الموضوع: أشتاقني !
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-06-2011, 04:44 PM
الصورة الرمزية مريم
مريم مريم غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 48
Post أشتاقني !

اخترقت كلماتهُ الأخيرة طبلة أُذني ، تردد صدى حروفه كنشازِ عالي مُخلفاً صداعاً شديداً أرخى بستائرهِ السوداء على عالمي ، فاستحال الكون أمام ناظري مُشوهاً بغيضاً وثمةُ غصة تخنق أنفاسي .

كيف تجرأ هذا الغبي على طلبِ أمر قذر كهذا مني ؟!

أيُّ فتاة ألبسنيها ؟

اتجهتُ إلى المرآة ، لم أبصُرني ، أبصرتُ أخرى !

اتسعت حدقتا عينيّ اقتربتُ أكثر ، أمعنتُ النظر ، لكنني لم أرني ، كانت على المرآة فتاة أخرى ، لستُ أنا ، فتاة تشبه ندى !

بحثتُ عن ملامحي والفتاة التي كنتُها لكنني لم أحضا سوى بالكلمات المتقاطعة تحيطُ بها الأوهامُ والتساؤلات .

اضطرب فؤادي وتسارعت نبضات قلبي ، شعرت بأن الغرفة تخلو من أدنى ما أحتاجُ إليه من الهواء فهرولتُ إلى النافذةِ أطلقتُ صدرها وحاولتُ جاهدة أن أعبَّ من النسيمِ قدر استطاعتي .

ألفُ فكرة كبلتني بالقيود والهواجس ، جعلتني عاجزة حتى عن استعادة الحدث .

سبرتُ أغواري أنشدُ الأمان وأتسول الإجابات محاولة جسَّ قلبي المتشظي ، أصبتُ بالدوار ، و وجدتني قشة تائه في عرضِ البحر.

فتاة يطوقها الحياء ، ترسمُ البراءة ملامحُها ، بعينين حالمتين بالغدِ الجميل ترتلُ الصلوات وعلى صفحة وجهها تشرقُ سماء القرية ، ابتسامة أم وأحلام تلونها السذاجة والطاهرة على حدِ سواء، تلك الفتاة التي كُنتها .

ندى ... هذه الصورة التي تقفزُ الآن أمامي ، تكبر الصورة ، تكبر ، أتقزم ، تكبر وتلتهمني .

أبهرتني ندى منذ لقاءي الأول بها ، أقحمتُ نفسي إلى عالمها – وكم كان ذلك بسيطاً – وأصبح اسمها واحداً من قائمةِ أحبها من الصديقات ، سطع اسم ندى مع الأيام ، بهُتت أسماء الصديقات ، تلاشت ، ثم غابت وبقى اسم ندى نجماً ساطعاً في سمائي المتصدعة .

ندى خازن الجنة الذي سيقودني إلى جادّة الصواب ؛ لأصبحُ الفتاة التي أريد – الفتاة التي تشبه ندى – الفتاة الجميلة ، الجذابة التي تستولي على الاهتمام وتلفتُ الأنظار .

أتقنتُ مع ندى فن المحاكاة كبغبغاءِ أرددُ كلماتها وكالأعمى أسيرُ خلف ترهاتها ، ألبسُ ما تلبس ، أفكر بما تفكر ، مجهضة معتقداتي السابقة ، ضاربة بمبادئي وأفكاري الأثيرة إلى روحي عرض الحائط ، كل شئ يهون لأصبح كأيقونتي المقدسة – ندى – هذه الفتاة الحلم .

في بعض صباحاتي كنتُ ألمح على عجل وجهُ ندى ينعكسُ على مرآتي ، ظلال عينيها و أحمر الشفاه اللامع الذي تتأكدُ من لمعانه بين الفينة والأخرى.

إلى أي مدى كانت أعماقي خاوية لتمتلئ بتلك السرعة بصورة ندى ؟

أخرستني الأسئلة وأسكنتني الحيرة ، قبائل من الخفافيش بعثرت سكينتي وأسقطتني في جُب من الوجع .

يوم ، يومان ، ثلاثة أيام وأنا والألم لا ثالث لنا ، تأسرني حيطان الغرفة الباردة ، أبحثُ عني بين كتبي ، دفاتري ، وأشيائي القديمة التي لم تعد تروق لي ، خارج تغطية العالم بأسره ، تراودني رسائل ندى واتصالاتها أعيد ترتيب صورتها ، أتقزز عندما أجدُ صورتي متطابقة مع صورتها أجدني ظل ندى ، شيئا منها ، كائنُ ملتصقُ بنزقِ ليضئ دربه المعتم بنجمِ مرّ آفلاً وتوهمهُ قمراً .

عندما جاءت ندى لزيارتي بعد أسبوع تحمل سلعها الرخيصة ، بقيتُ صامتة ، ثم ابتسمتُ شاكرة لها سعيها لتركيب صورتي التي تريدها ، وكنتُ أسعى لها و صوتا من أعماقي كان يسترسل بألحانه العذبة عوداً أحمداً يا سارة .
__________________
رد مع اقتباس