عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13-07-2015, 09:09 AM
غدير طه غدير طه غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: At Home
المشاركات: 605

اوسمتي

افتراضي

نعم، كان هناك نص مقاوم عند درويش وإيمان بالفعل المقاوم أيضاً،
إيمان يصل إلى حد الاعتقاد الراسخ الذي يعتبر الخروج على هذه الشاكلة
الشعرية نوعاً من الخيانة المرفوضة.
ومن هنا، فإنني عندما أطرق موضوع الشهداء في الشعر الفلسطيني المقاوم في انتفاضة الأقصى ؛ سائلا عن موقع درويش من هذا المربع ؟
أو أن أتساءل عن سر غياب قلمه عن متابعة أعلام المقاومة الكبار
الذين سقطوا شهداء ومثلوا- لشعبهم- رموزا كبيرة كالشيخ ياسين والرنتيسي وجمال منصور وأبو علي مصطفى وثابت ثابت؟
فان هذه المطالبة النقدية هي بحد ذاتها قراءة جديدة الجدلية التشكيل السياسي
في قصيدة الشعر المقاوم عند محمود درويش .

ولعلي أسارع إلى القول هنا ، بأن مفصلا تاريخيا هاما قد غير مسار التجربة الدرويشية
من مسارها الإلزامي الجمعي ، إلى عالم الانفرادية الإبداعية في بناء الهالة الشعرية الجمالية
دون الالتفات إلى رغبة الجمهور الدرويشي الذي كان دائما في حالة ترقب لجديد القصائد الدرويشية الثائرة
المدغدغة للأحلام الثورية السابحة.

وقد يحاول دارس أن يبرر هذه الانزوائية الإبداعية في تجارب درويش الأخيرة- كما لوحظ في كثير من الدراسات النقدية المواكبة لتجارب درويش الأخيرة
- زاعما أن النص الدرويشي أسمى من أن يقع تحت دائرة النقد السياسي؛
فالرجل من أهل بدر الذين يقال فيهم:
افعلوا ما شئتم فقد غفر الله لكم .

ولو أن النقاد سلموا بهذا الافتراض السلبي ؛
فان ذلك سيوقعهم في إشكالية القراءة النقدية
حين تبدأ عملية التفريق بين أديب وأديب ،
احدهما له حصانة تحميه، والأخر لا مكانة له تقدمه
فيرفض الأول وتستباح ساحته؛ لأنه من عامة الناس،
وتقدس ساحة الأخر ويغفر ذنبه، لأنه من علية القوم.

ولا اسمح هنا أن افهم على أنني افترض تجريما مبدئيا لمن نال شهرة ؛ حاشا لله
فذلك ظلم لا أضن به ، فانا أحاول – هنا- أن أقرر حقيقة نقدية في منهجية التناول النقدي
دون النظر إلى صاحب النص ، فان أحسن-في رأيي – كان له علي الثناء وان اعترضت على شيء ؛
فذلك رأي نقدي أقدمه في معرض القراءة لا غير
ومن هنا استطيع أن أقول :
لا يستطيع درويش أن يتناول الفعل المقاوم بواجهته الإسلامية التي تقود معركة التحرر بين ترهات العهد القديم المزورة
وحقائق الإسلام المزلزلة؛ وهو النقيض المباشر لهذه الصحوة؛
فإذا كان الوطن يعني عبق الشهادة فلا مكان لدرويش في هذه المعادلة،
وإذا كان الشهيد هو احمد ياسين؛ فان الحدث لن يعنيه ؛
لان الكتابة عنه تعيق فرصة التتويج
وتؤخر جوائز عالمية كثيرة ينتظرها الشاعر .

ومن هنا، فقد كان التناقض في الانتمائية الدرويشية لقصيدة المقاومة
حين تعارضت تلك القصيدة مع بطولات الإسلاميين؛
فعزف عنها بطريقته الخاصة
درويش ومشهد الضحية الطروادية
من خلال التصور السابق للمنهج الدرويشي في تناول القضايا الوطنية والإنسانية،
لن أتوقع الكثير في قصائد درويش الأخيرة ،
ولا اقصد هنا الكثير من الفنية ،
بل الكثير من الانفرادية التصويرية لنموذج الشهيد الفلسطيني المناضل ،
حتى قصيدة "محمد الدرة"، لم تكن مصدر طمأنينة لدرويش
بل كانت هماً فرضته حاجة الجمهور المراقب.

يقول الناقد نبيل أبو علي :" على الصعيد الفلسطيني حاول شاعرنا الفلسطيني الكبير محمود درويش أن يساير المرحلة،
ولكن للأسف لم يفلح في تجسيد مكانته الإبداعية في قصيدته للطفل محمد الدرة،
حيث جاءت القصيدة أقل بكثير من نظائرها فيما كتب عن الشهيد الطفل محمد الدرة
الذي استشهد في حضن والده، كما أن عددًا من الشعراء الكبار الفلسطينيين لم نسمع صوته،
وكأنه ما زال منبهرًا بما حدث، وقد ينتج ويبدع فيما بعد إذا استوعب وخرج من حالة الانبهار"

ومن هنا أجد أن قصيدته في محمد الدرة جاءت معممة – في رأيي - لا تذهب مع دلالات المشهد الدموي في انتفاضة الأقصى المباركة ،

يقول درويش :

محمد ..

يرى موته قادماً لا محالة

لكنه يتذكرُ فهداً رآه على شاشةِ التلفازِ

فهداً قوياً يحاصرُ ظبياً رضيعاً

وحينَ دنا منه لم يفترسه

كأنَ الحليبَ يروضُ وحشَ الفلاةِ

إذن سوفَ أنجو .._ يقولُ الصبيُّ _ ويبكي ..

فإن حياتي هناك مخبأة في خزانةِ أمي ..

سأنجو .. وأشهدْ..

محمد ..

ملاكٌ فقيرٌ على قابِ قوسينِ من بندقية

وجهه كالضحى

واضح قلبه مثل تفاحةٍ

كانَ في وسعِ صيادهِ أن يفكرَ بالأمرِ ثانيةً

ويقول : سأتركهُ ريثما يتهجى فلسطينه دونما خطأ..

سوفَ أن أتركه الآن رهنَ ضميري ..

وأقتله في غدٍ عندما يتمردْ

محمدْ .."

هذه الصورة النمطية للشهيد الطفل ؛
الشهيد الذي ينتظر حتفه القدري الموعود تحت معادلة الظلم القسري في غابة التعطيل الكلي
لضمير الإنسانية المفترض ، لتبدد طموحا يحدد معالم الصورة النمطية التي اختارها درويش لقصيدته
في عفوية فرضتها الطبيعة الإنسانية
لموضوع القصيدة في شخصية محمد الدرة ، وذكاء في قدرة فنية عالية من شاعر كبير استطاع أن يعفي نفسه من اشكاليات سياسية كان يمكن أن تلاحقه
لولا خصوصية الحدث وبراءة الشخصية
التي تناولتها القصيدة ولعل أكثر الأمثلة توصيفا لاختيارات درويش من صفحة الشهداء ما نراه في ديوانه - حالة حصار-" الذي صدر مع السنة الثالثة للانتفاضة عام 2002" ، وفيه تكتمل معالم الصورة التي يحب درويش أن يقدمها لجمهوره؛ فهو من نحو يقدم الصورة النمطية للشهيد الضحية في ثوبه الطفولي أو في ثوب الضعف الإنساني
الموجوع تحت آلة الظلم الصهيونية العنيفة ،
ومن نحو أخر يبذر آراءه الفلسفية والسياسية في موضوع جدلي يشكل نقطة مركزية في حوار الثقافة الفلسطينية حول رأي الساسة والمثقفين في ثقافة الاستشهاد
التي فرضتها انتفاضة الأقصى المباركة .
فمن النوع الأول نقرأ له:

الشهيدة بنتُ الشهيد

وأختُ الشهيد وأختُ الشهيدة كِنّةُ

أمِّ الشهيد حفيدةُ جَدّ الشهيد

وجارةُ عَمّ الشهيد الخ...

ولا شيء يحدث في العالم المتمدّن،

فالزمن البربري انتهي،

والضحية مجهولة الاسم، عاديةٌ

والضحيةُ.. مثل الحقيقة.. نسبيةٌ

الخ...

هكذا تسير احدي مقاطع محمود درويش في حالة حصار،
حيث تبدو حال الشهادة فعلاً اعتيادياً يتجاوز الخيار الشخصي ربما:
حين تكون فلسطينياً، فأنت مشروع شهيد،
شئتَ أم أبيت، الآن أو غداً أو بعد غد،
على يد أعدائك أو علي يد أشقائك.

ومن النوع الثاني نقرأ له :

" نحب الحياة غدا

عندما يصل الغد سوف نحب الحياه

كما هي، عادية ماكره

رمادية أو ملونة ..

لا قيامة فيها ولا آخره "

هذا هو المشهد الشعري الذي يقدمه درويش –حول الشهيد - راسما من خلاله معالم الصورة التي يفترضها ايديلوجيا ؛
هروب من واقع مستحيل التشكل إلى عالم هلامي لا حقيقة له –في نظر درويش- سوى بعض الآمال المزروعة في عالم الميتافيزقيا ؛
فهو لا يعبأ بذلك الإيمان الجبار الذي يحرك الاستشهاديين وينقلهم إلى ساحة التضحية بالغالي والنفيس ،
بل يسخر علانية من ذلك التصور الذي يقدمه الإسلاميون في تعليل فلسفة الاستشهاد ؛
فليس هناك سوى حب الأرض حبا طبيعيا دون أية مؤثرات ميتافيزيقية او ميثلوجية


تقول القصيدة :

"الشهيد يوضح لي : لم أفتش وراء المدى

عن عذارى الخلود ، فإني أحب الحياه

على الأرض ، بين الصنوبر والتين

لكنني ما استطعت إليها سبيلا

ففتشت عنها بآخر ما أملك ، الدم في جسد اللازورد "

ومن هنا، فلم تعد ثقافة الاستشهاد –كما يفترضها درويش – قائمة على المحركات الدينية في وعود الإسلاميين بجنة الخلد ،
بل هي حالة من الانهزامية المفروضة حين يبحث المرء عن السعادة في الدنيا فلا يجدها ؛
فيلجأ إلى الانتحار متعلقا بسبب غيبي ،
مفتشا من خلاله عن آخر أدوات البحث. وهو من هذا النحو يكاد يقول:
أن لا فرق بين الانتحار وبين الاستشهاد ، لان الشهيد نفسه يكذب المزاعم التي تقول بأنه فرح بما أصابه



" الشهيد يحذرني: لا تصدق زغاريدهن

وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا "

أو هذا حقا هو كل ما يبحث عنه الشهيد؟
وهذه الصور التي نراها للشهداء، قبل استشهادهم، وهم يقرءون وصاياهم ويقبلون المصحف الكريم، وهذه الأم الباسلة التي تعانق ولدها وهو مقبل على الاستشهاد، أكل ذلك زور وبهتان

ويعود درويش إلى المزاوجة بين معنى الخسارة في أرواح الشهداء المتساقطين،
وأغصان الزيتون،
وما يصيب القصيدة التي تريد أن تعلي من صوتها لتكشف فداحة الخسارة·· فيعاجلها السقوط أيضا:

خسائرنا: من شهيدين حتى ثمانية كل يوم·

وعشرة جرحى·

وعشرون بيتا·

وخمسون زيتونة···

بالإضافة للخلل البنيوي الذي
سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصه
وهذا التصور السياسي لموضوع الشهادة وفق قاعدة الربح والخسارة لا ينعزل عن بعض الطروحات السياسة التي يطرحها بعض المثقفين الداعين إلى وقف الانتفاضة
أو إعادة قراءتها وفق قاعدة النتائج الاقتصادية في الأرواح والأموال

وإذا كان درويش قد رفض المنطق الإسلامي الأصولي في بناء تصوراته الفكرية حول فلسفة الموت والحياة ؛
فإنه في المقابل حاول أن يجد له بديلا عن ذلك كله،
من خلال اعتماده على الأساطير القديمة –كما يرى الناقد المغربي حسن الامراني
- ليؤسس من خلالها حلم السلام الموهوم،
ويدغدغ عواطف الجندي الصهيوني،
لعله يتذكر ما نزل به من ألوان العذاب على يد النازيين،
فيرتدع عن إنزال العذاب بالفلسطينيين،
ويقتنع ببناء مجتمع السلم، إنها أكبر الأساطير المعاصرة التي يبتز بها الشعوب المغلوبة على أمرها،
ويحكمون قبضتهم بها على العالم الغربي منذ ما يزيد من نصف قرن هي أسطورة الهولوكوست،
أسطورة غرف الغاز التي أنشأها النازيون بزعامة هتلر لتحصد أمة اليهود،
وقد أثبت الباحثون المنصفون أنه لم يثبت تاريخيا أي وجود لغرف الغاز التي يتحدث عنها اليهود.

فماذا تقول القصيدة؟

إلى قاتل لو تأملت وجه الضحيه

وفكرت، كنت تذكرت أمك في غرفة الغاز،

كنت تحررت من حكمة البندقيه

وغيرت رأيك، ما هكذا تستعاد الهويه

وهنا ، أجد أن الشاعر قد وقف موقف الواعظ ،
مسلّـــما بأسطورة غرفة الغاز التي يتوكأ عليها الصهيوني لممارسة جرائمه البشعة،
ويتصور أن الموعظة ستجد سبيلها إلى نفس القاتل،
وأن تذكيره بغرف الغاز سيوقظ في نفسه الشعور بالرحمة، وأن ذلك سيجعله يتخلى عن البندقية،
والحال أن العكس هو الواقع حالا، فأطفال اليهود في إسرائيل يشحنون بأسطورة غرف الغاز ليزدادوا حقدا على من حولهم .. وليقبلوا بعدما يكبرون على القتل دون قلب، كما يفعل شارون ، فأي هوية تستعاد؟

والأخطر من ذلك أن الوهم يذهب بالشاعر بعيدا ويستولي عليه ويملك عليه أقطار نفسه حتى أنه ينسج من خياله أسطورة جديدة تجعل الذئب والشاة أخوين،
تملكهما الوداعة والمحبة والتسامح :

على طللي ينبت الظل أخضر ،

والذئب يغفو على شعر شاتي

ويحلم مثلي ومثل الملاك

بأن الحياة هنا ..لا هناك ."

هناك أين ؟ في عالم قزحي يتخيله الشاعر مولودا من رحم ذلك الزواج الغريب ما بين الذئب والشاة،.. الجلاد والضحية ..وهكذا يوجه الحديث (إلى قاتل آخر)،
هكذا بصيغة الإبهام، وإن كنا نعرف دائما أن القاتل ليس غير ذلك اليهودي الذي يدعوه الشاعر إلى التريث ليعرف طريق السلام .
وهكذا تسوق القصيدة ذلك الحلم الوردي، الذي لن يتجاوز في الحقيقة دائرة الأحلام الكاذبة

إلى قاتل آخر .. لو تركت الجنين ثلاثين يوما

إذن، لتغيرت الاحتمالات،

قد ينتهي الاحتلال ولا يتذكر ذاك الرضيع زمان الحصار

فيكبر طفلا معافى

ويدرس في معهد واحد مع إحدى بناتك!

تاريخ آسيا القديم

وقد يقعان معا في شباك الغرام !

وقد ينجبان ابنة (وتكون يهودية بالولادة )

ما ذا فعلت إذن؟

صارت ابنتك الآن أرملة،

والحفيدة صارت يتيمه

فماذا فعلت بأسرتك الشارده

وكيف أصيبت ثلاث حمائم بالطلقة الواحده ؟
__________________
لامَركَبٌ كجرأة المطرِ يُعجِبني
كَمَركَبٍ ورق بَينَ أشعة القمر

التعديل الأخير تم بواسطة غدير طه ; 13-07-2015 الساعة 09:35 AM
رد مع اقتباس