الموضوع: مراسم النذور
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19-09-2013, 10:41 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...توصيفٌ بديعٌ-أخي الكريم الحبيب ناجي جوهر-لتلك التقاليد الاجتماعية الموروثة في منطقتكم عن ( مراسيم النذور ) والتي غدتْ في النهايةِ مظهراً شعبويًّا لطيفاً تحكيهِ الجدَّاتُ للأحفاد...

فقط-أخي الحبيب-لي بعد إذنِكَ إثارةٌ متواضعةٌ هادئةٌ لموضوع ( النذر ) من الناحية الشرعية التأصيلية،تعليقاً على ما ورَدَ في تعليقيْ الأخوين الكريميْن الحبيبيْن ؛ إدريس الراشدي وبوميحد...

والحق أن ما ذهبَ إليه الأخوَان عن أحكام النذور يلامسُ الصوابَ الشرعي المقرر-عند علمائنا الثقات-في أبواب ( المعاملات )...

كلاهما صائبٌ-إن شاء الله-في ما ذهبَ إليه..فقط إنما تناوُلُ المسألةِ الشرعيةِ من جوانبَ جزئيةٍ هوَ ما يُوهِمُ القارئَ أنهما على اختلافٍ..وما هما في الحقيقةِ على اختلافٍ...

فأخونا الكريم إدريس تناولَها من زاويةٍ شرعيةٍ صحيحةٍ..وأخونا الكريم بوميحد تناوَلَها من زاويةٍ شرعيةٍ صحيحةٍ أخرى...

وإليكم-أحبتي-النظرة الشرعية الكلية للمسألة كما هي مقررة في أصولنا الفقهية...

لمَّا كانَتِ النذورُ أنواعاً-حسَبَ طريقةِ ما يُلزمُ المسلمُ نفسَهُ طاعة ًللهِ-فإنها بالتالي تتراوَحُ بين الإباحةِ والكَراهةِ والتحريم...

أمامي الآنَ مرْجعَان معتمدان من مراجع علمائنا الأخلاف الثقات..لنفتحْهما ونرَى..

ــــــــــــــــــــــــ


يقولُ العَلَّامة الشيخ أبوبكر جابر الجزائري حفظه الله-الإمامُ والمدرسُ بالمسجدِ النبوي الشريف-في كتابه الثر ( منهاج المسلم ) ص : 469 :

(( يُباحُ النذرُ المُطلق الذي يُرادُ به وجْهُ الله تعالى كنذر صيامٍ أو صلاةٍ أو صدقةٍ،ويَجبُ الوفاءُ به..

ويُكرَه النذرُ المقيد [ المشروط ] كأن يقولَ : إن شفى اللهُ مريضي صمتُ كذا أو تصدقتُ بكذا لقول ابن عمر رضي الله عنه-في الحديث الصحيح المتفق عليه-(( نهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال : إنه لا يَرُدُّ شيئًا وإنما يُستخرَجُ به مالُ البخيل ))..

ويَحرُمُ-النذرُ-إذا كانَ لغيْر وجه الله تعالى كالنذر لقبور الأولياء أو أرواح الصالحين،كأن يقولَ : يا سيدي فلان،إن شفى اللهُ مريضي ذبحتُ على قبركَ كذا أو تصدقتُ عليكَ بكذا،إذ هذا من صرْفِ العبادةِ لغيْر الله تعالى،وذلكَ الشركُ الذي حرمه اللهُ تعالى بقوله-في سورة النساء : (( واعبدوا اللهَ ولا تشركوا به شيئًا ))...
)) اهـ

ثم يستطردُ العلامة الشيخ أبو بكر جابر في ذكر أنواع النذور في الإسلام التي تنسحبُ عليها أحكامُ تلك الإباحة والكراهةِ والتحريم،فبيَّنَ أنها-على الأعم-سبعة أنواع...

يقولُ في ذاتِ الكتاب ص : 469 و 470 و 471 :

(( أنواعه : للنذر أنواعٌ،وهي :

1- النذر المطلق [ المُعيَّن ] : وهو الخارجُ مَخرج الخبر،نحو قول المسلم : لله عليَّ صومُ ثلاثةِ أيامٍ،أو إطعام عشرة مساكينَ مثلاً،يريد بذلكَ التقربُ إلى الله تعالى..

وحُكْمُ هذا النوع من النذر وُجُوبُ الوفاءِ،لقوله تعالى : (( وأوفوا بعهدِ اللهِ إذا عاهدتم )-النحل-،وقوله سبحانه : (( وليُوفوا نذورَهم ))-الحج-

2- النذرُ المطلق غير المُعيَّن،كقول المسلم : لله عليَّ نذرٌ..ولمْ يذكر النذرَ..

وحكمه أنه يجب عليه في الوفاء به كفارة ُيَمينٍ،لقوله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح الذي رواه الإمامُ مسلم-: (( كفارة النذر إذا لمْ يُسَمِّهِ كفارة يمين ))،وقيلَ يُجْزئـْـهُ فيه أقلُّ ما يُسمَّى نذراً كصلاةِ ركعتيْن أو صيام يومٍ..

3- النذر المقيَّدُ بفعل الخالق عز وجل ؛ وهو الخارج مخرجَ الشرط كقول المسلم : إنْ شفى اللهُ مريضي أو رَدَّ غائبي أطعمتُ كذا مسكيناً،أو صمتُ كذا يوماً..

وحُكمُه-مع أنه مكروهٌ-يجبُ القيامُ به،فإذا ما قضى اللهُ حاجتـَهُ وَجَبَ عليه فِعْلُ ما سمَّاهُ من العبادة،لقوله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري-(( مَنْ نذرَ أن يُطيعَ اللهَ فليُطِعْهُ ))،وإن لمْ يَقضِ اللهُ حاجتـَهُ فلا وفاءَ عليه..

4- النذر المقيَّدُ بفعل المخلوق ؛ وهو نذرُ اللجاج [ التحدي والمعاندة ]،كقوله : أصومُ شهراً إن فعلتَ كذا وكذا،أو وقعَ كذا وكذا،أو أخرجُ من مالي كذا وكذا إن فعلتَ كذا وكذا..

وحكمُه أنه يُخيَّرُ بين الوفاءِ به وكفارة يمين إذا هو حَنثَ فيما عَلَّقَ النذرَ عليه،لقوله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح الذي رواهُ سعيد في سننه-(( لا نذرَ في غضَبٍ،وكفارته كفارة يمين ))،إذ نذْرُ اللجاج غالباً لا يكونُ إلا معَ غضبٍ،ويُرادُ به منْعُ المخاطَبِ من فِعْلِ شيْءٍ أو ترْكِهِ..

5- نذْرُ المعصية ؛ وهو أن ينذرَ فِعْلَ مُحَرَّمٍ أو ترْكَ واجبٍ،كأنْ ينذِرَ-والعياذ باللهِ-ضرْبَ مؤمنٍ أو ترْكَ صلاةٍ مثلاً..

وحُكْمُهُ أنه يَحْرُم الوفاءُ بهِ،لقوله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الصحيح الذي رواه أحمدُ والترمذي وابنُ ماجه وأبوداوود والنسائي-(( مَنْ نذرَ أن يُطيعَ اللهَ فليُطِعْهُ،ومَنْ نذرَ أن يَعْصِيَهُ فلا يَعْصِهِ ))،غيْرَ أنَّ بعضَ أهل العِلْمِ رأوْا أنَّ على صاحبه كفارة يَمينٍ لقوله صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي رواه أبو داوود بلفظِ : (( ....ولا فيما لا يملكُ ابن آدمَ )) وسندُهُ لا بأسَ به-(( لا نذرَ في معصيةٍ،وكفارتـُهُ كفارة يَمين ))..

6- نذرُ ما لا يملكُ المسلمُ،أو ما لا يُطيقُ فعلـَهُ،كأنْ يَنذرَ عِتقَ عبْدِ فلانٍ،أو التصدُّقَ بقنطارٍ من الذهبِ مثلاً،وحكمُه أن فيه كفارة ً،لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-الذي رواه عبد الرزاق والنسائي بلفظ : (( لا نذرَ في مَعصيةِ اللهِ ولا فيما لا يُمْلكُ ))-(( لا نذرَ فيما لا يُملَكُ ))..

7- نذرُ تحريم ما أحلَّ اللهُ تعالى ؛ كأنْ يَنذرَ تحريمَ طعامٍ أو شرَابٍ مُباحيْن،وحكمُه أنه لا يُحرِّمُ شيئًا مما أحلَّ اللهُ سِوَى الزوجةِ،فمنْ نذرَ تحريمَها وجبَ عليه كفارة ظِهارٍ،وما عدا الزوجة ففيه كفارة يَمين..

( تنبيهان ) :

- مَنْ نذرَ كلَّ مالِه يُجْزئهُ الثلثُ منه إن كان النذرُ مُطلقاً،وإن كانَ النذرُ نذْرَ لجَاجٍ يكفيهِ كفارة يَمين..

- مَنْ نذرَ طاعة ً،وماتَ قامَ وليُّهُ نيابَة ًعنه،لِمَا صحَّ أن امرأة ًقالتْ لابن عمَرَ-رضي الله عنهما-إن أمَّهَا نذرتِ الصلاة في مسجدِ قِبَاء،ثم ماتتْ،فأمَرَها أن تصلي عنها بمسجدِ قِبَاءَ
)) اهـ

ــــــــــــــــــــــــ


وتعميماً للفائدة الشرعية-أحبتي-وإمعاناً في التأصيل الشرعي للنذور،أمامي الآن المرجع الثاني،وهو كتاب ( السُّنة النبوية بيْن أهل الفقه وأهل الحديث ) لفضيلة العلاَّمة والداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله...

نفتحُ الكتابَ ص : 131 لننقلَ هذا الكلامَ العلميَّ النفيسَ :

(( تلاوة ٌقليلة ٌللقرآن الكريم،وقراءة ٌكثيرة ٌللأحاديث،لا تعطيان صورة ًدقيقة ًللإسلام،بل يُمكنُ القوْلُ بأن ذلكَ يُشبهُ سُوءَ التغذيةِ،إذ لابد من توازُن العناصر التي تكَوِّنُ الجسمَ والعقلَ على سَواءٍ...

ولنضربْ أمثلة متدرجة ًمن الخفيفِ إلى الدقيق :

يرى الإمامُ الصنعاني-رحمه اللهُ-أن النذرَ حرامٌ،معتمِداً على حديثِ ابن عمرَ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهَى عن النذر..! وقال : (( إنه لا يأتي بخيْر،وإنما يُستخرَجُ به من مال البخيل ))..

والنذرُ الذي لا يأتي بخيْر هو النذرُ المشروط الذي يُشبه المعاوضاتِ التجارية،يقول الإنسانُ : للهِ عليَّ كذا إنْ شُفِيتُ من مَرَضي أو إن نجحَ ابني...

أما النذورُ الأخرى في طاعةِ الله فلا حرَجَ منها،مادامتْ من الناحيةِ الفقهيةِ صحيحة...

والسؤال : كيفَ يَحكمُ بأصل الحُرْمةِ في النذور كلها مع قولِه تعالى في وصْفِ الأبرار : (( يُوفون بالنذر ويَخافون يوماً كان شرُّهُ مستطيراً ))-الآية 7 من سورة الإنسان-وقوله في موضعٍ آخر : (( ثم ليقضوا نفثَهُمْ وليُوفوا نذورَهُمْ وليَطوَّفوا بالبيْت العتيق ))-الآية 29 من سورة الحج-...
)) اهـ

بوركَ فيكَ أخي ناجي..وبوركَ في بقية الأحبة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 20-09-2013 الساعة 02:39 PM
رد مع اقتباس