عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 25-03-2013, 11:15 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي حكاية شعبية

أبو البنات السبع
الجزء الثامن

في أثناء إستِجواب ساعِدة , كانت أمهُ قد تعافت, وأرادت أن تتدخل
لِصالِحِ إبنها, لكن القاضي أراد أن يمكر بهم جميعا, فطمأنها قائلا :
لا عليكِ أم ساعِدة, ما دُمتم تنكرون, فلا حُجّةَ لنا عليكم ...
ثم إن القاضي تشاغل بقضايا أخرى, وكان مُرادِهِ, أن يُباغِت
ساعِدة بِسؤال مُباشِرٍ, يذهله, و يكشِفُ كذِبه, ويضع الحُجّة عليه
وكان يلتِفت إليه بطرف خفي بين حين وآن, لكي يراه حين يغفِل
وفجأة, صاح القاضي بصوت مُخيف :
لماذا كنت تضرب حمار عمِك, عندما سرقتُهُ يا ساعِدة ؟
إنخلع قلب ساعِدة من الخوف, وأرتبَكَ , فردّ مُدافِعاُ عن نفسه :
لم أُكن أضربه, أيها القاضي, بل سٌقته إلى الزريبةِ بِرِفق ولين
قال القاضي بحزم : فأنت قد سرقت الحِمار, بأمرٍ من أمِك ؟
نفى ساعِدة : لا ياسيدي, لم تأمرني أمي بِذلك
قال القاضي: فمن أمرك إذن ؟
بكى ساعِدة, ثم سَرَدَ كل ما دار بين أبيه و بين العيار
وما إتفق عليه هو وإخوته
فقال القاضي : سنُصليّ الظُهر, وبعد الصلاة, نصدر الحُكم المناسب
علت أصوات الناس في المجلس قبل دُخول القاضي, فلمّا وصل
سكت الجميع, وحين أخذ مكانه, إشرأبت إليه الأعناق ...
فأستدعي القاضي أبا ساعِدة
فلما وقف أمامه قال له : لقد كنتَ تُنكِر الحق
وأنت من حاكَ خيوطَ هذه المؤآمرة الدنيئة, وأراد الله كشف لؤمك وخُبثك
وسوء طويتك, ففضحك حمار على رؤوس الملاء, وأنت تُنكر وتكذب
ونطق إبنك بالحقّ دون إكراه منا, وكان قد جحد وأنكر, تماما كما أنكرت أنت قبله
وبِناء على ظُلمِك, وكذبك, أحكُم عليك, بالحبس شهرين مُتتاليين
وأن تدفع مبلغ مائة دينار إلى أخيك, عقوبة لك على الكذِب والتآمُر ...
كما أحكُمُ على إبنك بالحبس ثلاثة أشهُرٍ, وغرامة مبلغ
خمسين دينار, عقوبة له على سرقة الحمار, والكذِب على المحكمة
عندما سمِع ساعِدة الحكمَ, أخذ يعدو نحو أمهِ وهو يبكي وينتحِب
قال القاضي : كما أحكم على أم ساعِدة بالحبس سنة, ودفع مبلغ الف دينار إلى الصياد
عقوبة لها على الإعتداء بغير حقّ, والإستهتار بارواح الناس, والبغي عليهم
وحين سمعت ما نطق به القاضي, وقعت مغشِيا عليها ...!
فعالجتها النساء الحاضِرات, حتى عادت إلى رُشدِها
فأخذت تصيح, وتُولوِل, وتلطم خديها وتحثو التراب على رأسها ...
فرق لها إخوتها, وبعض الوجهاء والشيوخ, فسعوا لها عند أبي البنات السبع
ورجوه أن يتنازِل عن حقه في حبس أم ساعِدة
على أن تُعوِضه بمال جزيل, فوافقهم, ثُمّ ذهبوا إلى القاضي وأعلموُه بالتسوِية
وتوسلوا إليه أن يعفي أم ساعِدة من الحبس, على أن تدفع مبلغا مرضيا
من المال لأبي البنات السبع تعويضا له, ولِجبرِ خاطِره
فألزمها القاضي بدفع مبلغ الفي دينار نقدا
فقالت وهي تنتفِض من الهلعِ : سأدفع ... سأدفع حالا
أما أبو ساعِدة فقد إكتفى بلطم وجهه, وهو يقول : أنا أستاهِل ... أنا أستاهِل
ثم قام إلى أخيه يُقَبِل رأسه, ويرجوه أن يشفع له عند القاضي, لكي لا يُحبس
فقال أبو البنات السبع للقاضي :
أرجوك يا سيدي أن تُعفي أخي من الحبس !!
فأُعجِب كل من حضر, بِشهامته وحُسنِ خُلُقُهِ, فقال له القاضي :
قد وَهبنا لك حبس أخيك وإبنه ...
فصاح الناس مُهللين, ومُكبرين, وبادروا إلى الصياد يبارِكون له, إنتصافه ممن ظلمه, وبغى عليه
ثم حمله أصدِقاؤه الصيادون على أعناقهم, وزفّوه إلى كوخه, فكان يوما مشهودا
عندما خرج أبو ساعِدة وأهلُه من دار القضاء, تعرّض لهم الصبية
في الطُرُقات, وهم يُعِيرونهم, ويركُضون خلفهم, و يُغنون :
يا سارِقَ الحِمار .... فضحوك في النهار
فزاد غم أبي ساعِدة وشعُر بالذُل يغمُرهُ, فكتم غيظَه وحقده على أخيه
ولم يتدبّر نتيجة الظُلم, ولا عاقِبة الجور
فوصل إلى قصره يغلي من الحنقِ والغيظ, كما يغلي المِرجل
وأخذ يصول و يجول أمام عائلته مقبلا مدبرا, وهو كظيم
فأنتهرتهُ أم ساعِدة قائلة :
كلُ ما أصابني وأصاب ولدي, كان بسبب حماقتِك, وتخاذُلك, وجُبنِك
فصاح أبو ساعِدة مُغضبا : أُسكُتي يا إمرأة, يكفيني ما عانيت
منذ اليوم لفرط غباء وجهل أبنائك المُدلّلين ... !!
فهَاجَت كَوامِنُ الغضَبِ في نفس أم ساعِدة وفقدت السيطرَةَ
على نفسِها, فأطلقت لِسانَها البذيء, يتناول زوجَها بكل نعتٍ قبيح, وصفة مستهجنة
فلم يحتمِل كل ذلكَ القذف والسّب, وأراد أن يبطِش بِها
فأشتَبَكا في عِراكٍ شرِس, ولم يتمكِّن ساعِدة وإخوتُه, من إيقافِ
المعمعة, فعَلت أصواتُهم, وأَقبلَ الناسُ يتفرِّجون, على الزوجين البدينين
بين شامتٍ بِهما, و مُشفِق عليهما
فلمّا تعِب الزوجان, جلسا يلتقِطان أنفاسهما, وما راعّهما إلا وجودُ العشراتِ
من الرِجالِ والنساءِ والأطفال, قد مَلَئوا ساحةَ القصر, فأمرا خدمهم
بطرد المُتطفلين, وإخراجِهم, ثم سكنا حين سمعا نِداء صلاة العصر
ولكن أم ساعِدة لم يطِب خاطِرُها, وقد حُشي جوفها حقدا وحنقا
فقالت متوعدّة, قبل أن تنصرِف :
لسوف أرى بسالتك, وقُوتَك وبأسك غدا, حين يأتي إخوتي ويفتكون بِك
في ذلك الوقت, وبعد إنصراف المُهنئون, كان أبو البنات السبع
يُشاورُ بناتّهُ, في ما يجِب فعله بالنُقود الكثيرة, التي صارت في أيديهم
فقالت إبنتاه سعادٌ وسعادة :
نُحب يا أبي, أن نشتري بناجر الذهبٍ, وخواتم العقيق, وسلاسل الفضة, نتزَيِّن بها
وقالت مِسِعدة : أنا أشتهي تختا من الألبسة المُزركشة, وقوارير المسك الأذفر
فكان أبوهُنّ يقول : حسنا ... إن شاء الله ...
بينما كانت سعدية و سعيدة ترغبان بالكثير من الطعام ...!
ظلّت سُعدى و سعدة صامتتان
فقال أبو البنات السبع وهو فرحان سعيد :
وأنتما أيتها الحبيبتان, فيما ترغَبَان, وماذا تتمنِيان, فأحضره في الحال ؟
قالت سعدة : أنا أتمنى ما يرضيك, وما يُسعِدُك, وليس لي مطلب ثان
فهشَّ لها أبوها, وقبّلها على جبينها
ثم إلتفتَ إلى صغرى بناته, وقال لها :
فيما يُفكِر عقلكِ الماكر, يا حُلوتي ؟
فقالت بنبرةٍ جادة : أرى يا أبي أن لا نضيع هذا المال في الترَف
وأن لا نُنفقه على الملذّات والشهوات ... فصاحت أخواتُها مُعترِضات
ولكنها إنتهَرتهن قائلة : صهٍ ... أيتها الغافِلات, سوف يكون لكنّ ما أردتن
ولكن يجِب علينا أولا, أن نسعى لإنماء هذا المال ...
فسألتها سعيدة : وكيف ذلك ؟
قالت سعدية : تُريد سعدى أن ننتظِر, حتى يلِد المالُ صِغاره !!
فضحِكت أخواتُها
وقال أبوهن : صبرا يا بُنياتي, ودعنها تُفصح عن رأيها
هيا يا أبنتي الحكيمة تكلّمي, إنّ رأيُك دائما سديد ...
قالت سعدى : الرأى أن تشتري سفينة كبيرة, ثم ترافقكَ في كل يوم
ثلاثة منا حين تذهب للصيد, فيزيد رزقُنا, ويكثُرُ مالُنا, حينها تشتري لهن ما يتمنين وما يشتهين
فأشرقَ وجهُ أبو البنات السبع بِشرا, وتهللت أساريره حبورا, وأخذ يدعو لها قائلا :
حفظكِ الله يا أبنتي, ولا حَرَمني من رجاحة عقلك, ولا من جودة تفكيركِ وذكائكِ
ثم أتّفقوا على أن يخرج أبوهن غدا صباحا, لِلبحث عن سفينة, وشرائها
بينما باتَ أبو ساعِدة ليلته تلك خائفا يترقّب, لم يهنأ له بال !!
ولم يغمُض له جفن, فليس له ناصر, ولا مؤيِد, يقف معه أمام أصهاره
وقد أضاع نصيره الوحيد, وهو أخوه
ويعرِفً طُغيان أصهارهِ, وخِيانة أبنائه, وخُبث زوجتِهِ, ولؤم خدامه
وحين أصبحَ الصباحُ سمعَ قرعا خفيفا على باب غرفته
فأصيب بالهلعِ, وخشي العقوبة, فوقف على العتَبة, ثم سأل بصوت مرتعش :
من على الباب ؟
يتبع ...
إن شاء الله
حكاية في رواية
رد مع اقتباس