عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 21-07-2011, 04:24 PM
الصورة الرمزية أحمد الهديفي
أحمد الهديفي أحمد الهديفي غير متواجد حالياً
اللجنة الإعلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 123
افتراضي

مُسافر للحظة -

للعلم تم حذف مقطع من النص لحجمه الكبير.

طردني أبي من البيت، هذه ليست المرة الأولى التي أطرد فيها وبهذه القسوة، عادةً يستضيفني أحد أصدقائي في منازلهم، أو أتجه إلى مجلس بيت خالتي، أتسلل كـقط، وأنام دون أن يعلم أحد بمجيئي ..، ثم أعود إلى باب بيتنا صباحاً كجرو يرمى في السيوح ويعود إلى ذات جهنم التي لا تطيقه، أتوسل إلى أبي أن يُدخلني، فلا يسمح لي بذلك إلا بعد أن يُشعرني بدونيتي ثم أدخل .
اليوم هو اليوم الوحيد الذي اتخذت فيه قراراً صارماً إلى هذا الحد، لم يفلح أي كائن في إقناعي بالتراجع، أيّ أب يمكن أن يضع رأسه على وسادته دون أن يطمئن على أبنائه أنهم بسلام ؟ كيف لأبي أن ينام، هو يعلم جيداً أنني لا أملك نصف ريال في جيبي ويعلم أن هاتفي بلا رصيد وأنا خارج البيت.
ألصق كفه الغليظ على خدي بعنف وأغلق الباب في وجهي، هذا ما أتذكره جيداً، هي خمسة دقائق فقط لم تسعفني، تأخرت بها عن موعد إغلاق بوابة البيت، هل كان تأخري هو جرمي الوحيد لأحصد كل هذا، وبهذه القسوة .. ،!
لا أريد أن أجشم خالتي الشجار مع زوجها بسبب مبيتي في مجلسهم كل مرة، بحجة أنه يخاف على بناته مني، ولا أريد أن أثقل على أصدقائي، فمؤكد أن لهم أباء كأبي أو لا .. ربما أقل قسوة، لابد أن أصر على قراري ..
لم يقصر أبناء خالي في تكفل تعبئة هاتفي، ولكنهم بعيدون عني لتزويدي بالمال، وحدهم من يُدركون ما أٌقاسي، وحدهم من يعلمون جيداً تفاصيل معاناتي مع أبي، وعدد مرات طردي من البيت، يعرفون أسرار طلاق أمي، وسر رسوبي في مادة الفيزياء هذه السنة، ولذلك أخبرتهم بخطتي في الهرب إلى أمي، لن يساعدني أحد سواهم، حتى أخي الأكبر الذي كان سبب تأخري في تلك الخمس دقائق اللعينة لن يساعدني، وسيخشى على موقفه أمام أبي.
اتصلت بصديقٍ لي يملك سيارة، طلبت منه أن يوصلني إلى مركز الحدود، لأسافر إلى أمي، تذكرت أن السفر إلى أمي بعيد بعيد، ويحتاج أن أحصل على بطاقتي الشخصية، تلك التي يحتفظ بها أبي كوصية شيطان، كيف لي أن أحصل عليها يا ربي، طلبت بطاقة ابن عمي الشخصية كونه يشبهني، كنت أستعيرها منه كلما حاولت الهرب وأعيدها بعد أن تفشل كل مخططاتي، اليوم سأحتاج إليها كثيراً، أوصلني صديقي إلى مكان ما لم يستطع أن يوصلني لأبعد عنه، كون أنه لا يستطيع أن يتأخر عن البيت، ولهذا عذرته، لربما هنالك ساعة السندريلا التي ينتظر فيها الآباء أبناءهم، وتركني في مكان يبعد عن مركز الحدود بكثير، شكرته ثم نزلت من السيارة، المكان لا يبدو غريباً، رباه .. لم أخرج من حدود مدينتي الشاسعة بعد ..
ماذا افعل !؟ ، كنت أشعر بالجوع، ولم يبق شيء عن وقت الإمساك، المطاعم ممتدة على امتداد الشارع وأنا أمشي، أمشي ..
توقفت إلى أحد المقاهي، طلبت قنينة ماء، أسعفني درهم إماراتي في محفظتي ظللت محتفظاً به لأكثر من سنة، ولكن العطش كان أقوى من أن أتمسك بذكرى عابرة قديمة، تابعت المشي، أوقفتني سيارة أجرة، يبدو أن سائقها في ـ سن جدي، طلب مني الركوب، ولكني أومأت له بالذهاب كوني لا أملك ثمن الأجرة، فـرحل ..
سمعت آذان الفجر، مررت بمسجد وصليت فيه، دعوت ربي أن يوصلني إلى أمي قبل أن يعرف أبي بتحركاتي، ما أن خرجتْ حتى اتصل بي أخي الأكبر، لم يسألني عن مكاني، أو " هل تسحرت " .! طلب مني بإصرار العودة إلى البيت والتوسل إلى أبي كالعادة:
- سـأعود، لا تقلق، أنا بالقرب من المنزل.
هكذا أخي دائماً لا يشعر بما أشعر، وسيخلد للنوم بعد دقائق.
الجو حار للغاية، يبدو أنني قطعت مسافة طويلة وأنا أمشي،
كم هي المسافات قريبة جداً حينما نمشي وأذهاننا مشغولة بالتفكير إلى أبعد حد، كم أتوق لحضن أمي بعد هكذا عراك مع الزمن، كنت قد طلبت من أبناء خالي مساعدتي في إيصالي إلى مركز الحدود الذي سأنتظر أمي بالقرب منه، أتمنى أن لا يخذلوني، فقدماي تقطعت من المشي،
تفاجأت بأن أبناء خالي يصلون إلي بعد أن فقدت الأمل، كرحمة مرسلة من الله، وصلت إلى درجة كنت أتصبب فيها من العرق والضمأ وأنا صائم، دموعي تختلط بعرقي، رافعاً ثوبي إلى ركبتي لتتسع خطوتي، خجلت كثيراً من مظهري أمامهم، ركبت معهم السيارة، شعرت بالخزي أكثر حينما تكررت مكالمات أمهم بين الدقيقة والدقيقة الأخرى، وهم يترددون في الرد ..
كان الوقت فجراً، ضحكنا كثيراً كأن لم يحدث شيء، فنحن في هذا السن، تجمعنا ذات الهموم على اختلاف الطرائق، والتفاوت في درجات القسوة، كنت فرحاً بلقائهم، كوني حُرمت من الذهاب إلى بيتهم منذ أن رحلت أمي، أوصلوني إلى المركز، وجدت أمي هناك تبكي، وأخيراً رأيت وجهها بعد غياب عامين .. شاحباً كما لم أتوقع، أخذتني لحضنها، الحلم الذي لا أود له أن ينتهي.
فجأة، انتزعني أبي من كتفي ورمى بي في سيارته وعدت إلى جهنم.

عائشة المعمرية

التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم الرواحي ; 30-07-2011 الساعة 09:08 AM
رد مع اقتباس