عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 03-08-2016, 09:30 PM
عباس العكري عباس العكري غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
الدولة: البحرين
المشاركات: 72
Exclamation

هي قراءة من عدة قراءات، وهذا ما قرأته، فالنص لم أحلله منذ تمّ طرحه لأول مرّة فأردت أن أعي ما يريد القاص أن يقوله، فالنص لكثافته وانزلاقة تأويله، ربما أحجم عنه الكثير لما يشكله من رائعة تحتاج للبصيرة واليقظة..

قصة قصيرة جدا (يقظة / القاص الناقد المغربي الفرحان بوعزة). 1 تدحرجت صخرة كبيرة من الجبل غريبة الألوان، رست أمامي. حملتها مدة على كتفي، طفت بها بين دروب القرية، الناس يشيرون، يبتسمون.. 2 ليلا ارتج الجبل، ولمّا أبصر النهار، التقط كل واحد صخرة باسمه. وقفوا صفا وبصرهم على لسان الميزان .. جاء دوري، طفل صغير شد يدي وقال: "فات الأوان يا عمي". يوحي عنوان القصة: "يقظة" بالانتباه من الغفلة، والتركيز الذهني لما يدور حولنا، وما نقوم به من أفعال في هذه الحياة، و "يقظة" اسم نكرة جاء للشمول والعموم، بخلاف تعريفه بأل أو بالإضافة فإنه سيلزم التخصيص والتعريف، ولذا فإنّ القاص" الفرحان" أجاد تنكير العنوان ليشمل اليقظة من الغفلة بأنواعها في جميع الأزمنة ولكل التصرفات شاملا البشر بطبقاتهم. فعنوان القصة "يقظة" مرآة ناصعة للحقيقة الحتمية وهي حشر الأعمال وعليه فكل قاريء سيرى من خلال هذه القصة أعمال نفسه ليستيقظ وينتبه من غفلته ويعي ما حوله. هي قصة نفسية ذاتية، فيها لمحات اجتماعية، من منظور ثقافة دينية غيبية، بفنية جمالية، لما سيحصل عليه الإنسان من يقظته والتفاته لما سيجري في نهاية مطافه في الحياة في قريته أو مدينته أو أينما حل وارتحل، من وزن لأعماله القولية والعملية وخلجات النفس يوم يحشر.ببداية مركزة لحدث عميق الخيال، يحفز "الفرحان" القاريء على أن يستمر في حكايته، من خلال سرد يثير الحكي ويشد الانتباه لينير فيه السارد أهمية اليقظة فيشد اهتمامنا أكثر نحو ترك الغفلة عندما تتدحرج أمامنا في هذه الحياة الفانية لحدث كبير قادم لنا كالصخرة المتحرجة من جبل، هو نتاج سلوكنا، فنشعر بثقل صخورنا من تلك الأعمال فنحملها معنا فوق كتفنا، بل ونطوف بها في أنفسنا دونما رغبة بتسميتها لنا، فمن ذا الذي يريد صخرة ثقيلة من أعماله المتجسدة! ذلك العمل الغريب عن تصرفات العقلاء، فنشعر أن تلك التصرفات ليست منّا بعد أن كنّا غافلين غير متيقظين لها، ممّا يجعل الآخرين يضحكون سخرية من تلك الأعمال الغريبة الألوان وخاصة التصرفات القبيحة منها، ولكنهم يبتسمون حينما يرون الأعمال الصالحة، إنّنا نغفل حيث تتراكم لحد يفوق الجبال ضخامة، ولابد أن نحاسب عليها بميزان لن يغادرها أبدا، وحينها فات الأوان على الرجعة ولم تنفعنا اليقظة. يبدأ القاص افتتاحيته بالفعل الماضي "تحرجت" للدلالة على السرعة والضخامة من أعلى لأسفل، فالجبل والصخرة والميزان، كل منها كلمة لها إشارة خارجية وداخلية تدل على حسن استخدام المفردات في محلها بوعي وليس اعتباطا، لتجعل الإنسان يشعر بخطورة غفلته. حيث يقول الملفوظ السردي:"فات الأوان يا عمي". هي غفلة ممن يعي وانتباهة من طفل لم يع الحياة! هي النفس الطفولية البريئة وتلك النفس الغافلة. شخصيات متناقضة فبالأمس: "يشيرون، يبتسمون" وأمّا اليوم فهم يقفون ويلتقطون أحجارا بأسمائهم لوزنها. القصة كفلم قصير من مشهدين حيث يبدأ بتدحرج الصخرة وينتهي بوزنها. إذن محور القصة هي الصخرة الغريبة الألوان التي تتكفل أكتافنا بحملها والطواف بها ومن ثم نقوم بوزنها. هي أعمالنا التي تراكمت كالجبل، بمرور نهار فيه ميزان الصخرة من عمل طيب، و زمن حلول الليل بعمل سيئ، تراكمت فيه حتى تشكلت حملا على كتفنا نطوف به، ليوزن بالثواب أو العقاب يوم نحشر. القاص ينمّي فينا عبر "يقظة:" غفلة" فيها الفكر والإحساس والشعور، لجبل الأعمال المتكون من صخور أحداث لم نتيقظ لها بل غفلنا وحان ميزانها يوم الحشر.
__________________
رد مع اقتباس