عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 13-03-2013, 09:04 AM
رحيق الكلمات رحيق الكلمات غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: في قلوب أحبتي أحيا بصمت
المشاركات: 2,212

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناجى جوهر مشاهدة المشاركة
حكاية شعبية
أبو البنات السبع
الجزء السادس

وما إن أحس الحمار بحركة الباب حتى رفس رفسة مهولة بكلتا قدميه
وخرج يهرول مذعورا, وقد تلبَّسه الجن, وهو ينهق نهيقا مُنكرا متواصلا
فلقد حبسه ساعِدة وإخوته الأغبياء في مكان ضيق, يقلُّ فيه الهواء
و كاد يموت مختنقا, لهذا خرج وقد أفسد الخزانة ببوله وروثه و قذارته
ووقع أبو ساعِدة على قفاه مُغشيا عليه, وسمِع الناس نهيق الحمار المتواصل
ولكنهم لا يدرون من أين يأتي؟ ثم رآه أحدُهم في غرفة أبي ساعِدة
فتجمّعوا تحت القصر وتزايدت أعدادهم, وهم يتسآلون عما يجري ويدور
وبينما هم كذلك, جاء أحد الصيادين وعرف الحِمار, فصاح بأعلى صوته :
ذاك حِمارُ أبي البنات السبع فهتف الناس :
حِمارُ أبي البنات السبع ... حِمارُ أبي البنات السبع
وأرتفعت أصواتهم, وعلا ضجيجهم, حتى وصل إلى مسمع القاضي
الذي كان مُنتظما في حلقة ذُكر في المسجد, فأرسل من يأتيه بالنباء اليقين
أمّا أبو ساعِدة فما لبث أن إستعاد وعيه, ولكنه كان غير مُستوعب بعد ما
حدث له قبل قليل, و ما زال بصرهُ زائغ, وعقله مُشوِش, وجِسمه يؤلِمُه
وحين عادت إليه نفسه, نظر حوله فشاهد الحِمار واقفا على سريره متحديا
وهو يلتهِمُ فِراشه بنهم, فأذهلهِ وجود ذلك الحيوان في غُرفته, وتبادرت إلى ذِهنِه
أسئلة كثيرة حائرة, ولم يهتدي إلى حُسنِ التصرف, فثار على رِجليه ساخطا ناقما
وصمم على إخراج الحمار من غُرفته بالقُوة, لكّن الحمار نهق مُجدد وأخذ يعدو
ويرفُس بفعل تلبُّس الجن أخوال سعدى, و أبو ساعِدة يطارده من رُكن إلى رُكن
والناس أسفل القصر يتفرِّجون عليهما, وقد زادت نقمتهم و سُخطهم على أبي ساعِدة
وأخذوا يسخِرون من دنائته, وخُبثِه ولؤمه, وشراهة نفسه ...
وهو لم ينتبِه لوجودهم, و لِم يلحظ حُضورهم
كان الحمِار في حالة ذُعر شديد, و أبو ساعِدة في حالة سخط بالغ
فتعقد الوضع, لم يهتدي الحمار إلى الباب ويخُرج, لان الجن كانت تفزعه وتنخسه
ولم يهدأ الرجل ويُخرِجه بالحيلة, فظلا على ذلك زمن كاف لأن يراهما القاصي والداني
وتنادى الصبية, والنساء, والغوغائيون, للفرجة على أبي ساعِدة و هو يُصارع الحمار
وعندما تعِب وخارت قواه, توقّف ليلتقِط أنفاسه, فسمع صيحات الناس وهتافاتهم
وحين أطلّ من نافِذته, شاهد بعيني رأسه الجموع الكثيفة, من الرِجال والنِساء
والصبية, وحتى خادِمه ياقوت وهم يشيرون إليه بأصابِعهم في غضبٍ و إزدراء
ويصيحون بِه, فأرتاع, وسال عرقه خوفا وخجلا وأرتبك إرتباكا شنيعا
وصار في موقف حرِج, أمام الناس جمعيا, فجلس يعضُّ أصابع الندم
وبعد ساعة خرج الحِمارُ من الغرفة, وقد أحدث فيها, ورفس أبا ساعِدة أكثر من مرّة
عندئذ سارع وأغلق النافِذة, ثم جلس مقهورا, مخذولا, لا يدري كيف البصر ؟
ثم تحامل على نفسه, ووقف على باب غُرفته متميزا من الغيظ, ونادى خادِمه
فلما جاء, سأله : من أدخل الحمارا إلى غرفتي يا ياقوت ؟
كتم الخادم تهكّمُه ورد قائلا : لست أدري يا سيدي
قال أبو ساعِدة : فأين كنت يا ياقوت, الست مؤتمنا على قصري؟
والله لئن لم تدُلني على من فعل هذا بي, لأعاقِبنك عِقابا مؤلِما
خرج ياقوت مرتعبا من الخوف, وعرّج على الخدم يسألهم
فقال له أحدهم, إنه رأ ى ساعدة وإخوته وهم صاعدون بالحِمار ظهرا
فعاد سريعا إلى سيده, وأخبره, فقال له : أدعهم إليّ حالا
كان الخادم يعلم أن ساعِدة و إخوته, ما فتئوا يُطِّبِلون و يرقصون في غرفتهم
بينما كان أبوهم يصارع الحمار, ولم يعلموا بما حدث له, فلذلك توجّه إليهم
و قال لهم مبديا سرورا مصطنعا : إن سيدي ينتظِركم في غُرفته
وما إن سمعوا ذلك حتى ألقوا ما في أيديهم
وتسابقوا إليه ركضا وهم يظُنون أنه سُيكافئهم على ما فعلوا
كتم أبو ساعِدة غيظه وسأل أولاده : من مِنكم أدخل الحِمار إلى غُرفتي ؟
فصاحوا جميعا : أنا ... أنا ... أنا ...
فوقف أبوهم منتصبا, وقد إشتدَّ غضبه, وصاح بهم :
صهٍ ... أيها الحَمقى ... ثكِلَتكم أمكم
أنظروا إلى ما فعله ذلك الحمار اللعين بي. أنظروا إلى ما أحدثه في غرفتي
ثم علا صوته, وزاد صُراخه, فسمعته أم ساعِدة وصعدت إليه لتنظر ماذا دهاه
فوجدته قد حاصر أبنائها في ركن الغُرفة وقد زاغت أبصارهم, و أرتجفت قلوبهم
و أنسكبت عبراتهم, وتلعثمت السنتهم خوفا ورُعبا
فهالها ما رأت, وأشتدّ سخطها عليه, فصاحت به صيحة منكرة :
ماذا دهاك يا أبا ساعِدة ؟
فلمّا سَمِع صوتِها خاف وجَبُن, وقال لها متضاحِكا :
هَدَاكِ الله يا أم ساعِدة أُنظُري إلى ما فعلوه, لقد أدخلوا حِمارا إلى غِرفتي
ولمّا أردت إخراجه من غُرفتي, أخذ ينهُقُ بشدة, فأقبل أولئك
الصيادون الفضوليون, ووقفوا تحت نافِذتي, يتفرّجون عليه وهو يرفُسني
فماذا أفعل مع أبنائك المغفلين ؟
قالت غاضِبة : إنّما المُغفِلُ أنت ,و إلاّ لكنت شكرتهم, وقبّلتَ أيدِيهِم !!!
لأنهم إنما أرادوا أن يُعيدوا إليك ما هو لك, أيها الجاحِد !!
ثم خرجت مع أبنائها, تاركين أبا ساعِدة لوحده, يبكي كمدا
وفي المساءِ خرجَ يُريدُ المجيء إلى أصدِقائه التُجار, فلمّا رآه الصِبيةُ,أخذوا يجرون ورأئه
وهم يُنشِدون :
يا سارق الحِمار ... فضحوك بالنهار
فخجِل حِين سمعهم, وعاد أدراجه, قبل أن يزيد عددهم, وجلس وحيدا في بُستانه
يسترجِع الأحداث, وبداء ضميرُهُ يستيقِظ, فأخذ يُعاتِبُ نفسَه
ويلُومَها على ما فعله مع أخيه المِسكين, الذي حَرَمَهُ من حَقِّه في مِيراث أبيهما
وجاهرهُ بالعداوةِ, وأبطن له الحِقد والبَغضاء. وأخذ على نفسِهِ الإنتقاص من شأنه
في مجالسه ومسامِره. وتركه يُكابِد ويُعاني من الفقر المُدقع, ومن شظف العيش
وهو يُعيلُ بناتٍ سبع, وليس لهُ ولد , يُعينه, ويُؤآزِرُه
فأصبح لهنّ الأبَ والأمّ بعد وفاةِ أمَّهُنّ
إنحدَرَت دمعتان من مقلتية, وأدركته الرأفة والشفَقة, وأراد أخذ نفسه على الحقّ
وقهر ما خالط روحِه من بُغضٍ وكراهِية, وحَسَد, وعَزَمَ على إِنصاف أخيه وبناته السبع
لكن هذه الرِقة واللِين وهذا العَطف, لم يلقيا إستِحسانا من نفسه. لأنها خبيثة بِطبعِها
فنازعته أهواؤها, وغلَبته شهواتُها, وقالت لهُ زاجِره :
يالك من أبلهٍ, لماذا ترحم ذاك الفقير ؟!
ولماذا تحنو على بناتِهِ البائسات ؟!
إنه لا يقوى على فعل شيء يضُرَّك أو شيء ينفَعُك
فأنت لك المالُ, ولا مال له
ولك البنين وله البنات
تسكُن قصرا, ويسكُنُ كُوخا, يتودد إليك الأغنياء, ويُحبه الفُقراء !
دعهُ لبؤسِهِ وفقرِه, ولا تغم نفسك بِذِكره, وعِش حياتك كما تُحِب
فإقتنع أبو ساعِدة بهذا المنطق القبيح, ومحى من وِجدانه كلِ آثار الرحمة
وأستبدلها بخِصام فاجِر, وبمُقت فاحِش, ثم هَرَع إلى زوجتِه اللئيمة
يستوحي منها أخبث المكائد

يتبع إن شاء الله
حكاية في رواية
تتناغم حروفك مع جمال سردك وتتابع عنصر التشويق بمهارة فائقة
استوقفني
كثيرا حديث النفس لابو ساعده
فالتركيز هنا ممتاز
فالنفس البشرية حين يسكنها الخبث
يصبح صوت الضمير ضعيفا مهما حاول
تحيتي لك
__________________
رد مع اقتباس