عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 27-08-2013, 10:22 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...كانتِ ( الأخلاقُ )-وما تزالُ وستبقى أختي الكريمة ريم-عنوانَ ( الرجولة ) الحقةِ في الذكَر الحُرِّ وعنوانَ ( الأنوثةِ ) الحقةِ في الأنثى الحُرَّة...

وأهلُ الفِطرةِ الإنسانيةِ السويةِ يُجمعونَ-قديماً وحديثاً-على أنَّ إحساسَ الإنسان بآدميتهِ المُنزَّهَةِ عن غريزةِ السوائم العجماء يتأتى أصلاً من رصيده الأخلاقي الحَسَن في نفسِهِ ومَعَ الغيْر...

و ( مكارمُ الأخلاق ) ليسَتْ إتِيكِيتاً اجتماعيًّا يتدثرُ به المرءُ حيناً من الدهر،طمَعاً في وجاهةٍ أو تشهيراً لدعايةٍ فنيةٍ أو انتخابيةٍ كما يفعلُ كثيرٌ من طلاَّبِ المغانم هنا وهناك..!!

إنها جزءٌ أصيلٌ في كَيْنونةِ الحُرِّ،تصدرُ عنه-قولاً وفعلاً وسلوكاً ومعاملة ً-يستوي فيها إسرارُهُ وإعلانـُهُ في غيْر تصنـُّعٍ أو تكَلفٍ أو تمْويهٍ أو مُداراة...

إنها التواضُعُ ولينُ الجانبِ وخفضُ الجناح في غير ما خنوعٍ وإذلالٍ وانكسار...

إنها الترفعُ عن الدنايَا وسفاسفِ الأمور ومهاتراتِ الصبيان في غيرما تكَبُّرٍ أو عجرفةٍ أو انتفاخٍ أجْوَف...

إنها النظرة اللطيفة الحانية وقتَ المرحمةِ..وإنها النظرة الحازمة الصارمة وقت الملحمة...

إنها الصمتُ الحكيمُ الجليلُ الجميلُ حينَ يكثرُ الهَذرُ والمَذرُ والثرثرة..وإنها النطقُ الحكيمُ الجليلُ الجميلُ حينَ يستدعي الأمرُ مقارعة الباطل ووضع نقاط الحق على حروفه الصحيحة..

إنها الإقدامُ في غيْر تهَوُّرٍ..وإنها الإحجامُ في غيْر جُبْنٍ..

قالَ معاوية بن أبي سفيانَ لعمْرو بن العاص رضيَ اللهُ عنهما : (( أعياني يا عمْرُو أن أعرفَ،هل أنتَ شجاعٌ أم جبانٌ..؟؟!! إنكَ أحياناً تـقدِمُ،فأقولُ إنكَ أشجعُ الناس،وأحياناً تـُحجِمُ،فأقولُ إنكَ أجبنُ الناس..!! ))..فقال عَمْرُو :

شُجَاعٌ إذا أمكنتنيَ فرصــة ٌ ** فإنْ لمْ تمكِّنـِّي فرصة ٌفجبَانُ..!!

الأخلاقُ في تقديري-أختي الكريمة ريم-هي الثباتُ على هذا التوازن الوسَطي المعتدل في شخصيةِ الإنسان بحيثُ لا إفراط فيها أو تفريط،وبصرفِ النظر عن رضى فلانٍ عنها أو سَخطهِ...

وغيابُ هذا التوازن في مجتمعنا..أو الشطط فيه،هو للأسف ما أفقدَ عنصر ( الأسوة والقدوة والمثل الأعلى ) بين مُعظم أفراده إلا مَنْ رحِمَ ربي..!!

وحين انهارَ هذا العنصر لانهيَار الأخلاق أصلاً..سقطتْ معاييرُ الاحترام والتوقير والتبجيل بين الآباء والأبناء..بين الجار وجيرانه..بين الصديق وخلانه..بين الأم وابنتِها..بين المُربي وتلامذتِه...

والانهيارُ يبدأ أولاً حين تتفيهِ الاهتمام بـ ( الصغائر ) التي قد لا يعبأ بها أربابُ الوجاهةِ الفكريةِ المنشغلين فقط بـ ( العظائم ) أو هكذا يعتقدون..!!

وإليكِ نموذجٌ بسيطٌ لتقريب الصورة ...

أحدهم قد يُجردُ لسانـَهُ أو قلمَه،يصولُ به يَمنة ً ويَسْرَة ً هنا وهناك..وتريْنـَهُ يُنظر ويُؤطرُ ويُبدِعُ حِكَماً وفلسفاتٍ،بينما في نفس اللحظة لا يتورّعٌُ أمامَ ابنه في ( إشعال سيجارةٍ ) أو يطلبُ منه النزولَ لكشك السجائر لشراءِ علبة ( مارلبورو )..!!

فتأملي أنتِ-أختي-كم قيمةٍ أخلاقيةٍ انهارتْ هنا في هذا الموقف-الذي يراه البعض بسيطاً-وكمْ سيبدو الوالدُ الفيلسوفُ ( الكبير ) أمامَ ولدِه مُهَرِّجاً..أو بهلوانيًّا لا أكثر ولا أقل...

أحدهم قد يتحدث عن الدين..وغياب الدين..ومحنة الدين..وغربة الدين..ويتحدث في جراحاتِ الأمة وقضاياها الكبيرة هنا وهناك،وهوَ لمْ يُرَ مرة ًفي صلاةٍ مسجديةٍ،ولم يَرَهُ أولادُهُ مرة ً يقومُ لصلاةِ الفجر حاضراً،فضلاً عن أن يقِفَ بهمْ إماماً..!!

أريدُ أن أقولَ-أختي الكريمة-إذا أردنا استردادَ تلكَ المكارم إلى حياتنا بشكل جديٍّ وفعال..فإن المسألة تبدأ أولاً من هنا..من استعادةِ الأسوة والقدوة الحسنة في صغائر تصرفاتنا أمام أولادنا وجيراننا ومعارفنا الأقارب قبل الأباعد...

وحين يبدأ المرءُ فينا بتنظيم أخلاقهِ تحت أنفه أولاً كان سهلاً عليه جداً أن يُمددَ آفاقَ تلك الأخلاق إلى مساحاتٍ بعيدة...

وبوركتِ يا بنت بلاد الحرميْن على جمال الطروحات...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!

رد مع اقتباس