الموضوع: العيد قبل عقود
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-09-2016, 09:51 PM
الصورة الرمزية ناجى جوهر
ناجى جوهر ناجى جوهر غير متواجد حالياً
إلى جنات الخلد أيها النبيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: أعيش في سلطنة عمان ـ ظفار ـ مرباط
المشاركات: 3,170

اوسمتي

افتراضي العيد قبل عقود



العيد قبل عقود

قال من شهد أيّام الفقر المدقع:
كنّا أطفال تلك القرية ننتظر العيد بصبر نافذ وأحلام عريضة
تماما كما نترقّب زواجا أو طلاقا أو مراجعة أو نذر أو وصول غائب
أو ما شابه من المناسبات التي يقع على إثرها ذبح شيء من الماشية
وتعمير مأدبة طعام باذخة، إذ الفقر حليف الجميع آنذاك
ودعونا الآن في مناسبة سعيدة كعيدِ الأضحى مثلا
ففي صبيحة اليوم التالي ليوم النحر نرتدي أفضل ما نملك
متجنّبين الأبيض من الثيّاب خوفا من التلوّث ببقايا الشحم والحلويات
فإن غسل اليدين بعد الأكل غير وارد لعدّة أسباب منها:
ـ ضيق الوقت إذ نسعى لزيارة أكبر عدد من البيوت
ـ قد نطرد إذا تجاوز أحدنا حدود الأدب وبخاصة إذا قبّل أدُنا
رأس امرأة ليست بالعجوز ثم قال لها: آعيي تي أي يا جدّتي
فإذا وقعنا في هذا الخطاء حرمنا من فوالة وعيد ذلك المنزل
وخرجنا مذمومين تلاحقنا عبارات الشجب والتوبيخ
ـ ثالث الأسباب تقارب المنازل حينها يصبح الغسل عبثيا
ثم إن الواحد ينسى ما بيده من آثار وفي كل مرة وبعد
يصافح أحدا ثمّ يمسح كفّه على صدره كما يفعل الكثيرون
بقصد البركة أو إظهار التواضع كما أظنّ، فلا يلبث
البياض طويلا حتّى يسودّ.
أمام المنزل المستهدف نرتّب الأدوار، فيتقدّم أصغرنا سنا
أو الأكبر بحسب معرفتنا بأهل الدار, فالناس أجناس
فمنهم من يعطي لوجه الله فهؤلاء يستفتح الأصغر سنا
المعايدة بطرق الباب متبوعا بالجملة الشهيرة:
عِدّ أم بارك أي عيد مبارك
فإذا تلقّى الترحيب والاستقبال اللائق اندفعنا جميعا
إلى الداخل مردّدين كلمة السر عِدّ أم بارك عِدّ أم بارك
وشرعنا في تناول الحلوى واللحم المع جِنْ وغيرهما
وهنا أيضا يجب الإنتباه، فإذا كان أهل الدار أسخياء كرام
تعاملنا معهم بأدب وخلق رفيع لنضمن السماح لنا
بالمعايدة في العيد القادم، أمّا إن لمسنا جفوة وغلظة
أسرعنا في تناول المتيسّر ثم خرجنا محدثين أكبر قدر
ممكن من الإزعاج والأذيّة، وقد يحدث إحتكاك
بين أفراد الفريق الواحد إذا وجد بيننا عضو يمت بصلة
للأسرة المستهدفة، فإذا كان العيد (المأدبة) غير مثير
بالنسبة لنا خرجنا بعد التظاهر بأنا عيّدنا (أكلنا)
بعض الناس يقدّمون لحم مع جِن وخبز مقبقب وتمر فقط
وهي الأصل في عيد الأضحى، فيصيبنا الإحباط
فإن أحب الأعياد إلينا ما أشتمل على النعنع
و(حَلْ وَهْ) الحلوى العمانية، وطبعا أفضل الناس هم الذين
يعطون عِيدِيت (عيديّة) شلنجات وعانات وهي قطع معدنيّة
تساوى الأولى ثلاث بيس والثانية عشر، بالأولى تشتري
نعنع هار ( أبيض حار) والثانية قطعة قشّاط.
كان عدد المنازل محدود، فكنّا
نمر على جميع البيوت خلال اليومين الأولين
وربّما زرنا بعض المنازل لأكثر من مرة بحسب
دماثة خلق الناس ورأفتهم وسعة صدورهم وفخامة مائدتهم
طبعا عيد النهار للرجال وعيد الليل للنساء
وقليل ما يعيّد أحد بعد العصر، إذ أن أغلب الذكور
منتظمين في صفوف الهبّوت أو الزامل التي تقام في ريب داوت
وهو الميدان العام في مدينة مرباط، كذلك النساء والبنات
متجمهرات للفرجة والمشاركة بالزغاريد.
ويستمر الحفل الفنّي إلى أن يحين موعد صلاة المغرب
حينها ينطلق الشباب والأطفال إلى ساحل البحر
في خيسة آ زِيّات، فيؤذن المؤذن وبعد الصلاة نعود
إلى بيوتنا على وقع فن المدار

يتبع إن شاء الله


رد مع اقتباس