عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27-04-2014, 03:05 PM
الصورة الرمزية فهد مبارك
فهد مبارك فهد مبارك غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,479

اوسمتي

افتراضي

إن ظاهرة الإسلام السياسي التي اجتاحت العالم العربي منذ أوائل السبعينيات ، تعدّ من أخطر الظواهر السياسية التي تواجهها البلاد العربية حتى الآن ..
ولعل من أسباب تلك الخطورة ما تهدف إليه تلك الجماعات الأصولية من إعادة صياغة المجتمعات العربية وفقاً للنموذج الإسلامي – والتي تسوده كثير من الضبابية في أذهانهم – بعد فشل النماذج الليبرالية ووأد النماذج الراديكالية وعجزها جميعاً عن تقديم مشروع حضاري نهضوي يلمّ شمل الأمة ويضعها على طريق التقدم والنمو ..
والأخطر في هذا المخطط أنه اتخذ من أسلوب العنف المسلح فبعض البلدان العربية سبيلاً للقضاء على النظم القائمة والوصول إلى السلطة قسراً كوسيلة لتطبيق تصورات ورؤى تجنح إلى الماضوية وتفتقر إلى النضج والواقعية .
والحق أن استشراء هذه الظاهرة وانتشارها خصوصاً بين أنصاف المتعلمين والأميين يعكس ما وصل إليه العالم العربي المعاصر من تردّي سياسي وإفلاس اقتصادي واجتماعي وعجز فكري. كما يكشف عن هشاشة الإيديولوجيات السائدة وإخفاقها في التماس الحلول لمشكلات الواقع المتفاقمة .
كل ذلك يفسر ظاهرة الهلع والخوف من النجاحات التي حققها المتشددون والأصوليون الذين أثبتوا قدرة فذّة على التنظيم ، بحيث يخططون لإحياء " دولة الخلافة " أو " دولة الإمامة " على مستوى العالم الإسلامي بأسره ، ويتطلعون إلى مناهضة الإمبريالية العالمية بعد انفرادها بالهيمنة على الساحة الدولية على أثر اضمحلال وانهيار المعسكر الاشتراكي.
ولعل هذا يفسر موقف الدول الغربية الحذر من انتشار المدّ الأصولي والمتشدد ، فانبرت دوائر الاستشراق تعدّ الأبحاث والدراسات عن " الإسلام السياسي الثوري " خصوصا بعد نجاح الثورة الإسلامية في غيران وتطلعها إلى " تصديرها " في العالمين العربي والإسلامي .
على الرغم من ذلك ، فإن أغلب الدراسات العربية الخاصة برصد تلك الظاهرة وتفسيرها لم تتجاوز طور "المراهقة الفكرية " . قد نلتمس العذر لهذا القصور نظراً لاتسام هذه الحركات بالطابع السرّي وندرة أدبياتها ، فضلاً عن كون تلك الظاهرة ما تزال في طور الفعل ولم تكتمل تجربتها تاريخياً .
إن ظاهرة التطرف الديني حقيقة شهدتها المجتمعات الإسلامية منذ صدر الإسلام ، حيث نشأت المذاهب والفرق عاكسة صراعاً اجتماعيا . وارتبط التطرف والاعتدال حول المسائل الخلافية بالعوامل الجغرافية والتاريخية . لذلك تباينت المواقف وتعددت بالتالي تأويلات النصوص الدينية بما يخدم أهداف القوى المتصارعة سياسيا . وشكّل كل ذلك "ثقافة" تاريخية عكست فعاليتها على ذات القوى إبان تطور المجتمعات الإسلامية وحتى اليوم .
ليس من شكّ فيأن "أزمة الفكر" في العالم العربي المعاصر من أسباب ومظاهر أزمة الواقع السياسي والاجتماعي . ذلك الواقع الذي وصل ترديه إلى حد شيوع واستشراء ظاهرة "الهوس الديني" التي باتت تشكل أعتى القضايا المطروحة على الصعيدين السياسي والفكري في آن . لقد طرح الإسلام كأيديولوجية ونظام حياة في وقت تفاقمت خلاله المشكلات على كافة المستويات دون ادنى فهم لجوهر الإسلام كشريعة – بل كعقيدة ايضا – من قبل منظري هذه التيارات المتشددة ..
على كل حال ليس من الصعب على الباحث رصد وتفسير مواقف كل من : مؤيدي الحكم الديني ، والعلمانيين ، وما يتضمنان من تيارات تضرب نحو التطرف أو الاعتدال ، بقدر ما تكمن الصعوبة في رصد وتفسير الخطاب الديني عموما وبالذات خلال السنوات الأخيرة ..
وهذا راجع إلى إشكاليات معرفية وغير معرفية . ولعل من أهم الإشكاليات المعرفية ؛ تلك الطبيعة "الميتافيزيقية" للدين ؛ فضلا عن إلغاز إطاره المرجعي القابل للتأويل حسب الأهواء والمصالح . فالمفسرون مؤيدي الحكم الإسلامي أنفسهم لا يتفقون حول تفسير آيات القرآن الكريم . وكذا بالنسبة للأحاديث النبوية التي اختلفت عليها أئمة الحديث الأوائل حول تمييز الصحيح من المنتحل منها .
فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للفقهاء الأوائل ، فما بالك بالمعاصرين في عصر اتسع فيه باب الإفتاء لمن هب ودب من الجهلة وأنصاف المثقفين وخطباء المساجد وتلامذة المدارس من المتأدلجين "بالإسلام السياسي" ؟
__________________


لا أملك إلّا نفسي ، وباستطاعتي أن أتحكم فيها في حالات الوعي ، أما في حالات أخرى فلا استطيع ، ورغم أنها سوف تقع في الخطأ ربما حسب مقياس المجتمع للخطأ فلن ألومها أبدا ، وستستمر الحياة سواء بالملامة أو بدونها