عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-11-2009, 07:41 PM
الصورة الرمزية بن ساعد الجنيبي
بن ساعد الجنيبي بن ساعد الجنيبي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: أبيات شعري
المشاركات: 145
افتراضي في ذكرى وفاة ناصر البلال



سلامـاً أيُّها الفينيقي الأخير

الخميس 9 نوفمبر ‏2006‏ صباحٌ صوريٌّ مشرق، جاءت به الشمسُ كمضيفةٍ فاتنةٍ تقدم لركاب الدرجة الأولى في طائرة الحياة وجبتهم الصباحيَّة من النـَّور والبحر. تلك ميزة ٌ حضارية ٌ جغرافية ٌ وهبةٌ إلهية ٌ لصور منذ بدء الحياة . حتى أنَّ أهلها الأوائل حملوا اسم (عرب مشرق الشمس) تتويجاً لهذا المثلث الشعري المقدس ( الشمس والإنسان والبحر ).
لكنَّ ذلك الصباح رغم بهائه ، كان التوقيت الفادح لخبرٍ أكبر من الكارثة، و أقل من القيامة. خبرٌ ظلَّ مؤجلاً في فم الغيب، و ظلَّتِ الأيامُ تهرب منه و ترفض أن تكون التاريخ المشؤوم الذي يحمله، حتى جاء هذا الصباح الغافل، ليفجعَ قلوبَ أهالي صور و لمرةٍ واحدةٍ بنفس عمق الطعنة و شدة الألم، لتدخل المدينة حدادها الرسمي الثاني، منذ غرق السفينة ( سمحة ) قبل أكثر من نصف قرن، حتى رحيل أهم رمز ثقافي لصور في هذا اليوم .. كان الخبر هو رحيل الأستاذ ناصر بن علي البلال .
رَحَلَ الأستاذ ناصر البلال عن عالمنا، كما ترحل الكواكب المنيرة عن سماءٍ صدأ سقفُها و اسَّاقطت كِسَفاً قبل أوان الساعة.
كنتُ ما أزال محاطاً بهالة حلم الليلة السابقة، ذلك الحلم الذي تركتُ تأويلَه للبصيرة والحدس ، كما فعلتُ مع جميع أحلامي و سأفعل دائماً، عازفاً عن رأي ابن سيرين و فرويد. حُلُمٌ كان بالاشتراك مع أعز صديق للأستاذ الراحل : كنا ـ الصديق المشترك و أنا ـ في سيارةٍ ، نسيرُ في شوارع صور . و كان قائد السيارة شخصاً لا أعرفه ـ أحسبه القّدر ـ و فجأة أعطاني الصديق طبقاً مغطىً، لم أعد أذكر ما الذي كان يتساقط منه، بسبب حركة والتفاف السيارة. بعد ذلك سلّمتُ الطبقَ لصديقي، و طلبت من السائق التوقفَ، و ترجلت من السيارة، ليواصلا الحُُلمَ دوني، و لأصحو قَلِقاً .
لم أكن قد تبينتُ المسافة بعدُ بين الوعي و اللاوعي، حين رنَّ هاتفي النقال، و كان المتصل أبي ـ ذلك الرجل الذي اعتدتُ تصديق كلِّ ما يقول. جملة ٌ أولى : هناك أخبارٌ سيئة. جملة ثانية : الأستاذ ناصر البلال توفي إثر حادث سير . انتهى الخبر. لم يكن هناك من وسيلةٍ أخرى لنقل الخبر غير تلك التي استخدمها أبي، فالحقائق الكبرى لا تحتاج إلى شرح ٍ أو تمهيد. عليك أن تسمعها دفعة واحدةً، و لك أن تصدقها أو تكذبها بعد ذلك دفعةً واحدةً. طبعاً لم أصدق، و لا أريد أن أصدق ..
لم يكن موته عبثياً، حتى و إن صرخ ألبير كامو بأعلى صوته : الموت في حادث سيارة هو أشد أشكال الموت عبثية، و برغم ذلك مات كامو في حادث سيارة !!
كلا .. كلا لم يكن موتُ ناصر البلال عبثياً. هذا الرجل الذي لم يعبث ساعة ً واحدةً طوال حياته، إلا إذا اعتبر الآخرون أن الحرية المطلقة هي نوع من العبث و اللاجدوى.
ناصر البلال كان رجلاً ذا إيمان ٍمطلق بالله ثم باللغة و بصور. و كنا نحن مريديه نرى فيه القطب الأعلى للأبجدية الشعرية و للوعي التاريخي و للإيمان بالمطلق.
لم تكن أصالته لتمنعه من الإطلاع على الحداثة وما بعدها ، كما لم تكن عاطفته الجارفة لمدينته صور لتمنعه من البحث و التنقيب في بطون الكتب و المراجع التاريخية، و بين المتاحف و الآثار و اللُقى التاريخية، و اتباع المنهج العلمي الدقيق في كتابة التاريخ، ليصل إلى نتائج مذهلة في الكشوفات التاريخية، قدمها في كتابه المهم ( قبائل الجَنَبة و ميناءهم التاريخي صور ) طبعة دار الحرم/ القاهرة أغسطس 2005 . الذي لن يكون البروفيسور عبد الحليم نور الدين آخر من أشادوا بجهد الرجل العظيم الذي أخلص لدينه و أمته و لغته فيه. و سيكون على الأجيال القادمة اكتشاف الأثر الإنساني الكبير الذي خلّفه الراحل.
كما لم يكن عقله الراجح و همومه الكونية لتمنعه من التواصل الإنساني الجميل مع من هم حوله، فهذا الرجل الموسوعي المعرفة كان موسوعياً أيضاً في الأخلاق والصفات النبيلة.
ناصر البلال هو الأنموذج الفينيقي الأخير لحضارة غيرت مجرى التاريخ والشعر.
كان يدرك أن الشهادة الأكاديمية لعنةٌ يمكنها أن تودي بصاحبها إلى الانغلاق و التقوقع داخل الغرف الجامعية التي يتصلب فيها الهواء قبل الفكر. لذا فقد قرر أن يصنع لنفسه ثقافة ً أكاد أجزم أنها ليست علماً بشرياً خالصاً، بل حالة ً عرفانية ً يتجلى فيها الرباني في البشري.
ديوانه الأول والأخير ( حورية البحر ) الذي ما زال قابعاً في مكتبة فينيق بصور، كسرٍّ من أسرار الحضارات في قاع المتوسط، و كتابه الأول و الأخير ( قبائل الجنبة وميناءهم التاريخي صور ) الذي سيحاصر بالأسئلة والشكوك العقيمة ، كنبيّ مُرسل إلى بني إسرائيل ، لهما شهادتان فاضحتان على ما آل إليه الوضع الثقافي العام و الخاص .
ناصر البلال لم يكن غريباً في وطنه، بقدر ما كان هو الوطن الغريب . وكما قيل وسيقال ( لا كرامة َ لنبيٍّ في قومه).
سيبقى ناصر البلال شخصية ًإنسانية ًفذة ًيحبها الشعراء والروائيون. يستعصي على مجازهم و سردهم، و يستعصون على نسيانه.
في اليوم السابق لموته كنت اجلس أمام التليفزيون، أتابع فصلاً جديداً في التراجيديا الفلسطينية ( مجزرة بيت حانون ) حين همس زميلي : ما أكثر الموت لديهم ! يتعاقب الموت كتعاقب الليل والنهار. فقلت له : خطورة الموت تكمن فيمن يأخذ من الأحبة لا في كم يحصد من الأرواح. الموت يراوح بين التلقائية والانتقائية.
نعم .. نعم .. كان موت ناصر البلال موتاً انتقائياً مذهلاً، لأمةٍ لم يعد لديها الكثير من المبدعين لتواجه بهم قدرها الحضاري.
لي أن أختم بكلام جميل للأستاذ الراحل من مقدمة كتابه : ( إن الجغرافيا مهما كانت عبقريتها ، لا تكتب التاريخ إلا حين ترتوي و تتشبع بالفعل الإنساني الخلاّق ، وهكذا كانت صور المدينة الميناء، و هكذا كان الجنبة عبر مسيرتهم التاريخية، و على امتداد مساكنهم التاريخية كذلك، توحّدٌ و تماثلٌ بين الغطاء الأرضي و الغطاء العقلي (البشري) حيثما كانوا، سواء في معقلهم الأصيل الأثيل الراسخ في العراقة، أم حيثما رغبوا من منتجعاتٍ، و قد حملوا اسم مينائهم التاريخي إلى ساحل بلاد الشام بذات الاسم الخالد العريق : صور، و بنفس العمل الخلاّق : النشاط الملاحي و التجاري، و بنفس الرسالة الحضارية : وصلاً و تواصلاً بين الحضارات، وإثراءً و تخصيباً للفكر الإنساني و العمل البشري المبدع).
سلاماً أيها الفينيقي الأول
سلاماً أيها الفينيقي الأخير

محمد السناني
شاعر عماني

من وحي الخنساء


قبس من وحي الخنساء




خنسـاء يـا قمـة تزهـو بهـا القمـم ... و يا منـار هـدى مـن دونـه العلـم
يا دوحـة الشعـر فـي أفيـاء وارفـة... يا رمز وحـي تسامـى نـوره عمـم
فجـرت للشعـر نبـع الكبريـاء كمـا... ضحيت بالشم كـي لا ينحنـي الشمـم
يا أخت صخـر ! تعـرت كـل قافيـة... وغرب الشعر لمـا استغـرب الرحـم
تجثو القوافـي و لـم تنهـض لغايتهـا ... و ينحني الشعـر و الأنشـاد و القلـم
قد غيب الشعر يـا خنسـاء و ابتذلـت... تلـك الخرائـد حتـى سامهـا الغـنـم
يا أخت صخر ! و أضحى صخرنا مدرا... يا بنت عمـرو ! وهـذا عمرنـا عـدم
قد عبـد الشعـر للأوثـان فـي سفـه ... من بعـد أن حطمـت أوثنهـا الكلـم
ساموه خسفاً ، و عاثوا فيه دون هـدى ... و ما رعوا حرمة تنسمـوا بهـا الذمـم
عاثوا فساد الرؤى فـي عجـم منطقهـم ... و استعجم العرب حتى ضجـت العجـم




سيرته الذاتيه




الاسم : ناصر بن علي بن مبارك البلا ل الساعدي الجنيبي



الولاية : صور – مخا


المؤهلات العلمية : دبلوم تربية ودبلوم اشراف تربوي


الوظيفة : مدرس 20/9/1971 ثم شغل عددا من الوظائف الفنية والادارية بالتربية والتعليم مثل :
· الاشراف على مركزي إعداد المعلمين بصور وجعلان
· العمل في دوائر البحث والتطوير ، الامتحانات ، نائب لمدير التربية والتعليم فس مسقط ، ثم باحث في دائرة البحوق التربوية
عمل ضابطاً بالثقافة العسكرية في أبوظبي في عدد من مناصب إشرافية ثم ضابطا للادارة ((ركن إداري)) في قيادة المديرية بأبوظبي ثم عاد إلى العمل بالسلطنة ، آثر الاستقالة من العمل عام 1993م والتفرغ للبحث التاريخي عن مدينة صور .


تجربته الشعرية :
بدأ يترنم الشعر منذ المرحلة المتوسطة بالكويت وكانت له محاولات شعرية تتراوح بين البيتين والثمانية ، ان يقرأ لكثير من شعراء العرب مثل شعراء المعلقات ومن العصور اللاحقة (المتنبي) ومن المجددين ( البارودي وحافظ ابراهيم وأحمد شوقي) ومن المعاصرين نزار قباني وقد إلتقى به في السودان ودار بينهما حديث طويل حول جرأته على الرموز الدينية وحول بعض التطاول وجلد الذات فما كان م نزار إلا أن سـأله عن شهادة الدكتوراه في النقد من أين حصل عليها فأجابه بأنه لا يحمل أي شهادة دكتوراه فدهش نزار.
ثم كان نتاج هذا كله أن أصدر ديوانه الوحيد "حورية البحر"


كتاباته التاريخية :
منذ أن ترك ناصر اتربية والتعليم في عام 1993م اتجه إلى البحث والمطالعة والتنقيب في كل ما يخص صور ، وكان كثير التسفار والتطواف مابين مصر واليمن والسودان وزنجبار يبحث عن كل ما يخص هذه المدينة العريقة ويجمع كل ما يقابله في طريقه عنها واستغرق هذا البحث سنوات طويلة تعد كثيرة في عمر الانسان وان كانت قليلة في عمر زمان وكان نتاج هذا البحث المضيء والعمل الدؤوب كتابه اليتيم " قبائل الجنبه وميناؤهم التاريخي صور مدخل تاريخي حضاري لجنوب بلاد العرب"
وكان في هذا التهذيب العلمي والتصويت التاريخي ما يعيد لصور المدينة العريقة بعض الاعتبار الحضاري والتاريخي.


تحية لذلك الرجل الذي استشعر مسؤولية ابراز هذا الجانب المضيء من حضارة مدينته وتقديراً للجهدالمضيء الذي بذله وطوبى لناصر الذي سعى للحفاظ على تاريخ " صور العفية " ..

تحية من قلوب لن تنساك ....


(رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته )

.. متواصلون في الذكرى و سلاماّ أيها الفينيقي ..


منقول من صور سيتي
__________________
أيا فلسطين من يهديك زنبقة ومن يعيد لك البيت الذي خربا ....

التعديل الأخير تم بواسطة بن ساعد الجنيبي ; 11-11-2009 الساعة 07:48 PM
رد مع اقتباس