عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-08-2013, 08:03 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي

...وتبقى-أختي الكريمة وهج..-قصة ُ( واقِعِ أبنائنا ) قِصَّة ٌتبعثُ على الأسى والعَجَبِ في آنٍ واحدٍ..!!

تبعثُ على الأسَى،لأن ظاهرة انحرافهم-خصوصاً في فئةِ المراهقين-وهي التي أطلقَ عليها علماءُ الاجتماع المعاصرون مصطلحَ ( الجنوح délinquance ) تزدادُ بوتيرةٍ مذهِلَةٍ في مجتمعاتِنا العربية وتنتشر بمُعَدَّلاتٍ وبائيةٍ وتأخذ-في أشكالها ومظاهرها-نمَطاً مخيفاً مرعباً من الشذوذ والنشاز..ومبعَثُ الأسَى والألم أن للآباءِ-في طرائق تربيتِهم ومعاملاتهم-دخلاً مباشراً في تهيئةِ المناخ الذي يَدفَعُ بالولد المراهقِ إلى الانحراف الفكري والنفسي والأخلاقي والإنساني..وربما الآباءُ-في كثير من الأحيان-لا يتعمدونَ تلكَ التهيئة المناخية لانحراف الأبناء،ولكنهم بِحُسْنِ نيَّةٍ يُسيئُون إليهم من حيثُ يظنون أنهم يُحسِنون،أو أنهم يستسهلون ترْكَ الحابل على الغارب للأبناء أن يتحركوا ويتصرفوا بحريةٍ مُطلقةٍ،تغيبُ في باحتِها الحِكمة والعقلانية...

أما كوْنُ الظاهرةِ تبعثُ على العَجَب،فلأنَّ المظنونَ يقولُ : إن الذي يَدفعُ إلى انحرافِ الأبناء-وفقَ نواميس الأسباب والمسببات-هو العوامل الاجتماعية المُزرية المعروفة،مثل ؛ الفَقر..المرض..الجوع..لقمة العيش..الضوائق الاقتصادية المختلفة...الخ...

ونحنُ ما ننفي أن هذه العوامل سببٌ رئيسٌ في تفشي الآفاتِ الاجتماعية المختلفة-بما فيها جنوح الأطفال والمراهقين-لكنَّ التقاريرَ الدورية ذاتَ الصلةِ بواقع المجتمعاتِ العربية تكشفُ أن جيوشاً من المراهقين في أغلب مجتمعاتنا العربية-خصوصاً تلك المجتمعاتِ الموْسومةِ بالثراء والرفاهيةِ ورَغَدِ العيش-تجنحُ للانحراف والعَوَج النفسي والأخلاقي دون أسبابٍ من الفقر والجوع والحرمان المادي،ويَقعونَ في الجريمة والرذيلة وهم يَعيشون بين ذويهم وأهليهم حياة ًعلى أعلى مستوى من الرفاهِ المادي ( !!!!!!!! )...

وتكفي-أختي-نظرة واحدة في سلسلةِ أعداد المجلة العربية للتربيةِ والثقافةِ والعلوم ( ألِكسو alecso ) في ( أبواب الإحصاءات الدورية التربوية الأسرية ) منذ 2010 للميلاد،سَتريْنَ العَجَبَ العُجابَ..!!!

يَكادُ الباحثون والمعنيون بدراسةِ وتشخيص هذه الظاهرة المستفحَلة يُجْمِعُون أن 85 في المائة إلى 90 في المائة من أسبابها تعودُ بالدرجةِ الأولى إلى نمَطِ العِلاقةِ والتعامل الذي يتبناه الآباء مع الأبناء بقصدٍ أو بغيْر قصدٍ..وتبقى نسبة 10 في المائة فقط تعود إلى الأسباب المادية والاجتماعية الأخرى..!!!

لقد رَفَعَ كثيرٌ من الآباءِ-عفا اللهُ عنهم-شِعارَ (( أرحامٌ تدفعْ وشوارعُ تبلَعْ ))..!!

وليْتَ الأمرَ توقفَ فقط على غول الشارع وآفاته...!!

لقد وُجِدَتِ الآن غِيلانٌ وغِيلانٌ..!!!

غول التلفزيون وقنواته..غول النت وعالـَمِهِ المتلاطم الهائج المائج..غول الآيفون..والسانفوني..والقلاقسي...الآيباد وبقية المَلاحق..غولُ السياحة والانطلاقات الحركية هنا وهناك دون قيْدٍ أو ضبطٍ تحت ذرائع العصرنة والعالم المتحضر المتمدن..غول الموضة في كل شيء ؛ في الأكل والشرب واللباس وتسريحة الشعر وبقية التقاليع...غول السباق المجنون المسعور في اقتناء كل جديدٍ مادي بصرف النظر عن الالتفات إلى محظوراته الشرعية والعُرفية والتربوية..اقتنائِه ولو كان تافهاً ساذجاً..!! غول التقليد المحموم لكل وافدٍ من غير أن ينبِسَ الأبُ أو الأمُّ بكلمةِ توجيهٍ واحدةٍ للابن الذي يدخل ويخرج ويُقلدُ كما يشاء،كيفَ يشاء...

إنها غيلانٌ تأكلُ صباحَ مساءَ وتتغذى على فِكر المراهق وعقليته ونفسيته وهويته،فما تمر السنواتُ القليلة حتى يتحولَ إلى كوْمَةٍ من الانحراف والجنوح لا يُوقِفـُها شيءٌ أبداً..!!!

حتى إذا وقعَ الفاسُ في الراس استيقظ الآباءُ من سباتهم بعد فوات الأوان..!!

في تقديري-أختي-ومن خلال تجربتي الشخصية المتواضعة مع أولادي،أقول :

إن مظاهرَ العصرنة الكثيرة التي يَعيشها أطفالنا وأولادُنا لا نستطيعُ أبداً إزاحتـَها أو قمْعهم فيها...

إن التلفزيون..إن النت..الآيْفون..إن السيارة..إن السفرَ والسياحة والتنقل..إن كثيراً من تلك المظاهر ضرورية،ولا مَحيصَ عنها،ولاَ مناصَ منها في حياتنا..بلْ إن أكثرَها غدتْ ضرورة عصرية لا فِكاكَ عنها أو مفر...

والمشكلة-كما نقول دائماً-ليستْ في ذواتِ هذه المظاهر العصرية...

المشكلة أساساً تكمنُ في سياسةِ الاستخدام وطريقة التوظيف...

هنا يَغيبُ تماماً ( مبدأ التوجيه والترشيد ) عند كثير من الآباء...

وحين يَغيبُ التوجيه والترشيدُ منهم،فإن أولَ شيءٍ يَنهارُ في حِسِّ الولد المراهق هو ( الأسوة والقدوة والمثل الأعلى ) الذي يَراهُ-أو بناهُ في خياله-عن والِدِهِ أو أمِّهِ..!!!

أنا أعتبر أن البيتَ الذي يبقى التلفزيون فيه..ويبقى الكومبيوتر..ويبقى البلايتيْشن..تبقى هذه الاشياء شغالة عاملة،وبشكل مستمر-في بعض البيوتات-لأربع وعشرين ساعة تقريباً دون قيْدٍ أو مراقبةٍ أو ضبطٍ أو توجيهٍ من الوالديْن...واللهِ لا أعتبرُ هذا البيتَ بيتاً ولا الوالديْن والديْن..!!

الولد الذي يدخل كما يشاء..يأكل كما يشاء ويشرب..يخرج كما يشاء ويعود للبيت في الوقت الذي يشاء..يجلس خلف الجهاز ويستهلكُ من وقته فيه كما يشاء..ثم هو يرى والده من جنس أفعاله وتصرفاته...كيفَ باللهِ علينا سيستقيمُ فيه خلـُقٌ أو ننتظرُ منه نجاحاً في الدراسةِ أو نترقبُ له حياة ًمستقبلية ًمرتبةً منظمة ًمستقرَّة..؟؟

لكنْ..هل يَعني ذلكَ أننا نـُبيحُ للآباءِ قمْعَ أولادهم بصرامةٍ وقسوةٍ كما يفعلُ بعضُ المتنطعين والمتشددين الغلاة..؟؟

إن الترشيدَ في هذه المظاهر العصرية لا يَعني الحرمانَ أبداً..!!

إنه يَعني فقط أن تترتبَ في حِسِّ الولد منذ نعومةِ أظفاره...منذ المناغاة الأولى..ومنذ بدايةِ وعيه البَرائي الطفولي في سنواته الباكرة...

لابد أن يَجعلَ الوالدان-منذ تلك المراحل الأولى-من أنفسهما مرَايَا عاكسة،يغترفُ منها الأولادُ أنوار الاقتداء والتأسي في كل شيء ليبدأ ( المثلُ الأعلى ) في النمو داخل كيانهم العقلي والنفسي،ويكبر معهم شيئًا فشيئًا...

وإن المناخ التربوي المتوازن الذي يَشِيعُ في جو البيت-بتوجيهٍ وترشيدٍ مستمِرٍّ من الوالديْن-يُساعدُ العقلَ الباطنَ للأولادِ ( اللاشعور ) على تأطير حياتـِهِمْ تحتَ مَظلةٍ واقيةٍ،تقيهمْ مزالِقَ الانحراف في التفكير والتصور واللسان وفي التصرف والسلوك...

إن كثيراً من الآباء يتغافل-أو ربما يذهل كليا-عن ولده طوال العشر أو الخمس عشرة سنة الأولى من هذه الناحية،حتى إذا شب الولدُ عن الطوق وانحرف وضاعَ أخلاقيا ودراسيا،راحَ الوالدُ يستيقظ ويندب حظه..ولاتَ ساعة مَندَم..!!!

إن الجرعة التربوية الفعالة الأولى من تلك الأسوة والقدوة التي يتغذى بها عقله وقلبُه وفِكرُه ووجدانـُهُ-في فترة الطفولة الباكرة-هي المصل الواقي الذي يَقيهِ في مرحلة المراهقة و الشباب زوابع الانهيار والجنوح والانحراف..وحتى لو حدث جنوحٌ وانحرافٌ-تحت ضغط العصرنة والإغراءات-فإن تلك الجرعة الأولى من ذلك المصل لا تجعله ينهارُ انهياراً كاملاً،وسيسهُلُ الاستداركُ السريعُ..!!!

لابد من ضربةٍ استباقيةٍ لذلك الانحراف منذ النشأة الأولى حتى إذا شب الأولادُ كنا على يَقينٍ أنهم-وهم جالسون أمام النت أو التلفزيون أو أمام أي وضع عصري-أن ثمرة التربية التي غرسناها في كيانهم وتعهدناها فيهم بالسقي والمتابعة منذ سنين ستثمرُ اليومَ وعيا كاملاً ووقاية حصينة ودرعاً واقياً من ضغط التيارات المختلفة التي تحيط بهم...

هل معنى ذلك أن العيْن تغيبُ عنهم بعد ذلكَ بالإغماض والتغاضي والثقة العمياء..؟؟؟

أبداً...ستستمر تلك العينُ مفتوحة ًعليهم في البيت..في المدرسة والإعدادية والثانوية...في الشارع والنادي..لكنْ من غير أن يشعرَ الأولادُ بأن تلك العين الأبوية الحانية الرحيمة تحولتْ إلى جوسسةٍ وتحري وطريقة مخابرات..!!!

إن الأب والأم-وبكياسةٍ وذكاء تربوي-يعرفان كيفَ يَحميان أولادهما من لوافح الضياع والانحراف في غيْر غباوةٍ في التعامل أو حَماقةٍ في التصرف أو تهَوُّرٍ في الإجراءات أو في غير أنْ يُخطِئآ التقديرَ في طرائق التوجيه والترشيد والحماية...

حمى اللهُ أولادنا جميعاً من موجةِ الانحراف...ودمتِ-ست وهج-مِعطاءَة ًفي طرح هكذا إشكالاتٍ هادفةٍ نافعةٍ...و..و ( دمتم سالمين ) على رأي أبو طلال..!!
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 04-08-2013 الساعة 02:42 PM
رد مع اقتباس