عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-03-2013, 05:17 AM
الصورة الرمزية سالم الوشاحي
سالم الوشاحي سالم الوشاحي غير متواجد حالياً
إداري سابق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,853

اوسمتي
وسام أجمل الردود وسام الإدارة درع الإبداع وسام الإبداع مميز السلطنة الأدبية وسام التميز 
مجموع الاوسمة: 6

افتراضي السخرية من أدب اليأس

محمد إسماعيل زاهر

لا يملك قارئ كتاب “أساتذة اليأس، النزعة العدمية في الأدب الأوروبي” لنانسي هيوستن إلا إعادة التفكير في ما أطلق عليه خلال خمسينات وستينات القرن الماضي الأدب الوجودي الذي تجلى في كتابات احتلت الساحة العالمية آنذاك وترجمت إلى معظم اللغات وأثرت في الآداب الأخرى، كتابات تناولت أزمة الإنسان الأوروبي وسؤال المصير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كتابات عبرت عن القلق والتمرد واتسمت كثيراً بالسوداوية والكآبة، كتابات تعود هيوستن بجذورها إلى فيلسوف التشاؤم أرثر شوبنهاور وتمتد بها إلى الفريدا يلينيك مروراً بأبرز أعلامها: سارتر وكامو وبيكيت وسيوران وامري كيرتيش .



إعادة التفكير هنا تكتسب مشروعيتها من خلال محاولة هيوستن قلب المعادلة التي على أساسها ازدهر هذا الأدب وانتشر، فهذه الكتابات ارتبطت بظروف أصحابها الخاصة وحياتهم الشخصية بالدرجة الأولى أكثر من ارتباطها بأسئلة إنسانية إطلاقية صالحة لكل البيئات والمجتمعات، كما روج متابعو هذا الأدب دائماً .



ترصد هيوستن في كتابها سير الأعلام السابقة الإشارة إليهم، لتؤكد أن معظمهم عانوا في طفولتهم حياة قاسية تميزت بالجفاف العاطفي، والكثير منهم فشلوا في العيش في أسرة مستقرة . هم كارهون للزواج والإنجاب وبعضهم تعرض للسجن والاعتقال، والبعض الآخر أصيبوا بخيبة أمل في تجاربهم العاطفية، تميزوا بالأنانية المفرطة في علاقتهم بالآخرين، فضلاً عن الانعزال والتوحد، والرجال منهم أشاعوا الآراء السلبية والمحتقرة أحياناً للنساء، وحتى الفريدا يلينيك روجت لتلك النظرة عن بنات جنسها، وعلى هذا الأساس تحلل هيوستن التبشير بالأسوأ في أدب كيرتيش والرغبة في تدمير الذات عند يلينيك، وتسخر أحياناً من مقولات تشدق بها البعض للتعبير عن مأساوية الوجود الإنساني نقلاً عن بيكيت “ولادتي كانت خسارتي” .



إن الإقبال على هذا الأدب في مجتمعات صناعية استهلاكية كان وسيلة للهروب من الإحساس بالذنب الذي هيمن على الغرب في القرن العشرين، قرن العنف، ولكنه لم يكن يوماً معبراً عن الإنسان ورغبته في الخروج من الطرق المسدودة كافة، تلك الرغبة الأبدية التي كلما تماس معها الأدب اتسم بالحياة وكُتب له الاستمرار والخلود .



يحتفي كتاب هيوستن بالحياة والأهم أنه ينتقد بل ويدين كتابات حصل أصحابها على جائزة نوبل وبعضهم اتسم بالعنصرية تجاه الأغيار، ومن قرأ رواية “المستبعدون” ليلينيك يسأل كيف فازت هذه المرأة بكل ما تمتلئ به روايتها من كراهية بالجائزة الأبرز في العالم؟ والكتاب يصلح لقراءة أخرى توضح العوامل التي تتحكم في تشكيل الذائقة الأدبية ويتسم بنزعة نسوية واضحة تحتفي بالمرأة، والأهم تلك المعلومات المستفيضة عن الجوانب الشخصية للأدباء موضع التحليل، وكلها حقول بحثية لم نلتفت إليها حتى الآن .


جريدة الخليج
رد مع اقتباس