخاصّ
وهؤلاء القوم قد أجمعوا على تزكية مرشح بعينه بسبب عرقه مع انعدام كفاءته، وهذه الزوجة
تصرف في استهلاك الموارد ليبقى زوجها في حالة فقر دائم، والأمثلة كثيرة ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم
جميعهم خائنوا الأمانة، ويحسبون أن هذه الأفعال حذاقة وفطنة، ونسوا أن من ورائهم حساب وعقاب
وصدق الله العظيم إذ يقول:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا
(105)
ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}
الآيات من سورة الكهف
إن الأمانة فرض في إتقان العمل وحفظ النفوس والأموال والأعراض
وأداء الحقوق والقيام بالواجبات على أكمل وجه وبطيب نفس
تقرّبا إلى الله تعالى. ومتى ضاعت الأمانة ضاع كل شيء جميل.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)
رواه الإمام أحمد والبيهقي




رد مع اقتباس