عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-02-2011, 12:15 AM
الصورة الرمزية أبو المؤيد
أبو المؤيد أبو المؤيد غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: In Sohar Heart
المشاركات: 1,435
افتراضي محاولتي الأولى للقراءة في النصوص الشعرية


الغربة

الغربة موجودة في التكوينات العقلية للنفس البشرية وهي جزء لا يتجزأ من الاضطرابات الحياتية التي نتعرض لها، حيث تسيطر على تفكيرنا وخصوصاً إذا غذيت "بالوحدة"، الغربة هي أن نبحث عن أرواحنا بين الأرواح المحلقة بالأمل فلا نجدها، لنعود أدراجنا مخذولين لا نقوى على فعل شيء سوى العيش على أنقاض الذكريات وعتاب الزمن، الغربة قاتلة للأحلام والأمنيات وتوأم للحزن، تخرجنا من عالم المألوف والمعقول لعالم يسوده العتمة والظلام.

الهم ها الليلة مطر يهطل من عْيون الغمام
..................... والحلم ميت أحضنه أترجى للدنيا يعود

يا سكة الحلة القديمة والشوارع والزحام
................ وحدي رجعت ولا أحد يشهد معي غدر العهود

وحدي رجعت وْشفتي تحلم تخاوي الابتسام
................ وأحلم ولو مرة الوصل يسكن حنايا ها الصدود

وحدي رجعت لغربتي ألعب مع خيوط الظلام
................ أتنفس أنفاس التعب وألثم شفايا ها البرود

وحدي مع وسادة حزينة نشتهي مرة ننام
................ دايم تطاردنا كوابيس الخيانة والجحود

كني وها الغرفة اليتيمة ما يخاوينا سلام
............... لا يوم سمعتلي حكي أو يوم جبتلها ورود

الصمت يحكي للسوالف عن معاناة الكلام
.............. وبخارطة روحي يشكل له مساحات وحدود

الليل صامت مستحي والبدر في ثوب التمام
................. والنجم خايف يرتقب ..موعد تعفن م الجمود

وتردني الخطوة لذاك اليوم من عشرين عام
................ وألمس يديني .. ما بها غير الموادع والقيود

لا صار منفاك الوطن لا ما على الغربة ملام
.................. لا صار يسكن بك غيابك كيف يعرفك الوجود



"غربة أسير" هو عنوان هذه القصيدة التي مررت عليها ولفتت انتباهي وأنا أتصفح منتدى الشعر الشعبي رغم أنني لا أذهب إليه إلا نادراً، وهي للشاعرة {غربة أسير} فأحببت أن تكون هذه القصيدة أول قصيدة أحاول أن أقدم بها قراءة، وقد شجعني في ذلك موضوع المدرسة النقدية لأستاذي الشاعر والناقد: فهد مبارك.

الهم ها الليلة مطر يهطل من عْيون الغمام
..................... والحلم ميت أحضنه أترجى للدنيا يعود


بدأت الشاعرة القصيدة بكلمة "الهم" وشبهته بالمطر لكثرته ووفرته، وكان ذلك دلاله على وصف للحالة النفسية التي تمر بها الشاعرة وفي نفس الوقت كي تعطي القارئ لمحه مبسطه عن محتوى القصيدة ومدى "الحزن" الموجود بين أبياتها، ثم جاء المقطع الثاني من الصدر {يهطل من عيون الغمام} كان للتشبيه، فشبهت السحب بالعين والمطر بالدمع فكان لذلك التشبيه وقع خاص على قلوب المتلقين حيث استخدمت كلمة "يهطل" بدلً من يسقط لأن الهطول أشد وقعً ويتماشى أكثر مع النزول الغزير للدمع، بعد ذلك جاء عجز البيت ليؤكد الحالة النفسية التي تكتنف الشاعرة ومحاولتها تغيير واقعها المؤلم عن طريق الخروج منه لعالم ممتزج ببراءة الطفولة والأمنيات والأحلام والذي تجده هو الأخر يكاد يحتضر بذاكرتها.

يا سكة الحلة القديمة والشوارع والزحام
................ وحدي رجعت ولا أحد يشهد معي غدر العهود

هنا عبرت بنا الشاعرة من خلال جدران الزمن مخترقة لها عائده للوراء، هناك حيث تفاصيل البيئة القديمة وذكرياتها التي ما زالت مشاهدها تطوف حولها كشريط سينمائي، وفي نفس الوقت تدلل على رجوعها وحيده دونما ملاحقة من أي تبعات "للخيانة" التي تعيش تفاصيلها في الواقع.

وحدي رجعت وْشفتي تحلم تخاوي الابتسام
................ وأحلم ولو مرة الوصل يسكن حنايا ها الصدود


تحلم الشاعرة وتحن للسعادة التي افتقدتها في الحاضر بشوق وتتمنى عودتها ولو بالشيء القليل، كما وتتمنى أن تمتلك قوة روحانية تقاوم بها أمواج الحظ السيئ وتكون كالخيط الواصل بينها وبين ما أو من تحب.

وحدي رجعت لغربتي ألعب مع خيوط الظلام
................ أتنفس أنفاس التعب وألثم شفايا ها البرود


تشير الشاعرة هنا بكلمة "بغربتي" للوحدة أو بالأحرى انزوائها عن الآخرين ومن ثم تبين سبب ذلك وهو مرض مزمن يرهق الجهاز التنفسي لديها ويحد من حركتها كلما أرادت الخروج من العزلة المتمثلة بالبيت والغرفة، لكنها تحاول السيطرة عليه بقوة أرادتها وسعيها الدائم للتميز.

وحدي مع وسادة حزينة نشتهي مرة ننام
................ دايم تطاردنا كوابيس الخيانة والجحود

كني وها الغرفة اليتيمة ما يخاوينا سلام
............... لا يوم سمعتلي حكي أو يوم جبتلها ورود


تدلل الشاعرة هنا على الأرق والسهر وفي نفس الوقت الشوق للراحة والنوم، والملفت للنظر بهاذين البيتين أن الشاعرة استخدمت أدوات البيئة من حولها لتبين من جديد "وحدتها"، فاستخدمت لفظ الوسادة الحزينة والغرفة اليتيمة، كما دللت على الأرق وقلة النوم والشوق له في البيت الأول، ثم جاءت بالبيت الثاني لتصف علاقتها بالغرفة التي تسجنها والخصام الذي بينهما ومللهما من بعضهما البعض.

الصمت يحكي للسوالف عن معاناة الكلام
.............. وبخارطة روحي يشكل له مساحات وحدود


هنا جعلت الشاعرة من "الصمت" عنصراً هامً في وصف حالة الجمود التي تكتنفها لتشبهه بالإنسان الناطق وخولته ليدافع عنها لأنها لم تجد من الكلام فائدة، ثم تأتي بعد ذلك لتبين لنا لماذا اختارت الصمت، لقد اختارته تعبير عن الحياء النابع من أنوثتها.

الليل صامت مستحي والبدر في ثوب التمام
................. والنجم خايف يرتقب ..موعد تعفن م الجمود


كان وصف الليل بالحياء هنا دليل على سكونه، وجاء ذكر البدر دليل على جماله، وهنا ربما وصفت الشاعرة نفسها، لكن المعضلة تمثلت في المقطع الأول من بداية العجز حيث "النجم خايف يرتقب"، ربما حاولت به الشاعرة وضع شيء من الخيال هنا أو أمنية تنتظر تحققها.

وتردني الخطوة لذاك اليوم من عشرين عام
................ وألمس يديني .. ما بها غير الموادع والقيود


ترجع الشاعرة مرة أخرى لتبين رجوعها للماضي وبشيء من التحديد للفترة الزمنية حيث أنها حددت الفترة بين سن الحادية عشر و الخامسة عشر تقريباً، ثم تصطدم بالواقع من جديد لتجد نفسها لم تراوح مكانها.

لا صار منفاك الوطن لا ما على الغربة ملام
.................. لا صار يسكن بك غيابك كيف يعرفك الوجود

هنا تتبسم الشاعرة بغرور وحسرة بنفس الوقت مخاطبة المجتمع وحانقة على العادات والتقاليد التي لا تعطيها أبسط حقوقها، وتلقي باللوم في سبب عزلتها على من حولها، ثم تتساءل: كيف لها أن تصبح فاعلة بالمجتمع وذات شأن وهي مكبوتة ثقافياً وأدبياً.

* كان لتكرار كلمة "وحدي" أثر شبه سلبي على القصيدة بحيث أصبحت هذه الكلمة مستهلكة كثيراً وجعلت القارئ يشعر بشيء من الملل عند تكرارها، ومن ناحية أخرى سهلة للقارئ التنقل بين الأبيات بسلاسة وعفوية والوصول للمغزى الذي أرادته الشاعرة من التكرار وهو تأكيد "الوحدة".
*كما أن عجز البيت الأخير أحتوى على "حرف" أثقل البيت ومنعه من السير بسلاسة، وهذا الحرف هو حرف {الكاف} في كلمة {بك}.

- تسلسلت أحداث القصيدة حسب المجريات التالية لتغذي "الغربة" التي تحس بها الشاعرة، فجاءت على النحو التالي:

المرض + الحالة الاجتماعية + الوحدة = الغربة.

# القصيدة ككل جاءت وصفً للحالة الاجتماعية والنفسية التي كانت تسيطر على حياة الشاعرة في تلك الفترة، حيث كانت كصرخة استغاثة وحنق بوجه الحياة بكل معانيها، الحياة التي جعلتها تضج من بين عدت تناقضات خيمت على روحها المفعمة بالحيوية والنشاط، وكان سعيها للهرب من واقعها والرجوع بالزمن للوراء من أهم الأمور التي ميزة تلك المرحلة على الرغم من أنها عانت الكثير هناك أيضاً، لكن معاناتها بالماضي اقتصرت على المعاناة "الجسدية" بشكل كبير ولم يكن للمعاناة النفسية إلا الأثر القليل نظراً لعدم تبلور فكر الشاعرة العاطفي بشكل كامل، أما في الحاضر فالمعاناة الأكبر جاءت في الجانب "النفسي" بسبب "الوحدة" إلا أن الجانب الجسدي له نصيب من المعاناة الحالية لكن بشكل ضعيف كثيراً عن ما كان عليه بالسابق، وفي أخر القصيدة توضح الشاعرة أهم أسباب هذا الحنق على المجتمع وهو "العنصرية" بين الذكور والإناث والتهميش والتنكر لحقوقها والذي تلقاه بسبب كونها أنثى.

دمتم بخير.
__________________
ما أروعك.. يا قابوس الإنسان



التعديل الأخير تم بواسطة أبو المؤيد ; 03-02-2011 الساعة 01:35 PM سبب آخر: خطأ إملائي
رد مع اقتباس