عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-08-2011, 03:53 PM
الصورة الرمزية محمد الراسبي
محمد الراسبي محمد الراسبي غير متواجد حالياً
مدير الموقع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 1,754

اوسمتي

إرسال رسالة عبر MSN إلى محمد الراسبي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمد الراسبي
افتراضي

6- توبة للشاعر خميس الوشاحي (المركز الثاني)


قصيدة ذاتية تتحدث عن تناقضات الإنسان، عن تردده وغربته وشتاته، عن البحث الدائم للذات.. قصيدة تغوص في أعماق النفس لتكتشف جوهر الإنسان الذي يعيش في عالم من النقائض.. ( كلتني وجوه الناس واحساسي المهزوم.. اولي لوين وزحمة وجوه تتبعني) هكذا بكل عفوية وسلاسة يكتب الوشاحي قصائده، بعيدا عن التكلف والاشتغال الفكري الجامد، فتأتي قصائده مليئة بالعاطفة والشعر وقصيدة توبة هي واحدة من لآلي الشاعر المرصعة بالشعر الحقيقي،( تلبست دور الزاهد العابد المهموم.. هزمني حكي بنتٍ.. أنا أرجوك تسمعني). يحاول الشاعر اكتشاف نفسه بل تعرية أفكاره، أنه يقرأ ضميره بصوت جهوري عميق، فهو يتلبس دور الزاهد وينهزم مع تجربة أنثى وياخذنا بهذا البيت إلى البيت الشهير للشاعر الأموي (الدارمي)، (قل للمليحة ذي الخمار الأسود.. ماذا فعلت بناسك متعبد) غير أن الشاعر يقلب الصورة ويجلد ذاته حينما يعترف بأنه كان يمثل دور الناسك المتعبد، (سكت ونطق لي صدرها المرهق المزحوم...بآهات حزن ومن تناثرت جمعني)، لم يعد للشاعر سوى الصمت والرؤية لم يعد الحديث مجديا مع أنثى يزدحم صدرها بالتعب والحزن ورغم ذلك فهو القادر على تجميع شتات الشاعر.. (جرف بادية عمري لبحره وذقت العوم....على وين يا موج المقادير تدفعني)، نلاحظ الاستسلام التام والخدر الذي يشل الإرادة، فالشاعر ينتقل من تمثيل دور الزاهد إلى حياة دوره الحقيقي، دور الشاعر الباحث عن عاطفة حقيقية، مجازفة في بحرٍ عميق، سفر نحو المجهول، لينتقل بعدها إلى الارتقاء والسمو بأفكاره ( تسلقت ع أكتافٍ وطاحت علي نجوم.. وانا ما استرقت إلا علومٍ تروعني).. ما أجمل هذه الإحالة الرمزية وما أروع المعنى الذي تنضوي عليه الصورة الشعرية التي تحيلنا مباشرة إلى الآيات الكريمة من سورة الحجر(وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيّنّاهَا لِلنّاظِرِينَ(16)( وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ (17) إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ ).. دون شك فالشاعر له معنى نفسي وعاطفي آخر فهو يقصد أن توحده مع الآخرين وقربه منهم ومساعدتهم له لم تكن بدون مصلحة، فسقوط النجوم عليه تدل على كلام الآخرين عنه ونميمتهم فيه، ويؤكد المعنى هذا البيت الذي يحدد فيه المكان الذي يحدث فيه الشتات والكذب والخداع( هنا في المدن ما يصعب إلا الصدق والنوم.. احس انه ما به مرقدٍ عاد ياسعني)... إن البيت السابق عميق جدا حيث يفضح المدينة ويكشف وجهها الآخر، كما يظهر شعور عدم الامان في المدينة، الذي يعانيه الشاعر وهو يذكرنا بقصيدة الشاعر العربي أحمد عبدالمعطي حجازى والتي عنوانها(رسالة إلى مدينة مجهولة) : ( رسوت في مدينة من الزجاج والحجر... الصيف فيها خالد ما بعده فصول.. بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها أثر، وأهلها تحت اللهيب والغبار صامتون.. ودائما على سفر.. لو كلموك يسألون.. كم تكون ساعتك؟)... يعتبر موضوع الوشاحي من المواضيع الجديدة في الشعر الشعبي أي ( غربة الإنسان الريفي في المدينة) وقد برع في تقديمه بطريقة شعرية رائعة أستحق عليها المركز الثاني .



7- (مدى) للشاعر مختار السلامي .. المركز الأول



ما يحسب لقصيدة (مدى) أنها جمعت كل الأساليب الشعرية في عمل مكتمل واحد، وتلافت العيوب التي وقعت فيها بقية القصائد. فمدى تتحدث عن (طلق النوايب) وهو بئر يقع في قرية الشاعر وقد جف ماء البئر منذ فترة طويلة، والشاعر أستحدث أسلوب شعري جميل حيث جعل البئر يتحدث للسماء عن القحط والجفاف، كما أنه تقاطع مع البئر في مقاطع كثيرة وتداخل معه بصورة سلسة، وقد اسقط مشاعره وأحاسيسه على البئر. القصيدة بدأت بالتفعيلة : ( بيني وبين الزحام .. باب منقوش بالورد.. مفاتيحه كلام.. وقفله كفوف ونرد) فالشاعر هنا يصور انعزاله عن الناس وابتعاده عنهم وانه بحاجه للحظ وكذلك الحديث معهم، وأشار للناس بالزحام وللعزلة بالباب ومفاتيح هذا الباب هو الكلام معهم .. وقد كثف الشاعر لغته في مقطع التفعيلة وفتح لنا أبوابا كثيرة للتأويل الممتع( يكفيني من الزحمة وردة.. إذا العمر ذابل)، أن الشاعر لا يريد سوى الحب والبهجة من الناس لا يريد سوى الصدق منهم.. أنه يتمنى أن تسقط الفواصل البسيطة وتظهر الحقيقة التي يبحث عنها معهم.. وفي القصيدة العمودية يبدأ موضوع القصيدة بالتكشف أكثر :

(حصدت ما جاد العطا وأنت ثايب.. يجهر بنا ما جاد فوق الثوايب) الشاعر يكلم البئر، والثوايب هي الأداة الجلدية التي يُرفع بها الماء من البئر( يقحك فلاك وعين غيزك تودي.. سوق المطر لأنسام طلق النوايب) نلاحظ صورة الجفاف والقحط ، فالغيز هو المكان الذي يتجمع فيه الماء البسيط، وعين هذا المكان تناظر الغيوم علها تتجه إلى (طلق النوايب) أي البئر، (شديت رجلي صوب نبض الرواجع.. وارتد جسمي وأنت يالشوق عايب) نبض الرواجع أسم المكان الذي يقع فيه البئر، فالشاعر يصور تردده للذهاب إلى هذا البئر، لشعوره المؤلم لمنظر جفاف البئر، لينتقل بعدها ليتوحد مع البئر كليا ( اضما وتشربني فلاج الضواحي... أزعل ويرضيني جفاف الحبايب) أن الشطر الأول يذكرني ببيت يحمل نفس المعنى من قصيدة الشاعر علي الغنبوصي الغيم والحرمان الفائزة بالمركز الخامس ولكن بأسلوب شعري أخر، حيث يقول الغنبوصي( أنا اللي عصرت الغيم سّيلت لك وديان...لجل يرتوي جدبك نشف كل ما فيني).... نلاحظ اختلاف الأساليب وتوحد المعنى غير أن قصيدة(مدى) كانت أكثر إيحاء، فالبئر يسقي الضواحي وهو يعاني من الضمأ، والشاعر لا يقصد البئر مباشرة إنما يقصد ذاته ولكنه وظف البئر للتعبير عن معاناته.. نلاحظ أسلوب الطباق الذي يفيد المعنى ويزيده تجددا وقوة لننظر العلاقة ما بين ( أظما .. يشربني) وكذلك( أزعل ويرضيني) (الفلج والجفاف) أن هذه التراكيب أفادت المعنى كثيرا وقوة من مستوى القصيدة، (مديت شوفي للسما في غروبي.. ما ضاق وجهي غير قحط السحايب)، لا زال الانصهار بين الشاعر والبئر والتداخل بينهما، فالشاعر الذي يترقب السعادة والأمل يقابله البئر الذي يناظر السماء في لحظة الغروب وهي اللحظة الفارقة بين النور والظلام بين الأمل واليأس بين الحياة والموت، ولكنهما لا يحظيان سوى بالضيق والقحط.. يواصل الشاعر حديثه الوجداني مع البئر ومع السماء ليجمع الأبعاد في نقطة واحدة هي الضما : ( محتاجها ترمي التعب عن عيوني... وتردني بين الخصب والروايب)، هنا يستذكر الشاعر الماضي الجميل متمنيا أن تأتي السحب ويمتلئ البئر بالحياة لتخضر القلوب وتبتهج الأرواح.. (منعم ويا ليت السحايب تودي.. صوت المطر لأنسام طلق النوايب) هكذا تكتمل القصيدة ويكتمل الحلم ويرتمي الشاعر على وسادة ذكرياته.. منتظرا صبحا يعيد الحياة (لطلق النوايب) منتظرا صوت المطر وأنشودته.. إن أكثر الأسباب التي جعلت من قصيدة مدى صاحبة المركز الأول هي اللغة الموحية العميقة التي تشي ولا تخبر وتشير ولا تصرّح، كما أن الفكرة كانت جديدة ومبتكرة ونادرة في الشعر الشعبي، كما يحسب للقصيدة ترابطها العظيم ووحدتها العضوية، فالقصيدة حملت ثيمة واحدة مترابطة.
__________________
ديواني المقروء
رد مع اقتباس