عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-04-2013, 11:41 PM
خلفان الحنظلي خلفان الحنظلي غير متواجد حالياً
كاتب جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 6
افتراضي هديل القلم / 7 : [ إنجف عيديد ]


السلام عليكم




هديل القلم / 7 :
[ إنجف عيديد ]




بالطبع نلاحظ أن المجمعات والمراكز التجارية الكبيرة ، هي أقرب ما يكون لتجمع جماهيري مختلف الأعراق والجنسيات ، وبمرورك في أروقة أي منها تسمع - " غصبا عنك " - حديث الناس وهم يتسوقون ويتجادلون حول نوعيات السلع وتسعيراتها .
تسمع أفراد العائلة الواحدة ، أو الأصدقاء يتحدثون بلغات ولهجات تمكنك من تحديد الموطن الأصلي ، أو المنطقة أو الولاية التي ينتمون إليها ، وفي أحيان عدة تستطيع تحديد حتى القرية التي جاءوا منها ، ويساعدك في ذلك بعض المفردات الخاصة التي لا تقال إلا من قبل أهل مكان معين معروف .
في إحدى زياراتي - التي لا أنساها طبعا - إلى محافظة ظفار وتحديدا لصلالة مدينة الرذاذ والخريف - " يا عيني على الخريف " - إلتقيت برجل جبالي كبير السن ، وتحدثت إليه لوقت طويل ، فلغته العربية كانت تخونه في كثير من التعابير وكان يمزجها بالجبالية ، لذا فليس من الغريب حينها في أن أحاول أن أتماشى معه بذلك وأستنبط الأفكار التي كان يحاول إيصالها إلي من مجمل العبارات التي أسمعها منه .
للأسف فأنا لم أتعلم ولو بضع كلمات من اللهجة الجبالية ، مع أن زيارتي تلك لم تكن الوحيدة إلى صلالة ، بل تعاقبت زياراتي لها ، وفي كل مرة يقدر الله لي أن ألتقي بأحدهم ليكلمني بالجبالية .
كنت أتسوق وأهلي في أحد المراكز التجارية نبحث عن نوع معين من الحليب المركز ، بعد أن اقترحت على زوجتي أن تصنع لي " كنافة " لأني أفضلها على سائر الأكلات المحلاه ، المهم .. حينما وصلنا إلى حيث تعرض أنواع وأشكال من الحليب ، اقترب منا رجل ذو مواصفات ظفارية جبالية ، وهو في العقد الرابع من عمره كما بدا لي ، وقد كان مثلي يريد شراء حليب مركز وأخذ مشورتي في تحديد أفضلها ، وبعد أن نصحته بالنوع الذي كثيرا ما نستخدمه نحن ، قال لي : " إنجف عيديد " وجزاك الله خير ، نظرت إلى زوجتي التي كانت تقف على بعد خطوات منا ، ثم نظرت إلى الرجل مستفهما عما سمعت منه ، فأعاد علي عبارة " إنجف عيديد " مبتسما ، ثم أخبرني عن معناها باللغة العربية .
من عرف لغة قوم أمن شرهم ، وتنعم بخيرهم ، وذلك – على الأقل – بألا يكون في ريب مما يسمعه منهم ، سواء وجهوا الكلام إليه أو تحدثوا فيما بينهم وهم ينظرون إليه ، فكثيرا ما يشك الواحد منا في أن الآخرين يتحدثون عنه وخصوصا إن كانوا يحدقون فيه بأعين جاحظة ، " الله يعين المشاهير " .
وبما أنني أتحدث هنا عن اللهجات العامية والتي تزخر بها مناطق وولايات السلطنة ، فيجب علي أن أشير إلى أن كل يوم يمر علينا في هذه الحياة المتسارعة هو وسيلة لمزج تلك اللهجات بعضها ببعض ، وذلك بازدياد إختلاط وتواصل أهالي وأبناء المناطق وتأثرهم ببعضهم البعض ، وهذه صورة بسيطة مصغرة للعولمة الواضحة التي تحدث بين دول العالم في مجال إمتزاج اللغات وتداخل بعضها ببعض ، نتيجة التواصل اليسير بين متحدثي كل لغة وأخرى ، وربما يؤدي هذا إلى موت بعض اللغات وذوبان خصوصياتها بسبب هيمنة لغات أخرى .
أنا أكيد ربما من أنه سيأتي يوم تختفي فيه لغات ولهجات موجودة في زماننا هذا ؟! ، أو على الأقل تذوب في معالم لغات ولهجات أكثر قوة وأكثر إنتشارا ؟!، لذا فإن أصحاب أي لغة أو لهجة يريدون أن يحافظوا عليها وعلى خصوصياتها ، يجب عليهم أن يجعلوها تتواكب مع مستلزمات ومتطلبات العصر الحاضر والمستقبل ، ويبرزوها من خلال الوسائل المتطورة المتاحة .
بالمناسبة كدت أنسى أن أخبركم أن عبارة " إنجف عيديد " الجبالية والتي عنونت بها هذا الموضوع تعني " أحسنت صنعا " بالغة العربية الفصحى .





=======================

لا تعر الدنيا اهتماما أكثر مما تستحق
رد مع اقتباس