الموضوع: نقض مبدأ القوة
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-01-2013, 11:36 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...تابعتُ-أستاذي الكريم الدكتور فيصل الحداد-نثـَرَاتِ الأفكار التي استقرأتـَها عن مبدأ القوة أو ما نستطيعُ تسميته على وجه الدقة بـ ( سِــرِّ القوة ) المُودَعِ في كينونةِ المخلوقاتِ وفي جـِبـِلةِ الإنسان خاصة...

وقد راقتني كثيراً-سيدي-تلك الاستقراءاتُ المستفيضة عن حقيقةِ القوة..وأسبابها الأزلية التي دفعت بالإنسان أن يَعِي من أول جولةٍ طبيعة ( الشر ) في إيهاب أقنومه الأكبر-إبليس عليه لعنة الله-الذي راحَ يَعملُ على تفعيل شرِّهِ وتغذيةِ مُعسكرهِ-من أمثاله الجن والإنس-بأمداده المسمومة بعدما فلح في تجريع أبينا الأول عليه السلام من زعافِ القطراتِ الأولى..!!

وسأتجاوَزُ هنا هالة التعليق الزائفة التي تأخذ بروْع بعض مثقفينا عند الحديث عن ( فلسفة القوة عند الفلاسفة Forcer lorsque la philosophie des philosophes ) وخصوصا منها هالة الحديث عن ( فلسفة القوة عند الفيلسوف الألماني فريديرك فيلهيلم نيتشه ) التي أودَعَها كتابَه الملحمي المشهور ( هكذا تكلمَ زرادَشت Ainsi parlait Zarathoustra ) تمجيداً للقوة وتسويقاً فلسفيًّا لنظريته المُثيرة ( التكرار الأبدي éternelle répétition )...

ففلسفة القوة عند هؤلاء-واللهِ-لا تساوي عندي أمامَ تراثي الزاخر أكثرَ مما يساويه ثمنُ الحِبْر المُراق في كتابتها..!!!

إنما سنعلقُ عليها بعيون زوايانا الحوراء الصافية..تلك الزوايا التي تمتد من ضيق الدنيا لتشمَل سَعة الدنيا والآخرة...

نعَمْ سيدي الكريم...كانتْ-منذ البدء-الجولة الأولى لتتلوها جوْلاتٌ وصوْلاتٌ (( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) ))...وكان لزاماً-وفقَ مَجرى المواجهة بين الخير والشر..بين الحق والباطل..بين العدل والظلم..بين الاستكبار والمساواة....كان لزاماً-أن تتحركَ ( سُنة التدافع والمدافعة ) في كينونةِ الحياة ونسيجها كما أرادَ لها ربُّها سبحانه وتعالى بالضبط أن تتحركَ في غير مُحاباةٍ أو مجافاة أو مغالاة..!!! (( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ))..(( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )) -الآيات-...

وبين التدافع جذباً وطرداً،يَطـَّردُ ميزانُ ( القوة ) بين القطبيْن النقيضين بحيثُ يأخذ معيارَ البطش والفتك والسفكِ عند معسكر الشر الإنساني ويأخذ معيارَ الرحمة والمرحمة والعدل عند معسكر الخيْر المقابل..يطفو المعيارُ الأولُ كما تطفو الجـِيَفُ على سطح الماء الجاري حيناً من الدهر وردحاً من الزمن يطولُ أو يَقصُرُ،بَيْدَ أن الجرَيان يَجرفُها في النهاية لأن السنن الربانية غلاَّبَة ولا مَجالَ البتة لاستمرار أو بقاءِ الشوارد الشاذة (( أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ))...

وحين تأخذ القوة شكلَ المَرحمة تكونُ أشبَهَ ما تكونُ بأنامل الطبيب الجراح التي تمتد بالمِبْضَع إلى جسد المريض المتورَّم،تثلِمُ فيه طولاً وعرْضاً وربما بتراً وتقطيعاً رحمة ًبه وإشفاقاً..!!!

ألمْ يقلها شاعرٌ حكيمٌ في موقفٍ تربويٍّ حازم :

فقسَا ليَزدجروا ومَنْ يَكُ حازماً ** فليَقسُ أحياناً على مَنْ يَرحَمِ..!!

ألمْ يَصِفْ بها شوقي رحمه اللهُ غزواتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفَ القوةِ العادلة الرحيمة في سيرته العَطِرة..فخاطبَه في ( نهجه على الهمزية ) قائلاً :

الحربُ في حَقٍّ لديْكَ شريعةٌ ** ومن السموم الناقعاتِ دَوَاءُ..!!!

جوزيتَ خيراً-سيدي الكريم-على هذه الإطلالة الفكرية الأدبية الشرعية في الكشف عن بعض أسرار القوة ومعايير السنن الربانية الأزلية الثابتة التي أودعهَا المولى عز وجل في الناس والكائنات..ولا حُرمنا من إطلالاتِكَ هذه أبداً...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 03-01-2013 الساعة 03:24 PM
رد مع اقتباس