عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 06-12-2013, 07:51 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...ثلاثة معالمَ كبرى،لاَ غنى عنها لأيِّ زوجيْن أبويْن،لهما أولادٌ،استوْدعوا فيهم آمالَهُمْ وطموحاتِهِمُ الكبرى في مستقبل الأيام :

ـ الحُبُّ والمَحبة والمودة...
ـ السكينة والاستقرار...
ـ المرحمة والتراحم...

ووجودُ هذه المعالم-بنِسَبٍ متفاوتةٍ-أو غيابُها النهائي في جَوِّ البيتِ له آثارٌ غويطة وبعيدة المدى على مستوى التنشئة النفسية والفكرية وحتى الجسدية التي يكونُ عليها الأبناءُ مستقبلاً...

إنّ منسوبَ هذه المعالم ومَدى سَرَيانِها في التعامل بين الأبُوَّةِ والبُنوَّةِ هو الذي يُحدِّدُ في النهاية شكلَ العلاقةِ بينهما...

وقد قرر علماءُ الأخلاق قديماً وحديثاً-كما أشار الأستاذ أحمد أمين في كتابه ( الأخلاق )-أن العنصريْن الحاكميْن في التربية والسلوك هما : الوراثة والبيئة،وإنِ اختلفوا في أيِّهِما أقوى وأنفذ...

ولمَّا كانت الأسرة أجلى مظهَرٍ للبيئة التي تحيط بالإنسان،فإن أولادَنا هُمُ الفئة الأولى التي ستتأثر شخصياتُهُمْ وسط الجوِّ العامِّ الذي يغشى البيتَ في التعامل بين أفرادِهِ...

إن وجودَ أيِّ طارئٍ غلط؛غير طبيعي في ذلك التعامل سينعكسُ قطعا بالسلبيةِ على نمط تفكيرهم وتوازنهم النفسي والعقلي والوجداني...

خذي مثلاً-أختي الكريمة ضي البدر-الظاهرة التي أسميها ( الجفاف العاطفي ) بين البنت وأبيها...

هذه الظاهرة التي استشرتْ وعمَّتْ،وصارتْ-بحكم الموْروث-ظاهرة أصيلة في كثير من مجتمعاتِنا العربية الإسلامية...

ولاعتبارَاتٍ كثيرةٍ-أولها العادات والتقاليد-غدَا ضرباً من خيال أن تجلسَ البنت البالغة الكبرى مع أبيها جلسَة أبوية حميمية معينة،فضلاً عن أنْ يَحتضنَ الأبُ الحنونُ الرؤوم ابنتَهُ في ساعةِ احتياجٍ منها لدفئ هذا الحِضن...

ربما كانَ العذرُ المقبول الوحيد إزاء استشراءِ هذا الجفاف-عَدا قيْد العادات والتقاليد-يكمُنُ في أن كثيراً من الآباء يعتذر عنه بـأن ( هيْبَة الوقار وسلطان الأدب الأبوي ) هو ما يمنعُ الأبُ الحنونُ أن يُجاهرَ بعاطفتهِ الأبوية العارمة بهذا الشكل إزاء ابنتِه المحبوبة...

ونحن هنا لا ننكرُ أبداً ما لهيبةِ الأب في ديننا وأعرافِنا الإجتماعية من قدسيةٍ وجَلال ووقار جَمٍّ،فما هي العاطفة الأبوية المفقودة التي نعنيها هي تلك العاطفة المنفلتةِ من قيودِ الدين وحدود الأخلاق،فتنفتحُ على الغارب-كما الشأن في واقع المجتمعاتِ الغربية المتميِّعة-حتى أننا نجدُ بعض المنسلخين من أبناء مجتمعنا يُحطمون كل القيود والحدود بين الآباء والأبناء تحت مسمَّى القضاءِ على ( الرجعية والتزمًّتيَّة والبدائية )...نحن هنا لا نقولُ للبنتِ المسلمة ولأبيها المسلم : إذا كانَ ولابد من إذابةِ الجليد العاطفي بينكما فإن عليكما الاجتهادَ في تحطيم أسوار الاحترام والوقار والأدب الذي يحكم علائقَ التعامل بينكما لدرجةِ التميع و التفريط...

لاَ...لاَ...

إن ذلك الخيط الرفيعَ من إيهاب الاحترام والهبية والحِشمة والوقار بين الأب وابنتِه يَجبُ أن يَظلَّ حاضراً بينهما،متيناً في ثباتِه وبقائه...وكلما كَبرَتِ البنتُ ورحلَ عُمرُها الفتيُّ إلى البلوغ والنضج والشباب كلما كانَ ذلك الخيْط الرفيعُ أقوَى وأمتَنَ وأدعى للحضور المستمر والبقاء الدائم...

إنما نحن هنا نعني العَوَجَ الفكري والنفسي والتربوي الذي يتخبط فيه كثيرٌ من الآباءِ تجاه بناتِهِمُ الكبيرات البالغات..يتخبطون فيه بالخلط بين ضرورة الاستجابة العاطفية الأبوية لحاجاتِ بناتهم إلى دفئ الحب الأبوي-خصوصا في أوقاتِ الشعور بالإحباط والاكتئاب والوحشة والاحتقان والعذابات النفسية المختلفة-وبين مقتضياتِ الاحترام والوقار والهيبة المطلوبة،فإذ بهم في النهايةِ يسحقون الاستجابة العاطفية الأبوية تحت سنابك السلطة الأبوية التي لا ترحم في البنتِ شعوراً ولا تـُـبقي في وجدانها إحساساً...

نعم أختي الكريمة...

كمْ نحتاج-نحن الآباء-إلى الجلوس الحقيقي الصادق والاستماع إلى بناتِنا وهنَّ يُفضفضنَ على كراسي اعترافاتهن،ويكشفنَ للدنيا مَدى قسوتنا وجبروتنا عندما نضِنُّ عليهن بابتسامةٍ أبويةٍ مخلصةٍ أو تحضينٍ أبويٍّ دافئٍ أو مَسْح دمعةٍ حبيسةٍ في مِحجرها..أو على الأقل نسمعهنَّ كلمة أبوية رقيقة لتطييب الخاطر...

أحضن ابنتي الحبيبة...وماذا عليَّ لو فعلتُ ذلك...؟؟!!!

ما المانع بالله علينا...؟؟!!!

ابنتي اليوم على مشارف الثانوية العامة..إنها أولُ عناقيدي التي أكرمني اللهُ بها...أراها وأرمقها-أنا ووالدتها-وهي تكبُرُ وتكبرُ في حسِّنا،وكأنما الأيامُ تخطِفها من دوحةِ أبُوَّتِنا التي طالما دَرجتْ في حديقتها رضيعة في اللفافات..وطفلة صغيرة نناغيها..وتلميذة ناشئة نمسكُ براحتها البريئة ونوصلها إلى باب المدرسة..وطالبة يافعة نتابعُ نجاحاتِها الدراسية عاما بعد عام...

إن ألبومَ صورها يشهدُ بالمرحلة والشهر والعام على رحلة تلك الأقصوصة الرقيقة الشفيفة الحانية التي سطرَتها أبوَّتي الغرثى منذ البديات...فما المانع اليومَ أن تتوَّجَ فصولها اللاحقة بما بدأته الأبُوَّة والبُنوَّة من رقائق...؟؟!!

يا لله... ما أقساه موقِفاً أن تنكفئَ بنتٌ جريحة محرومة تجأرُ إلى اللهِ حرمانها من الحق السماويِّ الذي كفلته الفطرة الإنسانية لها من أبيها...!!

كمْ نحن الآباء قساة..(( نعترفُ أمام الله الواحد نعترف ))...وليغفِر اللهُ لنا جميعاً...!!

شكراً-أختي ضي-على الطرح...وشكر الله لمن أفاض وأفاءَ...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!