عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 06-09-2012, 10:08 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...مما اتفقَ عليه نقادُ الشعر العربي-أخي الحبيب سالم-في حركةِ النقد الحديثة-وبصرفِ النظر عن موازينهم الشعرية المُطـَّـردَة في تقدير القِيَم الفنية والجماليةِ ومدى تأثيرها في الذائقةِ العربية المعاصرة-أن أميرَ الشعراء أحمد شوقي رحمه الله-بمعيةِ حافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وشاعر القطرين خليل مطران كانوا النواة الحقيقية لما اصطلَحَ عليه النقادُ العربُ المعاصرون بـ ( مرحلة الطور التجديدي الإحيائي للشعر العربي ) أو التي يُسميها الأستاذ الناقد الكبير حنا الفاخوري بـ ( طور النهضة الحقيقية للشعر العربي )،وهو الطور الذي تبلورَ ابتداءً في شعر محمود سامي البارودي رحمه الله قبل ذلك..ثم جاء شوقي ليأخذ امتدادَهُ الحقيقي...

شوقي رحمه-كما وصفه محمد مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في رائعته الفذة ( وحي القلم ) ج 3 ص : 415 بأنه-هو الرجلُ الذي يُخيَّلُ إليَّ أن مصرَ اختارتْه دون أهلِها جميعاً لتضعَ فيه روحَها المتكلم،فأوجبتْ له ما لم توجبْ لغيْره وأعانته بما لم يتفقْ لسواه،ووهبتْه من القدرة والتمكين وأسباب الرياسة وخصائصها على قدْر أمةٍ تريدُ أن تكون شاعرةً،لا على قدْر رجل في نفسه ؛ وبه وحدَه استطاعتْ مصرُ أن تقولَ للتاريخ : شِعْري وأدبي..!!

شوقي-والكلامُ دائما للأستاذ الرافعي-هذا هو الاسم الذي كان في الأدب كالشمس من المشرق : متى طلعتْ في موضعٍ فقد طلعتْ في كل موضعٍ،ومتى ذكِرَ في بلَدٍ من بلاد العالم العربي اتسَعَ معنى اسمِهِ فدَلَّ على مِصرَ كلها كأنما قبْلَ النيل أو الهَرَم أو القاهرة،مترادفات لا في وضعِ اللغةِ ولكنْ في جلاَل اللغة..!! اهـ

ـ قصيدة ( خدعوها... ) من قصائد التهميز التي نبَغَ فيها شوقي في ( شوقياته ) التليدة إلى جانب ( وُلِدَ الهُدى )،وهما-خصوصاً الثانية-من سموق الأداء وحبكة النسيج وفخامة اللفظ ومرونة المعنى ورقة الإيحاء وجلال المغزى ما لا يجرؤ شاعرٌ آخر غير شوقي على تفجير رقراقه العذب في الذائقة..وربما كان لنقادنا الكبار-كالأستاذ العقاد مثلاً-آراءٌ متباينة في شعره إلا أن لشوقي رحمه قصائدَ تأتمُّ الهداة ُبها،كأنها عَلمٌ في رأسه نارُ..!!

أحبُّ هنا أن أميط اللثامَ،تعميماً للفائدةِ أحبتي الأوفياء-وبعد إذن أخينا وحبيبنا الأستاذ سالم الوشاحي-عن نظرةٍ نقديةٍ خاطفةٍ لهذه الرائعة ( خدعوها بقولهم حسناءُ... ) وهي لأديب البيان العربي المعاصر محمد مصطفى صادق الرافعي...

ولنعُدْ مرة أخرى لـ ( وحي القلم ) ج 3 ص : 428...

كتبَ رحمه اللهُ-في سياقٍ طويل حول استحسانه وإكباره لنبوغ شوقي في توليد المعاني والدفْع بها من حُسْن الأصل إلى حُسْن أرقى-(( ...انظرْ أبياتـَه التي نظمَها في أول شبابه وسِنه يومئذٍ-23 سنة-على ما أظن،وهي من شعره السائر :

خدعوها بقولهم حســــــناءُ ** والغواني يَغرُّهُنَّ الثـــناءُ
ما تراها تناستْ اسمي لما ** كثرتْ في غرامِها الأسماءُ
إن رأتني تميلُ عني كأنْ لمْ ** تكُ بيــني وبيـــــنها أشياءُ
نظرة ٌفابتسامة ٌفســــــــــــلامٌ،فـكــــــــلامٌ فمَـــــوْعِدٌ فلقاءُ

دَعْ غلطتـَهُ في قولِه ( تميلُ عني )،فإنَّ صوابَها : ( تمِلْ ) ؛ إذ هي جوابُ إنِ الشرطية ؛ ولكنْ تأملْ كيفَ استخرجَ معانيه..وأنا كنتُ دائماً مُعجَباً بالبيْتيْن الثاني والرابع،لاَ إكباراً لمعناهُما،فهما لا شيءَ عندي،ولكنْ إعجاباً بموهبةِ التوليد،فإنه أخذ البيْت الثاني من قوْل أبي تمام :

أتيْتُ فؤادَها أشكو إليه ** فلمْ أخلصْ إليه من الزحامِ..!!

فمَرَّ المعنى في ذهْن شوقي كما يمُرُّ الهواءُ في روْضِه،وجاء نسيماً يترقرقُ بعدما كان كالريح الساقية بترابها ؛ لأن الزحامَ في بيْت أبي تمام حقيقٌ بسوق قائمةٍ للبيْع والشراء،لا بقلبِ امرأةٍ يُحبها،بل هو يَجعَلُ قلبَ المرأةِ شيئًا غريباً كأنه ليسَ عضواً في جسمها،بل غرفة في بيْتِها..!!! وقد سبقَ شاعرُنا أباتمام بمراحلَ في إبداعه وذوقه ورقته..

والبيْتُ الرابعُ من قول الشاعر الظريف :

قِفْ واستمع سيرة الصَّبِّ الذي قتلوا ** فمات في حبهم لمْ يبلغ الغرَضَـا
رأى فحَبَّ فسامَ الوصْلَ فامتنعوا ** فرامَ صبراً فأعيا نيْلـَهُ فقضـى

وهذه (( فاءاتٌ )) تجُرُّ إلى القبْر ونعوذ بالله منها..!!!
)) اهـ

ممنونٌ لكَ-أخي الحبيب الأستاذ سالم –أنك شنفتَ مراهِفَ ذوائقِنا الظمآى اللهفى لمثل هذه الروائع التي انقدحتْ بها قرائحُ الكبار..وشكرَ اللهُ للإحبة الذين أدلوا بدلائهم حول حواشي القصيدة ومناسبتها..ودام الجميعُ ذخراً وذخيرة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!

رد مع اقتباس