عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 23-07-2011, 08:22 PM
الصورة الرمزية أحمد الهديفي
أحمد الهديفي أحمد الهديفي غير متواجد حالياً
اللجنة الإعلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 123
افتراضي

يوم من أيام ريم

من بين سحب بيضاء متراكمة يتسلل ضوء الشمس ليخبر الصباح الذي يغطي ملامحه بقايا ظلام بشروق الشمس مبشراً إياه ببداية يوم جديد. يجمع الضوء نفسه ليتسلل من نافذة غرفة ريم وبالرغم من دقته ولونه الخافت إلا أنه قد حول المكان من لونه القاتم إلى لون مبهج يجمع بين الحمرة والاصفرار ولكن كل ذلك لم يوقظ ريم من نومها العميق فهي غارقة في أضغاث أحلامها غير مبالية بجمال المنظر الذي يحيط بها غير شاكرة لضوءٍ أصبغ على غرفتها لونا مميزا لا يستطيع بنو البشر أن يصبغوا مثله. بينما ريم غارقة في نومها مبتسمة فرحة بحلمها الجميل إذ بصوت كالرعد يخرق أذنها ويجعلها تقفز من سريرها وكأنها نهضت من كابوس مرعب محدقة بعينيها الواسعتين كالبلهاء وكأن الصوت ينبئها بقدوم عاصفة مدمرة. يعلو الصوت أكثر فأكثر "ريييييييييييييييييم"
تصرخ ريم"آآآها أمي لقد أفقت كفي عن هذا.يا إلهي ما أجمل النوم .آها من الذي اخترع المدرسة؟"
تنهض ريم بتكاسل بينما أمها منهمكة بتحضير الفطور وصوت أمها يكاد يفجر البيت "أيتها الحمقاء أسرعي أنت متأخرة". تهمس ريم لنفسها " هل حقا أنا حمقاء ؟؟؟ سئمت من سماع هذه الكلمة". تحدق ريم في المرآه تندهش من شعرها المتطاير في الهواء وعينيها المنتفختين كأن حشرة ضخمة لدغتهما " يبدو أنني فعلا حمقاء’آها يجب أن أسرع" . ترتدي ريم زيها المدرسي بسرعة البرق ثم تتناول فطورها بنفس السرعة وتحدث نفسها " لقد قالت المعلمة لا يجب أن نبتلع الطعام بسرعة لأنه سوف يتعب المعدة ولكنني مستعجلة"
تخرج ريم من المنزل بسرعة بابتسامة عريضة ترتسم على وجهها الطفولي وبينما هي خارج البيت إذ بطفلة جيرانها تبكي أمام بيت الجيران فوقفت ريم متأثرة ببكائها الغير طبيعي ولكن تابعت طريقها خشية أن يدق جرس الطابور ويستقبلها توبيخ يؤلم قلبها الصغير ولكنها شعرت بأن صياح الطفلة يناديها ويستنجد بها فتوقفت وهمست لنفسها" المدرسة لا تبعد إلا بضع خطوات وقد علمتنا المعلمة بأن نفعل الخير دائما لنكسب محبة الله". ركضت ريم للطفلة ’وصل قلبها الحنون قبل أن تصل قدميها لتتبين أن الطفلة مصابة بجرح بسيط يؤلمها وأمها منهمكة في المطبخ لا تسمع صوت طفلتها . أخذت ريم تنادي " هل من أحد في البيت؟ إييييييييييه أجيبوا ’آه سيدق الجرس’ الجرررررررررررس
ردت أم الطفلة" ريم ما به الجرس ؟" . أجابت ريم " لا شي لا شي طفلتك مصابة بجرح بسيط تعالي إليها وأنا سأذهب إلى المدرسة.إلى اللقااااء ".
شعرت ريم بسعادة تجتاح روحها الطيبة وأيقنت بأن فعل الخير ولو كان بسيطا يدخل إلى القلب سعادة لا مثيل لها. دق جرس الطابور قبل أن تدخل ريم المدرسة فتسرع بكل ما أوتيت من قوة لتصل بسرعة وعندما وصلت استقبلها حارس المدرسة بابتسامة ساخرة"لماذا أنت متأخرة؟ آها " ’ تحدث ريم نفسها " ما دخل الحارس بي ولماذا يتدخل بكل صغيرة وكبيرة لا تعنيه". تتابع ريم طريقها وتسمع السؤال مرة أخرى " لماذا أنت متأخرة؟" ’ تتحدث ريم بصوت مرتفع " آها لماذا يعيد السؤال مرة أخرى لماذا لماذا لماذا؟ ’ وبينما تردد نفس السؤال اصطدمت بشخص لا تعرف من هو فرفعت رأسها لتكتشف أنها أمام شخص طويل جدا يبدو في نظرها كأنه عملاق احتل المدينة توا ويجب عليها الهرب. أطلق العملاق قنبلة السؤال مرة أخرى " لماذا أنت متأخرة؟" ’ أجابت ريم" أستاذتي المديرة" فارتعش جسمها وبدأت تتلعثم في الكلام "آنا آنا آنا" صرخت المديرة " هي اذهبي إلى الطابور ولا تتأخري مرة أخرى".
مديرة المدرسة التي ترتادها ريم تتميز بطولها الملفت للنظر وضخامة جسمها الذي كان يشكل رعبا لطالبات المدرسة بالإضافة إلى شخصيتها القاسية ونظرتها الحادة التي تحول طالبات المدرسة إلى كتلة ثلج لا حراك لها.
بدأ طابور الصباح وبدأت ساحة الطابور تهتز إثر تمارين الصباح فيبدأ النشاط يدب في نفوس الطالبات لتكون بداية اليوم الجديد خالية تماما من الكسل الذي يهرب في وجه النشاط الذي يرسل رسالة إيجابية لعقول الطالبات تحمل مضمون " كن مستعدا لاستقبال المعلومات "
تؤدي ريم التمارين بكل نشاط وسعادة وبعد أن انتهى وقت التمارين جاء وقت أداء النشيد السلطاني فتعلو حنجرة المديرة لأقصى حد لها " الجميع ثابت ولا حركة أبدا "’ جمدت ريم في مكانها لتكون مستعدة تماما ولكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الشرود " لو كان للمديرة سلطة على الهواء لمنعته من أن يدخل رئتينا وقت النشيد السلطاني"
أدى الجميع النشيد بحماس ووطنية وبعد أن انتهوا أدوا تحية العلم بكل تقدير واحترام. أصبحت ريم ممتلئة بالوطنية وبدون شعور بدأت تحدق بالعلم لفترة ليست بقصيرة ولعلها ردة فعل طبيعية لفتاة مثل ريم تتأثر بما يدور حولها’ عندما أتى وقت قراءة القرآن بدأ الجميع ينصت لكلام الله ولكنهم يتحركون كما يشاءون فتساءلت ريم " لا تصرخ مديرة المدرسة لتطلب منا أن لا نتحرك وقت قراءة القرآن مثلما تفعل وقت النشيد السلطاني بالرغم بأن هذا كلام الله وذلك كلام البشر فهناك فرق شاسع ولا وجه للمقارنة أبدا"
بدأ اليوم الدراسي وبدأت ريم وهي طالبة بالصف الثامن بإخراج كتبها استعدادا للحصة الأولى مؤدية دور الطالبة المجتهدة الحريصة كل الحرص على الحصص الدراسية ’ فجأة صرخت في خوف " آها لم أقم بأداء واجب التاريخ ’ سعاد..بدور.. شروق ساعدوني’ سعاد أحضري دفتر التاريخ هيا أسرعي" نسخت ريم إجابة سعاد بسرعة خيالية ثم تنفست الصعداء" آها لقد ارتحت كيف كتبته بهذه السرعة إنني لشيء عظيم لا يقدر في هذه المدرسة" .
دخلت المعلمة وبدأت بشرح الدرس مسطرة لهم الأحداث التاريخية التي جعلت ريم تتثاءب وتغلق وتفتح عينيها عير قادرة على مقاومة نوم آتى إليها بغتة ’تهمس ريم " لا أحب مادة التاريخ إنها تشعرني بالنعاس " ثم تلتفت إلى زميلتها سعاد"يبدو أن سعاد مستمتعة كثيرا فالبريق يخرج من عينيها كأنها العاشق الولهان الذي ينظر إلى حبيبته لا أعرف إذا كانت تفعل ذلك حبا في المادة أم حبا في المعلمة فقط" .
يدق الجرس لتنتهي الحصة الأولى ثم تمر الحصص واحدة تلو الأخرى ’ بعضها يمر على ريم ببطء وبعضها بسرعة يعتمد عل حبها للمادة والمعلمة ثم يأتي وقت حصة الرياضيات فتصرخ ريم " وقت حصة الأذكياء هههههه" . تدخل المعلمة وتبدأ بالشرح وجميع الطالبات مندمجات مع شرحها ثم تسأل المعلمة الطالبة سعاد لتقوم بحل مسألة مشروحة سابقا في الحصة الماضية. وقفت الطالبة أمام السبورة بدون حركة ثم همست للمعلمة "لا أعرف" قالت المعلمة بصوت عالي هز قلوب الطالبات " أيتها الغبية أيتها الحمقاء أنت لا تفهمين شيئا أبدا كم شرحت هذه المسألة مرارا وتكرارا ولكن يبدو أن عقلك حجرة صماء". احمر وجه سعاد وكاد الإحراج يخنقها فتموت أمام الملأ ولكن دمعة سقطت من عينيها تعبر عن حزن سيطر على أعماقها في تلك اللحظة التي ستدخل من دون استئذان في صندوق الذكريات الأليمة ... لحظة ستظهر أمامها كل ما فتحت صندوق ذكريات المدرسة .
مشت سعاد من أمام السبورة بتثاقل وكأن المعلمة قد ربطت رجليها بسلاسل حديدية لتحكم عليها أن تكون سجينة الأحزان في ذلك اليوم المشئوم بالنسبة لها فليس من السهل عليها وهي مراهقة الآن أن يعتقد الآخرين عنها بأنها غبية وحمقاء ولا تفهم. وقفت الصدمة وقوفا طويلا على وجه ريم مندهشة من تصرف معلمتها التي تحبها وتتباهى بها محدقة إليها " يا ترى ما الذي حدث لها إنها تتصرف هكذا لأول مرة لا بد أنها غاضبة من شيء مسبقا’ ولكن لماذا نعتتها بالحمقاء والغبية إن سعاد بكل بساطة لا تحب مادة الرياضيات وهي طالبة متميزة جدا في مادة التاريخ " نظرت المعلمة إلى طالباتها لترى الدهشة جلية في وجوههن البريئة.
صمتت المعلمة لفترة قصيرة ثم بدأت تستعيذ من الشيطان الرجيم محاولة تهدئة نفسها وبعد فترة الصمت اعتذرت من الطالبة سعاد بصوت عالي ولكن هيهات أن يصل اعتذارها إلى قلب سعاد الغارقة في دموعها فتصرفها القاسي قد أزال المحبة التي كانت تكنها هذه الطالبة لها وربما قد أزال أيضا محبة الطالبات الأخريات بما فيهن ريم التي كانت تعتبرها نجمتها المشهورة والمعلمة المفضلة لديها ولكن سلوكها الذي لا تجد له ريم أي تبرير قد جبرها أن تخرج حبها لها مع ثاني أكسيد الكربون في عملية الزفير لتتنفس هواءا جديدا مفعما بالحب والحياة . قررت ريم أن تختار معلمة أخرى لتكون المفضلة لديها فالحياة في نظرها لا تقف عند شخص واحد .
دق جرس مغادرة المدرسة فأدخلت ريم أغراضها المدرسية في حقيبتها لتغادر المدرسة وقبل أن تخرج من المدرسة وقفت عند البوابة وتنفست الصعداء وعاهدت نفسها أن تدفن أحداث المدرسة الحزينة هنا وأن لا تتذكر شيئا حزينا حدث هنا لتعيش ما تبقى من اليوم بمرح وسعادة.

زينب الجابري
رد مع اقتباس